عاجل

الأحد 12/مايو/2024

حكومة الوحدة الفلسطينية وبداية انكسار حصار التحالف الصهيوأمريكي

عمر نجيب

فشلت تل أبيب وواشنطن ومن يدور في فلكهما في اسقاط الحكومة الفلسطينية بزعامة حماس بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006، وذلك رغم الحصار والتجويع وحجب مداخيل الضرائب والمساعدات المالية. وفشلوا في تحويل الصدامات التي نشبت بين فتح وحماس والتي ساهموا في تأجيجها عن طريق العملاء وخبراء المخابرات وقوات المستعربين الى حرب أهلية. وفشلوا في تعجيز حماس عن تسيير أجهزة الحكومة أو دفع الجزء الأكبر من رواتب الموظفين. وفشلوا في تأليب المواطن الفلسطيني على حكومته وسحب بساط التأييد الشعبي من تحت اقدامها، وفشلوا نسبيا في استعداء الأنظمة العربية على حكومة هنية أو في قطع كل قنوات الاتصال والتفاهم والتصالح بين هنية والرئيس محمود عباس، وبين القوى المخلصة والوطنية في كل الساحة الفلسطينية. وفشلوا في تمرير مخططاتهم في تهويد القدس دون معارضة بعد أن ظنوا أن الخلاف الفلسطيني الداخلي قد شل خصومهم، وعجزوا عن وقف أعمال المقاومة المسلحة وقصف المستوطنات بالصواريخ وتحويل غزة الى قلعة يشتد بأسها يوما بعد آخر. حاولوا بكل الطرق تحويل الشعب الفلسطيني الى مجموعة رعاع متطاحنين ونسف مكاسب انتفاضته وثورته.

فشلهم الكبير الجديد كان عجزهم عن منع تشكيل حكومة وحدة فلسطينية قادرة بالمناورة والمرونة على التعامل مع معظم الدول الغربية دون التنازل عن الثوابت. لقد جربوا كل الطرق لمنع تشكيل هذه الحكومة حتى أن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس خصصت أربع رحلات مكوكية متوالية سعيا وراء هذا الهدف وحده.

يقول العديد من الملاحظين أن حكومة الوحدة الوطنية حطمت بعد ساعات من حصولها على تأييد المجلس التشريعي الفلسطيني نصف طوق الحصار الغربي، وأكبر دليل على ذلك قرار النرويج تطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الحكومة واستئناف كل أشكال التعاون معها، وقد تبعت باريس أوسلو وقررت فتح محادثات مع حكومة هنية، اليونان تسير في نفس الطريق ومعها مجموعة من دول الإتحاد الأوروبي، ويتوقع أن تتساقط معاقل المقاطعة تباعا.

وقد شارك في هذا الرأي الدكتور مصطفى البرغوثي، وزير الإعلام في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، الذي قال أن الحصار الدولي المفروض على الشعب الفلسطيني بدأ يتفكك، وأشار إلى أن الموقف النرويجي يمثل البداية ويشكل اختراقا للحصار الظالم على الشعب الفلسطيني، وانتصارا للقيم الإنسانية الراقية والحضارية، وستتبعه سلسلة انهيارات في الحلف الصهيوأمريكي، وكشف أن وزير الخارجية النرويجي في طريقه للأراضي الفلسطينية، وسوف يلتقي مع أعضاء الحكومة الجديدة.

وانتقد الوزير الموقف الأمريكي، الذي ينتقد فقرة حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، مؤكداً أن نص هذه الفقرة مأخوذة من قرارات الشرعية الدولية، التي تجيز للشعوب المحتلة مقاومة الاحتلال.

الفشل المنتظر لمحاولات حصار حكومة الوحدة الوطنية، دفع واشنطن وتل ابيب وبعض أعضاء التحالف الصهيوأمريكي الى البحث عن بدائل، وهكذا تفرخت من عقولهم المريضة بوهم الهيمنة والسيطرة وسلب الشعوب حقوقها، فكرة حصر التعامل مع الحكومة الجديدة على الأعضاء الذين لا ينتمون الى حركة المقاومة الإسلامية لعل ذلك يعطي ثمارا ويشعل تطاحنا بين فتح وحماس. الواقع يظهر ان التحالف المناهض للشعب الفلسطيني لم يستخلص العبر من مسلسل فشله السابق ويتصور أن لعبة سخيفة كهذه ستنجح في انجاز ما فشلت في تحقيقه مؤامرات أكبر وأخطر.

حجم التخبط في التآمر الذي وقع فيه ساسة واشنطن من المحافظين الجدد انعكس على التصريحات الرسمية حين اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية أن البند الذي يكفل حق مقاومة إسرائيل في برنامج عمل الحكومة الفلسطينية يناقض شروط اللجنة الرباعية الداعية إلى الاعتراف بإسرائيل والاتفاقات السابقة ونبذ ما يسمى العنف.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية نانسي بيك إن الإشارة إلى حق مقاومة إسرائيل أمر يدعو إلى القلق. وأضافت في مؤتمر صحفي أن كلمة رئيس الوزراء الفلسطيني أمام المجلس التشريعي “كانت مخيبة للآمال ولا تتفق مع مبادئ الرباعية والتزام حكومة الوحدة الوطنية بالمبادئ الأساسية للسلام”.

غير ان ادارة واشنطن ذكرت انها ستجري اتصالات مع بعض أعضاء الحكومة الفلسطينية الجديدة ممن لا ينتمون الى حركة حماس. وقالت المتحدثة باسم القنصلية الأمريكية في القدس ميخائيلا شويتزر بلم ان واشنطن ستواصل اتصالاتها مع الوزراء الفلسطينيين الذين ترى انه “يمكن العمل معهم”. وأوضحت المسؤولة الأمريكية انه لا يوجد تغيير في سياسة بلادها في رفض التعامل مع حركة حماس.

ويرى المراقبون ان قرار واشنطن إجراء مباحثات مع بعض أعضاء الحكومة الفلسطينية اقرار مسبق بفشل مخطط المقاطعة الكاملة حيث أنه ينهي العزلة السياسية التي فرضتها على هذه الحكومة منذ نحو عام، ويضيفون أن التمييز في التعامل مع أعضاء الحكومة الجديدة يحمل في طياته تكتيكا جديدا قد تتمخض عنه اختيارات متفرعة.

من جانبه دعا رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت المجموعة الدولية لاستمرار مقاطعة الحكومة الفلسطينية موضحا أن برنامجها “مثير للمشاكل”. وأضاف أمام مجلس الوزراء “لن نتمكن من إجراء اتصالات بالحكومة أو أعضائها نتوقع ألا يجرى تضليل المجتمع الدولي بتشكيل حكومة ائتلافية”، ولكنه تعهد بمتابعة إجراء الاتصالات مع الرئيس محمود عباس.

وخاطب أولمرت مجلس الوزراء الإسرائيلي قائلا إن برنامج التحالف الحكومي الجديد بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين لم يلب المطالب الدولية بإدانة العنف والاعتراف الواضح بحق إسرائيل بالوجود. وأضاف: “لا نستطيع التواصل مع الحكومة الفلسطينية ووزرائها عندما ننخذ بالاعتبار أن الحكومة لا تقبل شروط المجتمع الدولي”.

وفي مقابلة مع بي بي سي، قالت المتحدثة باسم أولمرت ميري أيسن في وقت سابق إنها لا تستطيع أن ترى اي تحرك في اتجاه اعتراف الحكومة الجديدة بإسرائيل ونبذ العنف.

وأضافت قائلة: “لن نتعامل مع هذه الحكومة. هذه الحكومة لا تعترف بوجودنا ولا تعترف بالاتفاقيات والأهم أنها لا تنبذ الإرهاب بأي شكل من الأشكال”.

جزء كبير من السياسيين والمعلقين داخل الكيان الصهيوني حكموا مسبقا بفشل جهود إسرائيل لمواصلة الحصار، فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية، في عددها الصادر يوم الأحد 18 مارس، أن قلقا شديدا يسود دوائر صنع القرار في إسرائيل، جراء التحرك العالمي لرفع المقاطعة عن الحكومة الفلسطينية الجديدة. وأضافت “لم يجف الحبر عن اتفاق حكومة الوحدة الفلسطينية، وها هي الدول الأوروبية، وعلى رأسها الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذين بدؤوا يدفئون علاقاتهم مع السلطة الفلسطينية، ويعرضون مساعدة على الحكومة الجديدة برئاسة حماس”.

واعتبرت الصحيفة أن المساعي الدبلوماسية الإسرائيلية، والتوقعات بأن يصر العالم على شروط الرباعية كشروط لازمة على الفلسطينيين، باءت بالفشل، في ظرف وقت قصير، موضحة أنه في الولايات المتحدة أيضاً تنطلق أصوات تؤيد استمرار الاتصالات مع جزء من وزراء الحكومة الجديدة.

وأشارت الصحيفة الى أن فرنسا، العضو الكبير الوزن في الاتحاد الأوروبي، قرر أن يقيم بشكل علني علاقات مع الحكومة الفلسطينية الجديدة، إذ دعا رئيس الوزراء الفرنسي دومنيك دو فيلبان علنا إلى استئناف دفع الأموال الأوروبية مباشرة إلى حكومة الوحدة. وأضافت أن رئيس الوزراء الفرنسي كان أول من قرر الشروط الثلاثة التي تبنتها الأسرة الدولية كمطلب من الحكومة الفلسطينية السابقة وحركة “حماس”، “ولم يفسر لماذا تنازل عن الوفاء بهذه المطالب”.

كما أشارت يديعوت إلى بيان نشرته الحكومة الألمانية، الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي، والتي أعربت فيه باسم الاتحاد عن الاستعداد للعمل مع حكومة فلسطينية، “تعمل على أساس برنامج يعكس مبادئ الرباعية”. وقد جاء في البيان أن “الاتحاد سيتابع بحرص برنامج وخطا الحكومة الجديدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات