الأحد 12/مايو/2024

الخيارات العربية المتاحة

سوسن البرغوتي

عندما أعلن بوش استراتيجيته الجديدة، وضع العرب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاحتلال المباشر، أو الحرب الشاملة بقصد تقسيم البلاد العربية، كغنائم حرب، وكلا الخيارين واقع مرير وإذلال لسيادة كافة الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج. وكل خيار من هذين الخيارين له خطط أمريكية لتحقيقه، تهرّباً من خروج مهين للقوات الأمريكية من العراق مهزومة، ولتحقيق توسع “إسرائيلي”.

ربما تنبهت دول “الاعتدال” العربي، بأن دولهم ضمن دائرة الاستهداف، خاصة بعد تصعيد حملة تأجيج نار الفتن الطائفية، وهذه الدول كما غيرها من الدول العربية في دائرة الخيار الأول، وبمفهوم الاحتلال غير المباشر، بتأليب قضايا داخلية في كل دولة، لتعم الفوضى طائفياً ودينياً وعرقياً، وهذا سيجعل الوضع في الدول العربية قاطبة أكثر تعقيداً.

سارعت الأطراف المعنية إلى عقد “مؤتمر بغداد” لتطويق الحرب الطائفية في العراق، مما أدى إلى قبول مشاركة دول الجوار، والتي تعاني بدورها من ضغوط خارجية وداخلية، جراء تزايد قوافل اللاجئين العراقيين إليها، وخوفاً من توسع هذا الداء الطائفي إلى بلدان الجوار بما فيها إيران، والذي سيجر الويلات على جميع البلاد المحيطة بالعراق، ووحده كفيل بتهديد أي محاولة من أجل التهدئة واستقرار دول الخليج بشكل خاص.

بعد الفشل الذريع للخطة الأمنية، ونتيجة لذلك ستسقط حكومةالمالكي، ولكن ليس قبل القضاء على مقتدى الصدر وجماعته وفرقه، وربما يتم ذلك بمشاركة آخرين لتصفية الحسابات العالقة، وبأحداث وخطوات سريعة نحو ترجيح تشكيل حكومة علمانية، تشارك فيها كافة التيارات الفكرية والسياسية والدينية لإنقاذ العراق أولاً، بتأمين هدوء أمني منشود للشعب العراقي، وثانياً ستجني أمريكا ثمار حكومة الوحدة الوطنية، بأن تعود إلى إطلاق شعارات المربع الأول بتأسيس بلد ديمقراطي، وأن المعاناة التي تكبدتها قواتها، كانت من أجل دعم استقرار العراق، وبخروج مشرف لها من العراق، يتحقق مبدأ الربح للجميع.

لهذا فإن الالتفاف حول وحدة الصفوف الداخلية، وإعاقة عمليات التفجيرات ومنع توغل جهات أخرى تسعى لتحقيق أجنداتها، بغض النظر عن مصلحة البلد، وإنهاء الفتن ووضع حد لمؤامرات وأدوات عميلة لعرقلة مشروع مقاوم، بتوحد الصفوف لمختلف الأحزاب والفصائل، وهذا ما اعتمدته المعارضة اللبنانية، متجاهلة الاعتداءات “الإسرائيلية” المستمرة، والدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، رغم التناقض الواضح للبرنامجين، وهذا يتفق تماماً ما أعلنه السيد حسن نصر الله، وأن حزبه يبحث عن دور وطني وليس عن نفوذ وسلطة، وأن المقاومة لن تبقى للأبد، وما يعنيه هو تحرير لبنان بالكامل، وتحقيق السيادة بجيش وطني قوي يدافع عن أراضيه.

كذلك حماس انتهجت وأصرت على دعم البعد العربي، ولملمة الأوضاع، رغم معرفتها الأكيدة، أنه لا بد من انفلات أمني بين الفينة والأخرى، في ظل تنشيط تيار يعمل مباشرة لصالح المشروع الصهيوني، من خلال افتعال أزمات ومواجهات داخلية. لكن بشكل عام، هو لحصار هذا التيار، وتفعيل دور المؤسسات الوطنية، لمواجهة الاحتلال، ورفع الحصار، والانطلاق إلى تأسيس جبهة داخلية متماسكة. لكن تلك المحاولة الجادة، إن تخللتها تنازلات وتفريطات، ستزيد من إنهاك وتصفية القضية الفلسطينية بشكل غير مشرف، ومبايعة علنية للمحتل الغاصب.
فحماس تراهن على أن الحصار لن يستمر إلى الأبد، بعدما نجحت في اتفاق مكة في تحقيق دعم البعد العربي، وسينصاع العالم إلى إرادة تشكيل وحدة وطنية، وستعتمد سياسة المماطلة والتغاضي، حتى تظهر نتائج حكومات التهدئة العربية، واستبعاد خيار الحرب على إيران، والتي لن تنتهي في يوم وليلة، وسينتج خلالها حروب داخلية عربية تعيث خراباً وفوضى على جميع الأصعدة.
ويبقى إعادة تفعيل منظمة التحرير، من خلال التأكيد على بنود الميثاق الوطني الأساسي، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وعدم التفريط بثوابته، هو العمل الذي يجب أن تكثف القيادات الفلسطينية بأكملها الجهود لتحقيق جبهة خارجية متماسكة، تتواصل وتترابط مع الجبهة الداخلية.

أما المقاومة العراقية، وبعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة، فإنها تدرك أهمية قيادة مشروع التحرير المقاوم، وليس تحديد هيكلة السلطة بعد خروج المحتل، بالمشاركة بحكومة وطنية شاملة، لا تشارك فيها الأطراف، التي وُظفت لاتباع أوامر المحتل.

وهذا ما تسعى إليه الدول العربية، للحد من الفوضى حتى لا تتوسع إلى بلدان أخرى، ليعم الخراب والتدمير للبنية التحتية للبلد الواحد على جميع الأصعدة، وأهم وسائل دعم الوحدة الوطنية، أن تمنح تلك  الأنظمة مساحة من الديموقراطية للمعارضة الوطنية الداخلية، والتي لا تتبع سياسة أمريكا و”إسرائيل”، واستقطاب الأحزاب والتيارات الفكرية، حتى لا تندس جهات أخرى تصب الزيت على النار، وتنتقص من سيادة البلد، وتستبيحه أمام العمليات التفجيرية، والتي لا تزيد إلا انقساما وفرقة، وأن تبتعد عن قمع الشعب واضطهاده، لأنه الشريك الوحيد بالتصدي لأي تهديد خارجي.

تلك هي الخيارات المتاحة والمساعدة لمناخ إقليمي ودولي بدعم تهدئة شاملة، لتخفيف التوتر الداخلي.أما “إسرائيل” وبدعم أمريكي، كفيلة وعلى استعداد كامل، لتأدية دور اللاعب المخرب، وليس من مصلحتها، وجود هدوء نسبي داخلي في أي مكان، حتى لا تتم عرقلة مسار المشروع الأهم، وهو تصهين الوطن العربي بأكمله، ولا بد أن تعتمد الخيار الثاني، رغم أنها قد لا تعلم أنه بداية تهديد وجودها، ولربما من الحكمة أن تتغاضى عن التهدئة الداخلية في البلاد العربية، حتى لا تقع في خطأ قاتل آخر بعد الاعتداء على لبنان، هذا إن كانت حكومة أولمرت تنتهج العقلانية، وأنها ليست بحصانة من التدمير والخراب، ولا أحسبها كذلك.

في حال تصعيد الخيار الثاني، فإن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي، إن قامت “إسرائيل” بهجوم على القواعد العسكرية والمفاعل النووي بإيران، وستؤمن لها غطاء بحرياً وجوياً وإعلامياً. لهذا فإن دور الظاهرة الكلامية العربية، ستجير لصالح تبرير هذا الهجوم، وستصفق مهللة لتلقين إيران الدرس الذي يستحق، ومن المفارقات العجيبة، سيتوقف الأمر نهائياً عن مهاجمة العدو الأول للأمة العربية، والذي سيصبح مشاركاً فعالاً في”شرق أوسط جديد”!.
في المقابل، قد تكون الحرب، تصدير أزمات “اسرائيل” الداخلية من انقسام في النظام السياسي الداخلي، وعجز المؤسسة العسكرية بعد هزيمة الجيش في الجنوب اللبناني الصيف المنصرم، وتغطية فشلها بحرب إعلامية، يعتمدها للأسف الإعلام العربي كمرجعية لمتابعة الأحداث، في حين أنها تدس سمومها في جرار أنظمة وشعوب منقسمة ومنهمكة بالتنطع بخلافات جانبية.

أما الشارع العربي بانقسامه وتشتته وفقدان بوصلته الوطنية، فإن الظاهرة الكلامية، لا تقدم ولا تؤخر، وقد فشل بأن يشكل ظاهرة صوتية، ولعل ما حدث في دول أمريكا اللاتينية من رفض شعبي لزيارة بوش، يجعلنا نفكر ملياً ونقارن بين الشارع اللاتيني ومثيله العربي، عندما زار بلير وبوش بلداننا، فكيف يمكن لهذا الشارع العربي استخلاص العبر والدروس، ولا نشهد سوى قرقعة حصى تضرب بعضها البعض، بالتخوين والتكفير والإقصاء، وعدم تقديم أي حلول من اللجان الشعبية والحقوقية لأبسط قضيانا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بتكثيف الجهود لإطلاق سراح محمد خلف، الرجل الشريف، الذي رفض حراسة السفارة “الإسرائيلية” في القاهرة، في حين تم إخراج نائب هاني سرور بكفالة مالية، في قضية استيراد دم ملوث!.
فشل الشارع بنصرة الحركات والأفراد الوطنيين، فعلياً والاكتفاء بالظاهرة الكلامية، سيساعد على تصعيد الخيار الثاني، وهو الحرب المتوقعة بدءاً من إيران، في حين أن جميع الأطراف التي ستتضرر من الحرب، وأهمها المدنيين الأبرياء، وانهيار الاقتصاد العربي، وحرق الأرض العربية، في ظل غياب مشروع وطني عربي واعٍ، يرجح أن هذه الظاهرة الكلامية، ليست بأكثر من غوغائية، تجهل ما ستسببه الجولة القادمة من آثار مدمرة بمواجهة بين إيران و”إسرائيل” على وطننا العربي.

أتوجه إلى الشارع العربي بالسؤال: من هو عدو الأمة في هذه الجولة تحديداً، حتى نبتهج ونصفق مكرسين ثقافة داحس والغبراء الجاهلية؟، وهل توسيع ساحة الفوضى “الخلاقة” من مهمة الشارع العربي، ليصبح بدوره طابوراً خامساً يزيد الطين بلة!؟.

طبعاً لا أدعو للتضامن والارتماء في أحضان إيران، ولكن أدعو لتحرك فاعل للتصدي إلى خيار الاستراتيجية الجديدة الثاني، وهو الحرب الشاملة، حماية لوطننا العربي من حرب لا تبقي ولا تذر، والاستمرار بالنضال من أجل تحرير البلاد والعباد.

أمريكا لن تخسر من أراضيها، والخسارة الوحيدة هي تغيير سياسة البيت الأبيض، وهذا متوقع ومرجح، بالإضافة إلى انهيار مرحلي للاقتصاد، وزج قوات مرتزقة في الحرب. أما التدمير الشامل للوطن العربي، سيضعنا أمام كارثة، لن يستطيع الوطن العربي النهوض مجدداً لقرن كامل، على أقل تقدير.

يقيني إن المقاومة العربية أكثر تعقلاً وتفهماً للخيارين المطروحين، فقواعد الصواريخ والطائرات العسكرية الأمريكية في العراق والبلاد العربية المجاورة المنطلقة لتدمير إيران، لن يتم توجيه ضربات إيرانية  تدميرية للبشر والحجر لبلاد الماوماو!.
قد لا يعجب لحن قولي الكثير من الآراء الانفعالية العاطفية، ولكن من الأهمية بمكان أن نعي خطورة المرحلة القادمة وأن نعمل بشيء من المسؤولية الوطنية، حتى لا نقضي على الهيكل العظمي للوطن العربي.

أما القمة العربية المتوقعة في آخر شهر مارس، فإما أن تحتكم للعقلانية، وتدعو إلى تهدئة الأمور من أجل مصلحة الأمة العربية بأكملها، وتدعم الحكومات الوطنية، مع الإبقاء على ضرورة حق المقاومة، وإما أن تذكي خيار الحرب، ولسان حال المجتمعين “علينا وعلى أعدائنا”. فما من مكاسب يمكن أن يحققها التعاون مع المشروع الأمريكي، بل العكس هو الصحيح لأن الحروب بكل أشكالها توقع الويل والدمار على كل من يطاله نارها، ولندرك بأن الوطن العربي مستهدف في كل وقت وفي كل حال، وهذا يفرض على الأقل أن ننبذ التناحر فيما بيننا، ونرفض الحرب التي لن يخرج منها طرف عربي منتصر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد ومصاب برصاص الاحتلال في مخيم بلاطة

شهيد ومصاب برصاص الاحتلال في مخيم بلاطة

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب وأصيب طفل، صباح الأحد، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامها مخيم بلاطة شرق نابلس. وأفادت مصادر...

إصابة 3 مستوطنين بقصف المقاومة عسقلان

إصابة 3 مستوطنين بقصف المقاومة عسقلان

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب ثلاثة مستوطنين بجروح - فجر الأحد- جراء سقوط صاروخ أطلقته المقاومة الفلسطينية على عسقلان المحتلة. وقالت هيئة البث...