الجمعة 10/مايو/2024

حماس استطاعت أن تعيد تشكيل المعادلة السياسية بما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا

حماس استطاعت أن تعيد تشكيل المعادلة السياسية بما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا
ليست عضواً عادياً في برلمان ما، فهي قيادية فلسطينية تعيش تحت الاحتلال، واغتال جيش الاحتلال زوجها القيادي في غارة جوية، ومع ذلك فهي ذات حضور واسع في المجتمع الفلسطيني الذي تتحرّك به، علاوة على كونها مربِّية ذات باع في سلك التعليم.

إنها النائب منى سليم صالح منصور “أم بكر”، من مواليد نابلس سنة 1961، وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة النجاح الوطنية سنة 1985، وقد عملت مدرِّسة في كلية المجتمع الإسلامي بالزرقاء في الأردن، وعملت معلِّمة في مدارس محافظة نابلس. والنائب منى منصور معروفة بأنها من القيادات البارزة في مجال العمل النسوي وشؤون المرأة، وهي عضو في الهيئة الإدارية لمركز جذور الثقافي في محافظة نابلس، وعضو في الهيئة العامة لجمعية الاتحاد النسائي، وعضو في الهيئة العامة لجمعية التضامن الخيرية الإسلامية. كما أنّ هذه القيادية الفلسطينية خبرت ممارسات الاحتلال مباشرة كونها زوجة الشهيد القائد في حركة “حماس” جمال منصور، وهي أم لخمسة أبناء هم ثلاث بنات وولدان. وقد انتخبت في بدايات عام 2006 لعضوية المجلس التشريعي عن قائمة “التغيير والإصلاح” التابعة لحركة “حماس”.

في هذا الحوار تتحدث النائب منى منصور عن تجربة “حماس” في البرلمان والحكومة، وعن تجربة عهد يقارب العام الكامل كان حافلاً بالمنعطفات والتحديات الشاقة، كما تعلِّق على بعض التطورات الراهنة، وخاصة “اتفاق مكة” بين حركتى “حماس” و”فتح” وآفاقه.

تجربة “حماس” في الحكم
– المواطنون انتخبوكم في حركة “حماس” لقيادة الشأن الفلسطيني. الآن وبعد مرور أحد عشر شهراً على توليكم الحكم؛ كيف تقيِّمين هذه التجربة التي خاضتها الحركة؟
منى منصور: لاشك أنها تجربة رائدة ومحورية، باعتبارها مؤشراً صادقاً وحقيقياً على قناعة الشعب بخيار الإسلام كحل رئيس لمعالجة القضية الفلسطينية التي فشلت كل الحلول الوضعية في علاجها أو مواجهة الاحتلال الصهيوني. فكأنّ الشعب الفلسطيني يقول إنّ الحل الوحيد لقضيتنا الفلسطينية هو المشروع الحضاري الإسلامي، القادر على الحفاظ على الثوابت الوطنية ودحر المحتل الغاصب عن أرضنا. لكنها في الوقت نفسه كانت تجربة قاسية جداً، حيث تكالبت علينا كل القوى ممثلة بدولة الاستكبار العالمي أمريكا، وربيبتها ما تسمى بـ “إسرائيل”، ودول الاتحاد الأوروبي، خشية منهم لزحف المد الإسلامي للدول العربية المجاورة، في ظل صمت وتخاذل الدول العربية والإسلامية إلا ما رحم ربي. حيث تعرضنا لحرب كونية تمثّلت بالحصار والمقاطعة الظالمة، لكننا بحمد الله ثبتنا وتمسكنا بثوابتنا ورفضنا الإقرار بشرعية الاحتلال على أرضنا مما عزز ثقة شعبنا في حركة “حماس”، وبدأ تصدع الحصار من خلال وقوف الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى جانبنا، بالإضافة إلى وقوف بعض الحكومات معنا. وقد كان ذلك من خلال موقف “حماس” وقدرتها المتمثلة بالخط السياسي، من إيجاد صيغة من التوازنات على الساحة الدولية، استطاعت أن تعيد تشكيل المعادلة السياسية بما يكسر الحصار ويخدم المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
 
– كيف تقدمون خدماتكم في الحكومة ووزارتكم بشكل خاص للجمهور الفلسطيني، في ظل قطع أوصال الضفة والقطاع؟ وما هي الحلول التي وضعتموها لتجاوز هذه العوائق؟
منى منصور: بداية أؤكد أنني في المجلس التشريعي ومهمته مراقبة أداء الحكومة والوزارات المختلفة، أي أنّ مهمتنا هي مراقبة السلطة التنفيذية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومحاسبتها، ونحن كذلك حلقة الوصل بين الجمهور والوزارات المختلفة. وقد استطعنا مساعدة الجمهور في القضايا المختلفة رغم صعوبة التواصل بين الضفة وقطاع غزة وحتى بين مدن الضفة نفسها، فالاحتلال لم يترك مدينة إلاَ وقيّدها بالحواجز، ولكننا وبفضل الله تجاوزنا كل الصعوبات وذلك باستخدام كل الطرق للتواصل، عن طريق الهواتف والفاكس والإنترنت والربط التلفزيوني (الفيديو كونفرس).

“اتفاق مكة” والخطوات العملية
– حكومة الوحدة الوطنية أصبح تشكيلها وشيكاً، كيف تقيِّمين “اتفاق مكة” بين فتح وحماس؟ وما هي الخطوات العملية على الأرض التي اتخذتموها أو التي ستتخذونها لتنفيذ هذا الاتفاق؟ أم أنكم في المجلس ليس لكم علاقة بهذا الاتفاق كونه بين الفصائل وأنتم نواب في البرلمان؟
منى منصور: اتفاق مكة أثلج صدورنا وشكّل محطة رائعة في تاريخ الشعب الفلسطيني على طريق تعزيز الشراكة السياسية التي تستحق التقدير. وبفضل الله ولأول مرة يتم الاتفاق على هذه الوحدة الوطنية في ظل الاحتلال، واستطعنا تحويل الشعارات إلى واقع على الساحة الفلسطينية التي ما زالت تئن من ظلم الاحتلال. وكذلك تمكنّا بحمد الله ثم بجهود المخلصين من أبناء أمتنا من طيّ الصفحة الأليمة التي عاشها شعبنا خلال الشهور الماضية. ونحن كأعضاء في المجلس التشريعي باركنا هذا الاتفاق، واتخذنا خطوات عملية لتعزيزه على الأرض، من خلال عقد لقاءات مع ممثلي الفصائل وحثهم على ضرورة الالتزام بالاتفاق، وكذلك عبر إصدار تصريحات والمشاركة بندوات لتعزيز ثقافة الوحدة والتوافق وتوجيه الجهد الفلسطيني نحو دحر الاحتلال، والمساهمة في معالجة آثار الفتنة من خلال المشاركة في لجنة وطنية من الرئاسة والحكومة والتشريعي من أجل تعويض المتضررين.
أما خطوات تنفيذ الاتفاق فقد بدأت على الأرض من خلال بدء الأخ رئيس الوزراء بعد التكليف من الرئيس محمود عباس بإجراء المشاورات المستمرة مع الفصائل وكتل العمل الفلسطيني.
ونحن كنواب ندعم ونراقب الحوار مع الفصائل والكتل بصورة دائمة، حتى يتم تنفيذ ما اتُفق عليه في مكة المكرمة، ثم يتمثل دورنا في إعطاء الثقة في المجلس التشريعي ثم المراقبة والمحاسبة بعد ذلك.

– كيف ستنال حكومة الوحدة الوطنية الثقة من المجلس التشريعي بينما ثلث المجلس برئيسه ما زالوا مختطفين لدى سلطات الاحتلال؟ وما هي الجهود التي تقومون بها للإفراج عن هؤلاء المختطفين؟
منى منصور: يمكن لهذه الحكومة أخذ الثقة في المجلس التشريعي كأي حكومة بالأغلبية المطلقة وهي نصف العدد زائد واحد وهذا الأمر متوفر، حيث يعطي المجلس التشريعي الثقة بمن حضر من الفصائل، واعطاء الثقة من الفصائل لحكومة الوحدة ممكن خاصة بعد اتفاق مكة المكرمة الذي كان من أجل تعزيز الشراكة السياسية بين جميع الفصائل الفلسطينية، بما فيها أكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية “حماس” و”فتح” وبقية الفصائل. إنّ ملف الأسرى جرح كبير لشعبنا، صحيح أنّ النواب يحملون رمزية خاصة، ونحن منذ أول يوم دخلنا فيه الانتخابات نزلنا تحت برنامج المقاومة، سنة 1995 قلنا لا للمشاركة ودفعنا الثمن، واليوم قلنا نعم للمشاركة ودفعنا أيضاً الثمن، نحن اليوم في مربع المقاومة والمقاومة بحاجة إلى ثمن. نحن ونوابنا ومن في السجن يعرفون أنّ هناك ضريبة للمبدأ الذي رفعوه ونتشرف بحمله. وحتى يميِّز الناس بيننا وبين غيرنا الكل يعرف صناديق الاقتراع توصل الناس لكرسي الحكومة ولكنها توصلنا للسجون، لأننا أصحاب قضية عادلة وتمسكنا بمشروع المقاومة لنيل حقوقنا السليبة.

فقضية النواب هي قضية سياسية، تستهدف الابتزاز السياسي والضغط على الحكومة من أجل التنازل عن الثوابت والمبدأ، وهذا لانقبله ولا يقبله النواب الأسرى.
أما في قضية كيف سنعطي الثقة في ظل وجود 40 في المائة من النواب داخل السجن؟ لو كانت حماس حزبيّة لأصرت على عدم تشكيل الحكومة إلاَّ بخروج النواب. وهنا أسأل سؤالاً: هل الحكومة الجديدة مرضيّ عنها إسرائيلياَ؟ وبالتالي هل يريد الكيان الصهيوني نجاح هذه الحكومة إذا منعنا إعطاء الثقة إلاَ بشرط الإفراج عنهم؟ والنواب أيضاَ لن يكونوا راضين بأن يكونوا حجر عثرة أمام تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني. لن تحل قضية الشعب الفلسطيني بهذه الصورة. الإفراج عن النواب (يتم) بقرار صهيوني وهو قرار سياسي مرتبط بالجندي الأسير جلعاد شاليط.

نحن كنواب ومنذ اليوم الأول لاعتقال إخواننا النواب والوزراء تحرّكنا في عدة مستويات. فقد عقدنا جلسة خاصة في المجلس التشريعي من أجل اطلاق سراح النواب والوزراء المختطفين، وأوصلنا صوتنا إلى جميع أنحاء العالم، وخرجنا بتوصيات من أجل إطلاق سراح نواب الشعب الفلسطيني، وأطلقنا رسائل مختلفة إلى المسؤولين كلّ في موقعه. لقد اتصلنا بالبرلمانيين والمؤسسات، ولم ندع منبراً من المنابر السياسية ذات الشأن العربية والإسلامية والدولية إلاَّ ووضعناها أمام مبادئها وبأنّ المختطفين هم من أبناء الشعب الفلسطيني تم انتخابهم ضمن انتخابات نزيهة شهد لها العالم، وما اعتقالهم إلاَ عقاب للشعب الفلسطيني على تجربته الديمقراطية. كما تم التواصل مع الجمعيات القانونية ومنظمات حقوق الإنسان والبرلمانات العربية والإسلامية والأوروبية، وشرحنا لها قضية النواب، وطالبناها بالضغط على حكومة الاحتلال من أجل اطلاق سراحهم، فليس لهم ذنب سوى أنّ شعبهم اختارهم وانتخبهم ليمثلوه ويحملوا همّه. وقد تحرّكنا محلياً وشعبياً من خلال الاعتصامات والمظاهرات لتفعيل قضية النواب، وكلّفنا محامين من خلال المجلس التشريعي لزيارة النواب والوزراء ومتابعة قضيتهم لإطلاق سراحهم.

اتهامات .. والردّ عليها
– تتهمكم جهات فلسطينية، كحركة فتح، بأنكم عيّنتم أربعة عشر ألف موظف في الإدارات الحكومية وأنّ هذه التعيينات تنتظر تصديق رئيس السلطة محمود عباس عليها. فما هو ردكم على تلك الاتهامات؟
منى منصور: الحكومة جاءت لتجد وزارات تعاني من التضخم في عدد الموظفين، فالمؤسسة أو الوزارة التي تحتاج لألف موظف تجد فيها 1870 موظفاً على سبيل المثال ولدينا الأدلة في ذلك، بالإضافة إلى أنّ الإداريين في المستشفيات الحكومية مثلاً أكبر من عدد الأخصائيين كالأطباء والممرضين. عندنا زيادة في الموظفين ونقص في الكفاءات، ويمكن التوجّه لكل وزارة على حدة لأخذ إحصائيات في هذا الأمر. وزد على ذلك أنّ الموظفين من طيف فلسطيني واحد، حيث أنّ من كان يتقدم للعمل توجب عليه أن يخضع لما يُسمّى “السلامة الأمنية” وغيرها من العراقيل.
إنّ التهم التي تُوجّه إلينا اعتدنا عليها، فهذه ليست التهمة الأولى ولن تكون الأخيرة بحقنا، وقد اتخذنا أثناء عملنا سياسة تجاهل الاتهامات حتى نستطيع التقدم وتحقيق برنامج الإصلاح والتغيير الذي جئنا من أجله، وواجهنا صعاباً لو تعرضت لها أي حكومة أو مجلس تشريعي لانهار منذ أول أيامه، ولكن بفضل الله ثبتنا وصبرنا وقاومنا وسرنا في حقول الألغام من أجل تحقيق التغيّرات إن شاء الل،ه فنحن أكثر من اكتوى بنار الإقصاء ولم ولن نمارسه ضد أحد إن شاء الله، فنحن لسنا إحلاليين ولسنا اقصائيين. لقد جئنا ببرنامج فوجدنا كل العاملين في مؤسسات السلطة بأجندة مرسومة يعطلون برنامجنا بالإضراب وعدم تعاون الموظفين، فهل يُعقل أن ننفذ برنامج الإصلاح بأجندتهم. الحكومة ملتزمة بالقانون ولم تعيِّن إلاّ وفق القانون ووفق شواغر الحكومة، وأنصفت من كانوا محرومين ومن كان يُمارَس بحقهم الإقصاء الوظيفي، حيث ألغت “السلامة الأمنية” أي التعيينات على أساس حزبي. نحن لم نعيِّن في شهرين 21 ألف شخص كما فعل غيرنا من نفس الانتماء، إنما إذا عيّنا نعيِّن أصحاب الشهادات والكفاءات.

– صدر خطاب من الجامعة العربي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات