الثلاثاء 04/يونيو/2024

فتح وباقي أيتام أمريكا: شراكة في الخطاب والأدوات!

رشيد

من المألوف أن ينقلب البعض فكريا على معتقداتهم وقناعاتهم نحو الأسوأ؛ والتاريخ الإنساني سجل وسيسجل مثل هذا النمط من النكوص والردة والانقلاب على العقبين أبد الدهر؛ لأن تقلب القلوب خصلة إنسانية قابلة للتحقق؛ والا لما احتاج الأمر من محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه أن يثبته على دينه؛ وأن يعلمنا هذا الدعاء العظيم والخطير حذر تقلب القلوب. لكن؛ حين يحصل هذا التغير على مستوى فريق كامل أو حزب بأسره يبدل جلده وثوبه الروحي أو السياسي مستبدلا الأدنى بالذي هو خير؛ فان المرء يصعق لحجم التغيير؛ ولا يملك إلا الوقوف هنيهة للاتعاظ والاعتبار والتدبر!

ولعل بعضنا لا زال يذكر ما حصل مع انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الشرقي لمصلحة تغول القطب الأمريكي الواحد؛ إذ أمكن تسجيل بعض الظواهر المثيرة لانقلابات فكرية حادة عصفت ببعض أبناء المدرسة الشرقية؛ فتحول للتطبيع مع العدو الصهيوني كتاب لطالما تربحوا من الاشتغال في خطاب الثورة ضد الاستعمار والإمبريالية؛ وانتقل للتنظير للزمن الأمريكي قادة ومفكرون يساريون عديدون؛ لكن كان علينا أن ننتظر حتى هذه المرحلة من التاريخ العربي المعاصر لنشهد بعض أسوأ الانقلابات والتحولات الجماعية في الولاء من الوطن إلى المحتل الغازي؛ ومن استقبال البيت الحرام قبلة إلى الحج للبيت الأبيض والصلاة على آل البيت الأبيض!

ترى هل ننسى كيف كان برهان الدين رباني وجيش تحالف الشمال محسوبا على الجهاد الأفغاني ضد روسيا وكيف صاروا بيادق في يد المحافظين الجدد؛ يقاتلون باسمهم لإخضاع خراسان لاحتلال لم يتمكن منها منذ العام سبعين للهجرة حين فتحها المهلب بن أبي صفرة؟ وهل نسي الجعفري الرئيس الأسبق لحكومة عملاء المغول الجدد أدبيات حزبه – حزب الدعوة – في الثورة على الظلم والاستكبار واستهداف المصالح الأمريكية في غير مكان في الخليج العربي؛ حين كانت أمريكا لم تزل شيطانا أكبر؟ الأحرى إنه لم ينس؛ لكن تبدل كل من في الحزب معه وتمتعهم بالدور الجديد كجلاوزة من الدرجة الثالثة في خدمة البسطار الأمريكي؛ قد سهل من مهمة الانسلاخ من ثوب الثورة؛ ودخول بيت الطاعة الأمريكي!

أما حديث بلاد الشام فهو الأكثر طرافة في سوداويته وكآبته! فحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح قدمت أقوى مثال على جماعة معاصرة اختارت الكفر الوطني الشامل بكل ما قامت عليه الحركة وانطلقت من أجله؛ وتحولت إلى النقيض التام خيانة وعمالة وارتهانا للقرار لمصلحة العدو المباشرة…ولعل الكثير من الكتاب تطرقوا لهذا التبدل والتحول إلى تولي تل أبيب وواشنطن والتنكر للنضال والمقاومة وفلسطين على يد خونة المنتجعات وعجائز التفريط و”أولاد الكامب”؛ ولم يعد من كثير يقال في البكاء على هذا الخل الذي صار خمرا؛ وأصبح نجسا في أصله لا ترجى له طهارة؛ لكن لا زال هناك متسع لمقاربة مختلفة لاستيعاب ما آلت له حال فتح – وهي مقاربة لا تخلو من إثارة!

ففتح بنهجها المعاصر تثبت أن المدرسة الأمريكية الجديدة في تخريج العملاء واحدة حقا؛ وأن الحديث عن قرضائيي فلسطين أو علاوييها لم يعد مجرد بلاغة محببة؛ بل صار تقرير حقيقة وتأصيلاً لواقع بين دون أي مبالغة أو بديع لساني مستظرف. فقط قارنوا بين أدبيات وأدوات فتح في فلسطين والقوات اللبنانية في لبنان لتكتشفوا حجم الشبه بين خصمي الأمس الذين وفق بين رأسيهما في الحرام وعلى وسادة واحدة الحب في غير ذات الله – بل الحب في ذات أمريكا…

فهناك وجه شبه وتطابق عجيب بين خصمي الأمس ورفيقي اليوم يستحق إطالة النظر والتمعن: على مستوى الشكل فان فتح سمت يوم الأحد الذي تصدت فيه القوة التنفيذية لأولى فجرات الأجهزة الأمنية الفتحاوية واسعة النطاق – فتح سمت ذلك اليوم بالأحد الأسود؛ وكذلك سمى سمير جعجع قائد القوات اللبنانية يوم الإضراب العام الكبير للمعارضة الوطنية  اللبنانية بالثلاثاء الأسود!

واعلام فتح وفي إسقاط ذاتي حقير سمى القوة التنفيذية التي أسسها الوزير صيام بأنها “بشمركة” – وكأن القوة التنفيذية هي التي تلقت ستة وثمانين مليونا من أمريكا لقمع المقاومة – في حين عبر جعجع مؤخرا عن خشيته من تحول حزب الله إلى “جيش مهدي جديد”!!! أرأيتم كم هم ظرفاء فتح وجعجع؟ فتح ضد من يقاسمونها ذات الدور الخياني في العراق وجعجع حريص على السنة والشيخين أبي بكر وعمر!

ولا ننسى كيف يحرص الطرفان القوات وفتح على رمي حزب المقاومة في بلديهما بالتبعية لإيران؛ وكأن التعاون مع طرف خارجي لتقوية حزب المقاومة ضد إسرائيل وأمريكا وكلابها صار عمالة وخيانة؛ في حين أن رهن مقدرات البلد والوطن للشرعية الدولية- خارطة طريق بوش فلسطينيا ومؤتمر باريس 3 لبنانيا – هو الاستقلال والحرية في تقرير المصير!

ولا يقتصر هذا التوحد بين فتح والقوات وباقي أيتام أمريكا على شكل حربهم على المقاومة كل في وطنه؛ بل يتعدى ذلك إلى الأدوات؛ فالطريقة القذرة التي قام بها زعران وبلطجية القوات وحلفائهم بقتل وجرح الأبرياء غيلة برصاص القناصة في جامعة بيروت العربية وضربا بالعصي على مفارق الطرق لا تختلف كثيرا عن أسلوب أجهزة فتح في اغتيال الأطفال والأئمة الركع السجود سواء كانوا في محاريبهم أو في منازلهم! ففتح والقوات يدركان تماما أن الضرب في الشعب المسكين والمدنيين الأبرياء يضغط على عصب مكشوف للمقاومة؛ المقاومة الحريصة بأخلاقها وقيمها على حفظ دماء الناس وأعراضهم وأموالهم!

ماذا كان سيسع جبل فدائيي فتح الأوائل قولا لو رأوا حرص فتح المعاصرة على الاعتراف بإسرائيل والتبعية لأمريكا وإجبار الفلسطينيين قتلا وخطفا على النطق بكلمة الكفر الوطني؟ ماذا كان سيسعهم لو رأوا فتح عن يمين حزب مجلس الحكم وعن يسار حزب القوات في خدمة أجندات الاستعمار؟ بل ماذا كان سيسع كمال عدوان وسعد صايل– هذا الشجاع الذي يصر بعض أبناء قريته كفر قليل على توسيخ اسمه بعملياتهم الجبانة في خطف الأطفال – ماذا كان سيسعهم القول لو رأوا كما شاهدنا بدهشة مفرطة موفد حزب القوات اللبنانية “انظوان زهرة” في حفل ذكرى انطلاقة فتح هذا العام والذي نظمه عباس زكي في بيروت؟ هل يمكن لأي كوميديا سوداء أن تكون صادمة لهذا الحد؟ فتح المقاومة والرصاصة الأولى والثورة يهنئ بانطلاقتها جزارو صبرا وشاتيلا وأئمة التيار اليميني الانعزالي الاستئصالي في لبنان؟

من الذي تغير هنا: هل فتح هي التي خانت الدم والقضية أم أن القوات اللبنانية دخلت في دين الله أفواجا؟

أخشى أن الإجابة واضحة وضوح الشمس: فحزب القوات اللبنانية لم يتخل عن انعزاليته وصليبيته؛ وهو لا يزال وفيا للولاء لكل ما هو معاد للشرق العربي الإسلامي من فرنسا إلى أمريكا إلى إسرائيل؛ ولا زال متظاهروه يرفعون العلم الأمريكي هكذا بكل سفور ووضوح ووقاحة وعلى رأي عين مفتيي آل الحريري وبما لا يخفى على عباس زكي أو فتح؛ لكن هذه الأخيرة هي التي بدلت ثوبها وصارت تقرأ من كراس القوات وتذهب لذات المدرسة؛ وتنشد مزامير العمالة بين يدي المربية الفاضلة الآنسة “رايس”؛ في صف دراسي يجمعها مع حزب الدعوة؛ وفيلق بدر؛ وأفغان أمريكا؛ والحزب التقدمي الاشتراكي الجنبلاطي؛ وباقي حطب جهنم من عملاء أمريكا!

لقد أصبحت فتح جزءاً من فريق الخيانة العربي الممتد تاريخا من أبي رغال الى محمد دحلان؛ مرورا بيعقوب المصري – عميل نابليون وقائد أجهزة الأمن المؤيدة له في مصر أيام الغزو الفرنسي – وحركيي الجزائر وسعد حداد وانطوان لحد؛ وأي فشل في قراءة هذه الحالة الخيانية لفتح وفهمها على أنها خيانة؛ وتسميتها باسمها خيانة وعمالة لا لبس فيهما ولا عذر عنهما هو خطأ قاتل؛ سيؤدي الى تحمل المقاومة وجمهورها عواقب وخيمة؛ لن يحول بينها وبين التحقق إلا معالجة أمر الخونة كما تقضي كل قوانين السماء والأرض!

لقد ذهب وقت المعالجة بالكلمة والموعظة الحسنة؛ ولم يعد يصلح في أبي رغال نصح ولا زجر ولا نهي؛ ففيل أبرهة واقف بظاهر الحرم؛ والمسجد الأقصى برسم الهدم؛ ولا بديل عن التصدي لأبرهة وجيشه بغير المقاومة؛ ولا بديل عن معاقبة أبي رغال بغير رمي الجمرات؛ وكما يفعل حجيج بيت الله مع الذي خان الله وخان التراب كل عام في موسم الحج!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة فتى برصاص الاحتلال شرق نابلس

إصابة فتى برصاص الاحتلال شرق نابلس

نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب فتى فلسطيني، مساء اليوم الثلاثاء، برصاص قوات الاحتلال "الإسرائيلي" في بلدة سالم شرق نابلس. وأفادت مصادر محلية...