السبت 11/مايو/2024

الأزمة الفلسطينية.. وخطوات الخروج من المأزق الراهن

خالد عبد المجيد

إن الأزمة الفلسطينية الراهنة لها أبعاد داخلية و خارجية برزت بشكل جلي بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي فازت فيها حركة حماس بالأكثرية في المجلس التشريعي استناداً إلى برنامج الإصلاح و التغيير الذي طرحته.

و كان لهذا الفوز وقع الصاعقة على العدو الصهيوني و الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول العربية و كذلك على فريق السلطة السابق الذي كان يستأثر بأوضاع السلطة     و منظمة التحرير الفلسطينية والذي يتحمل نتائج اتفاقات أوسلو التي مر عليها أكثر من عقد من الزمن دون أن تحقق أي تقدم للقضية الوطنية حيث تجاوزت سلطات الاحتلال هذه الاتفاقات و عادت واحتلت كامل الضفة الغربية و أجزاء من غزة التي حولتها إلى سجن كبير بعد الانسحاب منها في إطار ما سمته فك الارتباط.

أضف إلى ذلك ما مارسه فريق السلطة السابق من فساد و تفرد و استئثار للسلطة والمنظمة مما أدى لنقمة شعبية عارمة إلى جانب فشل المشروع السياسي الذي حمله هذا الفريق. و بالتالي جاءت نتائج الانتخابات التشريعية لمحاسبة هذا الفريق سياسياً واجتماعيا ًوسلوكيا.واستمر هذا الفريق بتبني الإستحقاقات المطلوبة من الوضع الفلسطيني و التي طرحتها الرباعية لإخضاع الوضع الفلسطيني للإرادة الأمريكية-الصهيونية.

فبدؤوا منذ اللحظة الأولى لنتائج الانتخابات العمل للانقلاب عليها عبر خطوات الضغط والتحريض لإفشال تجربة حماس وتم رفض المشاركة في حكومة وحدة وطنية بذرائع مختلفة أهمها الجانب السياسي و الاشتراطات التي طرحتها أمريكا و الرباعية في محاولة لإسقاط حركة حماس سياسياً و الطلب منها الاعتراف بإسرائيل ومحاولة إلزامها بشروط الرباعية بهدف احتوائها أو إفشالها أمام الشعب الفلسطيني وصوروا الأمر أننا أمام استئثار و تفرد جديد من قبل حركة حماس التي اعتبرت أن من حقها تشكيل الحكومة الفلسطينية باعتبار أنها تملك الأكثرية في المجلس التشريعي بعد أن رفضت الفصائل جميعها مشاركتها في الحكومة تحت مبررات و ذرائع مختلفة جانب منها سياسي والجانب الآخر نتيجة عدم مشاركة حركة فتح في الحكومة و إصرارها على إلزام الحكومة بالطلبات و الاشتراطات الدولية و الإقليمية.

و أمام هذا التحدي الكبير و وضع العصي في دواليب الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس . بدأت الأزمة تتفاقم لان الفريق السياسي الذي كان يستأثر بالسلطة السابقة يصر على إفشال حكومة حماس ولا يريد مشاركتها و يعمل للعودة للسلطة بأي ثمن و عن أي طريق و هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن حركة حماس لم تقع بأخطاء أهمها انه كان باستطاعتها تشكيل حكومة من حركة حماس و كفاءات فلسطينية مختلفة ترتبط بأوضاع المجتمع الفلسطيني و أطيافه المختلفة حتى لو لم تشارك فتح و الفصائل .إلا أن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال ما جرى في الساحة الفلسطينية من تجاذبات و توتير للأوضاع وصلت إلى حد الاقتتال نتيجة التحريض الإسرائيلي و الأمريكي و بعض الدول العربية والخطوات التي اتخذتها الرئاسة واللجنة التنفيذية وفريق من حركة فتح.

و إلى جانب هذا كله استمر الاحتلال في انتهاج سياسة العدوان و الاغتيالات والاجتياحات و التدمير و الضغط و أوقف أموال الضرائب الفلسطينية و شدد الحصار في إطار خطة مترابطة لإفشال الحكومة الفلسطينية .

و أصبح الوضع الفلسطيني بمجمله أمام تحديات كبيرة و جديدة دفع فيها المواطن الفلسطيني وموظفي السلطة والوضع الفلسطيني بمجمله ثمن هذا الحصار و التجويع في محاولة يائسة من القوى المناهضة لحماس لإفشال تجربتها إضافة إلى محاولات عرقلة عمل الوزارات المختصة و منع حماس من إدخال الأموال و المساعدات من الخارج . و أصبحت السلطة برأسين و سلطتين في القرار متناقضين سياسياً و داخلياً. الرئاسةو منظمة التحرير الفلسطينية و فتح من جهة والحكومة وحركة حماس من جهة أخرى واتخذت الرئاسة ترتيبات في ما تبقى من مؤسسات م.ت.ف وفتح بهدف نزع صلاحيات الحكومة بدعم وتغطية دولية و إقليمية و عربية.

أمام هذا المشهد الفلسطيني المعقد و بعد أن بذلت جهود كبيرة من أجل التمسك بالحوار الداخلي للوصول إلى ائتلاف وطني و تشكيل حكومة وحدة وطنية. كانت العواملوالضغوط الخارجية دوماً هي التي تعرقل الوصول إلى اتفاق و السبب هو قناعة فريق الرئاسة بضرورة الاستجابة للشروط الدولة و الإقليمية والتعاطي معها لأنها بنظره هي التي ستشكل له المخرج من أزمته و تعيده للسلطة فبدل التوجه للاتفاق الداخلي كان هذا الفريق يمارس الضغط على الحكومة وحماس في ظل غياب دور مؤثر للقوى و التيارات الأخرى وأصبحنا أمام ثنائية في التجاذبات الداخلية و لهذا فلم ينجح الحوار في التوصل لحكومة وحدة وطنية و اشتدت الأزمة و وصلت إلى اوجها في الاقتتال الداخلي الذي رفضه شعبنا و الذي انذر و ينذر بمخاطر كبيرة على القضية الوطنية و مستقبلها وترك مبررات للاحتلال و الولايات المتحدة لإستغلال هذه الأوضاع وزرع الفتنة لحرب أهلية.

 إن هذه الأوضاع الخطيرة تدفع الجميع للمراجعة النقدية الشاملة و الارتقاء بالمسؤولية الوطنية بعيدا عن التأثيرات الخارجية و الحسابات الحزبية الضيقة و المكاسب الموهومة من أجل الخروج من المأزق الراهن.

خطوات الخروج من المأزق الراهن:

1-  لا بد من الإقرار من الجميع بأن الأسلوب الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة هو الحوار الداخلي و العمل للاتفاق على حكومة وحدة وطنية بمشاركة كل الكتل النيابية في المجلس التشريعي بحجم تمثيلها بعيداً عن التفرد و الاستئثار و الثنائية وعلى قاعدة وثيقة الوفاق الوطني التي تم التوافق حولها من الجميع.

2-  نبذ الاقتتال الداخلي و تحريمه و رفض كل أساليب التوتير الذي يؤدي إلى هذا الاقتتال و عدم الوقوع في الفتنة الداخلية التي يحرض عليها الاحتلال من خلال دعمه لفريق ضد فريق و تحريضه المستمر لإبقاء الوضع الفلسطيني في حالة عجز داخلي و اقتتال و توتير وتنافر بهدف الهاء قوى المقاومة عن دورهاو تعرية الفريق الآخر و ارتباطاته ليظهر أن الوضع الفلسطيني غير مؤهل لإدارة شؤونه بيده و إبقاء الوضع الفلسطيني تحت رحمة الاحتلال الذي يهدف لتنفيذ مخططاته التصفوية.

3- العمل لإعادة بناء م.ت.ف و إحياء مؤسساتها على اسس سياسية وتنظيمية صحيحة بمشاركة كل القوى و الفصائل لتشكل المرجعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل و الخارج باعتبارها الممثل الشرعي و الوحيد لشعبنا و قائدة نضاله الوطني بعيداً عن السياسات التي تم انتهاجها في الفترة السابقة و إجراء انتخابات حرة لتشكيل مجلس وطني جديد يمثل كل الفلسطينيين و يعبر عن إرادتهم.

4-  التمسك بإقامة دولة فلسطينية مستقلة و عاصمتها القدس على كامل الضفة الغربية و غزة و بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم و ديارهم وممتلكاتهم ورفض كل أشكال التوطين و التهجير و رفض المشروع الأمريكي –الصهيوني لدولة فلسطينية بحدود مؤقتة خلف الجدار و مقاومة كل المشاريع التي تنتقص من حقوق شعبنا الوطنية والتاريخية .

5- التمسك بخيار المقاومة و الانتفاضة باعتباره الخيار الأساسي إلى جانب الخيارات السياسية و الدبلوماسية و رفض كل الدعوات لوقف المقاومة أو نزع أسلحتها تحت ذرائع و مبررات تستهدف الخضوع للإرادة الأمريكية – الصهيونية .وإعادة بناء و إصلاح أجهزة السلطة و مؤسساتها و خاصة الأجهزة الأمنية لتشكل الدرع الحامي لشعبنا و مؤسساته و مكتسباته و رفض كل المحاولات التي تسعى لتحويل هذه الأجهزة أداة للاحتلال لقمع المقاومة و ملاحقتها أو أن تلعب دوراً لإخضاع شعبنا لإرادة الأعداء .

6- العمل من اجل فك الحصار المالي و الاقتصادي والأمني و معالجة قضايا شعبنا بروح مسؤولية عالية و رفض كل الضغوطات السياسية والأمنية والمعيشية التي تمارس ضد شعبنا من خلال سياسة الحصار و التجويع .

7-  تشكيل مرجعية سياسية موحدة و مؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية لحين تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني من الداخل و الخارج تشارك فيها كل القوى و الفصائل الفلسطينية وعدد من الشخصيات و الكفاءات يقع على عاتقها الإعداد لعقد دورة للمجلس الوطني و إدارة الأوضاع السياسية لحين انتخاب لجنة تنفيذية للمنظمة من المجلس الوطني الجديد.

8- تفعيل هيئات و مؤسسات المجتمع المدني و لجان حق العودة في كل تجمعات شعبنا و مشاركتها في تحمل المسؤولية و متابعة الأوضاع التي تتعلق بشؤون شعبنا في الداخل و الشتات.

10- توحيد الجهد الوطني المقاوم عبر استراتيجية مقاومة موحدة من خلال تشكيل قيادة موحدة للمقاومة تشارك فيها كل الأجنحة العسكرية.

*الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات