الجمعة 08/نوفمبر/2024

تجربة صواريخ القسام.. دروس وعبر

لمى خاطر

 

بعد أن كانت بشكلها البدائي وأثرها المادي الطفيف مدعاة لسخرية المهزومين وطنياً وقصيري النظر والنفَس ممن تفننوا بنعتها بأسخف الصفات التي تحط منها كالمواسير والألعاب النارية وألعاب الأطفال، وبعد مرحلة طويلة وشاقة من التطوير والتحسين كان أساسها إرادة صلبة لدى قادة المقاومة ومجاهدي القسام، وعزيمة أكيدة وضعت نصب أعينها هدف امتلاك سلاح يتكفل بتحقيق توازن الرعب ويتخطى كل المعيقات المادية الصهيونية التي تحول دون استمرار بعض وسائل المقاومة..

 

بعد كل هذا هاهي صواريخ القسام اليوم تسجل بصمة عميقة في سفر البطولة الفلسطينية، فبفضلها أجبرت إسرائيل للمرة الأولى على الاستجابة لاشتراطات التهدئة الفلسطينية بعد أن كان الرفض ديدن السياسات الإسرائيلية السابقة التي كانت ترى أن يدها قادرة على القتل والتدمير دونما رادع ودون تحمل أثمان باهظة رداً على انتهاكاتها..

والثمن الباهظ المقصود هنا بخصوص صواريخ القسام لا يتمثل بطبيعة الحال في الأثر التدميري أو المادي المباشر الذي تحدثه هذه الصواريخ، بل في الجانب المعنوي بالدرجة الأولى وما هو أبعد من ذلك من تهديد للجبهة الداخلية الصهيونية والتي هي بمثابة (كعب أخيل) المشروع الصهيوني أي نقطة ضعفه الرئيسة باعتراف العديد من المحللين العسكريين الصهاينة.

فالوضع الذي يفرز واقعاً يجعل سكان المغتصبات الصهيونية داخل الكيان يعيشون حالة دائمة من الرعب والكآبة وعدم الاستقرار ليلاً ونهاراً، والوضع الذي يتأكد فيه للمجتمع الصهيوني أن كل الترسانة العسكرية الصهيونية باتت أعجز من أن تصد صاروخاً بدائياً أو تتنبأ بمكان وأوان سقوطه، والوضع الذي تصل فيه المنظومة العسكرية الصهيونية إلى قناعة بأن عملياتها الأخيرة في غزة ذات الأسماء المتعددة والأثر التدميري الكبير لم تنجح في تأمين الجبهة الصهيونية الداخلية من الصواريخ ولا بتوفير فترة هدوء لسكان المستوطنات، والوضع الذي تخفق فيه كل إجراءات الحصار براً وبحراً وجواً على القطاع في التخفيف من وتيرة انطلاق القسامات – كما يصفها الإعلام الصهيوني – هذا الوضع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المشروع الصهيوني بات يشعر بجدية التهديد الاستراتيجي الذي يواجهه.

فالأمن الداخلي والاستقرار النفسي المجتمعي هما أهم الدعائم الذي يقوم عليها هذا المشروع، ولن يصبح هناك معنى لربط الصهاينة بأرض فلسطين المغتصبة ولا باستقطاب المزيد منهم إليها دون النجاح بتوفير جبهة داخلية مستقرة وآمنة.

ولذلك فلسنا نبالغ إن قلنا إن صواريخ القسام قد سجلت نجاحاً حقيقياً على الأرض وتفوقت على كل العمليات الصهيونية التي استهدفت التخلص منها أو التقليل من أثرها، فلا الاجتياحات ولا الاغتيالات التي نفذت بحق مهندسي الصواريخ ومطلقيها ولا كل التجارب التكنولوجية الصهيونية قد نجحت في الوقوف في وجه هذا السلاح البدائي وكسر شوكته.

ولذلك لا بد من الوقوف ملياً أمام هذه التجربة المقاومة الجليلة والفريدة، للتمعن في أبعادها واستخلاص العبر منها بما يساهم في خدمة المقاومة ومشروعها وتحقيق إنجازات ملموسة لشعبنا وتحقيق الندية المطلوبة في التعامل مع الاحتلال.

ولعل أبرز تلك العبر تكمن في:

إنه ما من شيء يمكن أن يقف حائلاً بين المقاومة وبين غاياتها طالما كانت هناك إرادة حديدية وعزيمة جادة وطموح أكيد وطالما كانت قيادة المقاومة أهلاً لإدارة المعركة والثبات في وجه المحن، وهذا ما تحقق لدى المقاومة الفلسطينية في غزة وعلى رأسها كتائب القسام التي استطاعت خلال السنوات الأخيرة تحقيق إنجازات نوعية في وسائلها وتكتيكاتها العسكرية.

  أهمية توفر فترات من التهدئة خلال مسيرة الصراع الطويلة مع العدو تؤمن للمقاومة فترة لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفوفها وتقييم تجربتها وتطوير وسائلها، ويمكن معها استثمار نتائج المقاومة السابقة لصالح شعبنا وبما يساهم في التخفيف من معاناته، لكن المهم ألا تبدو تلك التهدئة وكأنها أنجزت من منطلق ضعف أو رضوخ لإملاءات العدو.

فالتهدئة الأخيرة كانت مختلفة عن سابقاتها من جانب أنها جاءت بعد فشل العملية العسكرية الصهيونية الأخيرة على القطاع في تحقيق أهدافها وأبرزها إيقاف صواريخ القسام واستجلاب الأمن لسكان سيدروت بالقوة، مما حدا بإسرائيل إلى التعاطي بإيجابية مع هذه التهدئة، ولأول مرة نجد إسرائيل تعلن أنها (ستضبط نفسها) حيال (الاستفزازات) الفلسطينية، وهو ما يعني أن إسرائيل بدأت بالتحول لخانة (سحب الذرائع) من المقاومة.

  ضرورة عدم السماح لإسرائيل بإخراج غزة من دائرة الصراع وقصر شروط التهدئة على محيط القطاع، خاصة وأن المقاومة في الضفة منهكة عسكرياً، خاصة مع الضربات الاستباقية التي يقوم بها جهاز المخابرات الصهيوني لفصائل المقاومة من خلال استنزاف كوادرها الدائم بالاعتقال للحيلولة دون نشوء ظروف على الأرض تتيح للأجهزة العسكرية المقاومة فرصة التقاط أنفاسها والوقوف على أقدامها ومحاولة استنساخ تجربة القطاع.

وطالما أن أثر صواريخ القسام هو اليد التي تؤلم إسرائيل وتهدد أمن مستوطناتها وتدفع سكانها لإبداء الاستعداد للرحيل عنها فلا بد من الحرص على صد أية محاولة لتحييد هذه الورقة المهمة.

  أهمية أن يكون المستوى السياسي والصوت الفلسطيني الرسمي متوحداً مع النفس المقاوم ومدافعاً عنه، ولعل أهم ما يحسب للحكومة الحالية هو قدرتها على فرض المقاومة كواقع وخيار، الأمر الذي أجبر الجميع على التعامل بجدية مع المقاومة بعد أن كانت سابقاً تتعرض للإدانة والتنكيل المادي والمعنوي من قبل المستوى الرسمي الفتحاوي، ولذلك لا عجب أن نشهد هذا التحول في الموقف الصهيوني في عهد حكومة أبت التفريط بالمقاومة وظلت تدافع عنها رغم كل الصعوبات.

وهذا بطبيعة الحال يتيح لسلاح الصواريخ أن يصبح ورقة سياسية مهمة في يد من يتقن استخدامها وتوظيفها بما يحقق إنجازات لشعبنا، وهذا يترتب عليه ضرورة أن تكون القيادة السياسية أهلاً لنيل ثقة قيادة المقاومة، لا أن تناصبها العداء وتطعنها من الخلف كما كان يحدث سابقاً.

  وختاماً وفيما يتعلق بالجانب العسكري نجد أنه وبالنظر إلى الظروف الميدانية تبرز أهمية الحرص على تطوير سلاح الصواريخ والقذائف بأشكالها واستخداماتها المختلفة، لأنها ستغدو فيما بعد السبيل الوحيد الأمثل لصد الاجتياحات ومواجهة التقنية التحصينية العالية لجيش الاحتلال، ولأنها ستوفر على المقاومة استخدام وسائل أقل نجاعة وأكثر استنزافاً للعامل البشري في صفوف المقاومة الفلسطينية، كما أنها ستساهم في إيجاد بدائل للوسائل التي عطلتها وحدت منها الإجراءات الصهيونية المختلفة التي حالت دون إمكانية توفر فرص كبيرة للمواجهة المباشرة أو النجاح في الوصول إلى داخل المدن الصهيونية لتنفيذ عمليات استشهادية.

ويجب ألا يغيب عن بال المقاومة الفلسطينية والمستوى السياسي على حد سواء أن الصواريخ الفلسطينية هي السلاح الذي يكاد يكون الوحيد الذي لم تفلح إسرائيل حتى الآن في وضح حد له او ابتكار آلية ناجعة لمواجهته وتحييده، ولذلك فلا شك أنه سيكون عنوان المقاومة الأبرز في أية مواجهة مقبلة، الأمر الذي يستأهل إيلاء قدر كافٍ من الاهتمام لمتابعته وتطويره وإدخال تحسينات ملموسة عليه حتى يظل في الجعبة الفلسطينية دائماً ورقة قوية تحول دون خضوع الإرادة الفلسطينية للابتزاز الصهيوني والدولي، ولكي يظل في يد المقاومة ما يجعل مسيرتها في تقدم مستمر تكتنفه إنجازات نوعية وإبداعات لا تنتهي تتكفل بإضعاف المشروع الصهيوني ومجابهة مخططاته واستنزافه الدائم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

14 عملا مقاومًا في الضفة خلال 24 ساعة

14 عملا مقاومًا في الضفة خلال 24 ساعة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام نفذت المقاومة الفلسطينية 14 عملا مقاوما متنوعا، خلال الساعات الـ24 الأخيرة، ضمن معركة "طوفان الأقصى". ورصد مركز...

مظاهرات حاشدة في اليمن دعما لفلسطين ولبنان

مظاهرات حاشدة في اليمن دعما لفلسطين ولبنان

لندن- المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت مظاهرات حاشدة، الجمعة، في 14 محافظة يمنية بينها العاصمة صنعاء للتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة ضمن...