حق الملكية

على مدى 50 عاماً كان جوهر النزاع بين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود ولا يزال على الأرض، إذ أن هدف الصهيونية الدائم هو الاستيلاء على الأرض والتخلص من أهلها تحقيقاً لخرافة – أرض بلا شعب – ونجحت بذلك بدليل وجود 5 ملايين لاجئ فلسطيني اليوم بعيداً عن ديارهم التي احتلها المهاجرون اليهود.
جوهر النزاع هذا، استرجاع الأرض السليبة، هو الذي أدى من جانب الفلسطينيين إلى قيام حركة الفدائيين في الخمسينات ثم قيام منظمة التحرير الفلسطينية في الستينات، وارتفاع نجم المقاومة الفلسطينية في السبعينات، واليوم نرى هذا المبدأ الأساسي تهمش وتوارى عن الأنظار، وظهرت عوضاً عنه أهداف ثانوية، تلخص أمال الشعب الفلسطيني وكفاحه في نصف قرن في ممر أو مطار أو ميناء أو فضلة من ارض يتنازل عنها العدو.
لا شك في أنه خطأ قاتل الاعتقاد بأن الفلسطينيين سيتخلون عن ديارهم، التي تغطي 92 في المائة من مساحة إسرائيل، أو عن استعادة ملكيتها أو حق العودة إليها، والمسألة ليست مسألة مأوى أو معيشة، فالفلسطينيون الضاربة جذورهم في تاريخ فلسطين لا يمكن أن ينسلخوا عن ديارهم، وهم متمسكون بقراهم ودورهم وتلالهم وديارهم في أضيق معاني جغرافية المكان، وهم جازمون بأن من يستبدل دياره كأنما يستبدل أبويه، وهذا لن يكون مهما طال الزمان.
خيبة الأمل في أداء القيادة الفلسطينية، التي قامت على اكتاف هؤلاء اللاجئين لتعيد إليهم ديارهم، ليس لها حدود، لكنها تتعدى الآن حدود الإحباط وتنمو في اتجاه عملي لتصحيح هذا المسار، وهناك زخم كبير في أوساط اللاجئين سواء كانوا فقراء أو أغنياء، وأينما كانوا، في المعسكرات أو في المنافي البعيدة، يدعو إلى ضرورة العمل على ممارسة حق العودة واستعادة الملكية.
حق الملكية
حق التمتع بالملكية الخاصة لا ينقضي باحتلال الأرض، أو بإعلان سيادة الدولة على منطقة، ولا علاقة له بالمعاهدات والاتفاقات التي تعقد بين الدول والجماعات. لذلك فإن تمتع اللاجئين بملكيتهم الخاصة أمر واجب النفاذ بغض النظر عما إذا نجحت مفاوضات أوسلو أم لم تنجح. وإذا أعلنت دولة فلسطينية، قد تستطيع الحكومة أن تستولي على أملاك عامة، ولكن هذا يخضع للقانون العام الذي يعطي المواطن صوتاً لمعارضته، وتستطيع الحكومة أن تستولي على أملاك خاصة في أضيق الحدود لمشروع ما بعد تعويض المالك، لكن لا يستطيع المحتل أو حكومة معترف بها أن تستولي على الملكية الخاصة لملايين الناس.
وحق العودة إلى الوطن مكفول بالمادة 13 من ميثاق حقوق الإنسان حتى لو لم يملك الفرد عقاراً خاصاً به، كما أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين مكفول بموجب قرار الأمم المتحدة الشهير رقم 194، الذي أكده المجتمع الدولي أكثر من 110 مرات.
كل هذه القواعد تجعل العودة إلى الديار والتمتع بالملكية الخاصة أمراً قانونياً واجب النفاذ، ولا ينتقص منه أي اتفاق قد تتوصل إليه المنظمة أو السلطة الفلسطينية، سواء كان بتفويض صريح من الشعب الفلسطيني أو لم يكن، فليس لأحد أياً كان سلطة التفريط في الحق الخاص بأي فرد، لذلك فإن المطالبة بهذه الحقوق واجب، ولا مبرر لانتظار اتفاق سياسي حتى لو بدأ جيداً مع أنه من الواضح أن انتظار استرجاع الحقوق بالأسلوب الحالي نوع من الوهم، بل وسيلة لضياعها.
تحديد الأرض الفلسطينية
تبلغ مساحة فلسطين 26.320 كيلو متراً مربعاً، أقيمت إسرائيل على جزء منها مساحته 20.325 كيلو متراً مربعاً، وتبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية في إسرائيل 18.643 كيلو متراً مربعاً، أي 92 في المائة من مساحة إسرائيل، بما في ذلك أرضي الفلسطينيين الباقين هناك. وعند تقدير مساحة الأرض الفلسطينية، فإن أفضل طريقة هي طرح مساحة الأرض اليهودية من مجموع مساحة فلسطين، وذلك لأن المهاجرين اليهود كانوا حريصين على تسجيل ممتلكات لإثبات وجودهم في البلاد، خصوصاً وأن الشراء كانت تقوم به شركات استيطانية تمسك دفاتر منظمة. تبلغ مساحة الأرض اليهودية 1.682 كيلو متراً مربعاً عام 1948، منها 181 كلم مربع امتيازات محدودة الأجل منحتها حكومة الانتداب، ومنها حصص في أراضي مشاع، لذلك فإن المسجل منها قانوناً أقل من ذلك.
وبلغت مساحة الأراضي المسجلة باسم الصندوق القومي اليهودي، الذي يملك 52.2 في المائة من أملاك اليهود 856.000 دونم فقط (1كم مربع = 1000دونم) وأياً كانت مساحة الأراضي المسجلة لليهود، ومعترف بها قانوناً، فإنها أقل بكثير من مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم قبيل حرب 1948 التي يزعمون أنها ملك خاص لهم.
باقي أراضي فلسطين هي ملك خاص وعام لأهلها على مدى القرون، وكانت مملوكة لهم حسب القانون العثماني يفلحونها ويدفعون عنها الضرائب. وعندما تسلمت حكومة الانتداب مقاليد الأمور، كان غرضها الأول مسح الأراضي من أجل معرفة الأراضي التي يملكها اليهود والاستيطان بها عملاً بوعد بلفور، لذلك قامت بعمل خرائط مساحية كاملة لفلسطين، ريفها وحضرها، ثم أنشأت إدارة “التسوية” لتحديد ملكية الأراضي وتحويلها من العقود العثمانية الوصفية إلى قطع وقسائم مرقمة على الخرائط بحيث يسهل نسبة الملكية للمكان، لكن بريطانيا هجرت فلسطين قبل أن تنجز هذه المهمة لكل فلسطين.
وعندما عينت لجنة التوفيق الدولية لفلسطين خبير الأراضي جارفس، لتقدير أملاك اللاجئين الفلسطينيين، قضى مع فريقه عدة سنوات، مستفيداً من سجلات الحكومة البريطانية للأراضي التي تمت بها التسوية والتي لم تتم، واعتمد أيضاً على سجلات الضرائب، وقدم تقريره إلى الأمم المتحدة في نيسان (أبريل) 1964.
وخلاصته الآتي: سجل جارفس الأملاك الخاصة للعرب، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، وحصرها في 453.000 بطاقة، وكل بطاقة تحتوي على كل الأملاك الخاصة لمالك واحد في الحدود الإدارية لقرية أو مدينة واحدة، مهما كان عدد هذه الأملاك، ويكون لهذا المالك بطاقة أخرى إذا كانت له أملاك في قرية أخرى. ولم تحدد سجلات جارفس الأملاك العامة للعرب أو على الأقل حصتهم منها. والمقصود بالأملاك العامة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة والهيئات البلدية والخدمات العامة، رغم أنها تخص قرية أو مدينة عربية، وبلغ مجموع ما سجله جارفس 5.194.091 دونماً هي أملاك عربية خاصة في الأراضي التي تحتلها إسرائيل بما في ذلك المناطق الحرام والمناطق المنزوعة السلاح، ولم يدرج جارفس قضاء بئر السبع بأكمله ومساحته 12.577.000 دونم، معتذراً بعدم العثور على سجلات، على رغم أنه أرض عربية خالصة ليس لليهود فيها وجود يذكر، ووجودهم على قلته مسجل. وعلى رغم أن سجل جارفس لا تشمل أكثر من 30 في المائة من الأراضي الفلسطينية، إلا أنها تعتبر أهم وأكمل مرجع لملكية الأراضي، خصوصاً في المناطق الكثيفة السكان.
الوضع الحالي
عندما احتلت إسرائيل مساحات شاسعة من فلسطين وطردت أهلها عام 1948، استولت على نحو 18 مليون دونم من أراضيهم، وهي أكبر عملية نهب منظم في التاريخ. وعمدت فوراً إلى نصب شبكة من القوانين للاستيلاء عليها حتى تتفادى شجب المجتمع الدولي وتظهر بمظهر الدولة الديمقراطية. بدأت أولاً بإصدار قانون أملاك الغائبين عام 1950، وتمت صياغته حتى يصبح كل فلسطينيي (غائبا) في الظروف نفسها. وكما يعتبر اللاجئ غائباً، فإن الفلسطيني الذي بقي في إسرائيل يعتبر غائباً أيضاً، حتى ولو كان غيابه للذهاب إلى قرية مجاورة.
وإذا لم ينتقل من مكانه، فيمكن لإسرائيل الاستحواذ على أرضه بإعلان المنطقة “منطقة مغلقة” أو “منطقة أمنية” أو منع السكان عنها لمدة 3 سنوات ثم اعتبارها منطقة غير مفتلحة.
ولكي تبعد عنها عقاب القانون الدولي في شؤون الحرب، أنشأت إسرائيل (هيئة التطوير) كحاجز بين الحارس على الأملاك والمتصرف بالأراضي، وحوّل الحارس على أملاك الغائبين كل الأراضي إليها، بغرض تطويرها وتأجيرها وبيعها إلى مؤسسات يهودية فقط.
وحدث خلاف شديد بين حكومة إسرائيل والصندوق القومي اليهودي على السيطرة على الأراضي الفلسطينية استمر عشر سنوات. وفي عام 1960 صدرت (القوانين الأساسية) التي تسمي هذه الأراضي أراضي الدولة، وتوكل مهمة إدارتها وإدارة أراضي الصندوق إلى هيئة واحدة هي (إدارة أراضي إسرائيل) وهي التي تتصرف فيها حتى اليوم.
قامت إدارة الأراضي بتأجيرها إلى الكيبوتسات والموشاف (القرى التعاونية) بعقود طويلة الأجل بأسعار رمزية، ولا تزال كلها باسم الدولة. وفي الواقع لا توجد في إسرائيل أملاك فردية يهودية إلا الأملاك التي اشتراها أفراد يهود قبل عام 1948 وهي نسبة ضئيلة.
بعد فشل فكرة الكيبوتس وخسارتها المادية، والهجرة منها إلى الحياة الحضرية في الوسط، بدأت إسرائيل منذ عام 1997 في بيع أراضي اللاجئين الزراعية إلى مقاولين لكي تبني عليها عمارات للبيع، مع تعويض مزارعي الكيبوتس تعويضاً خيالياً جعل منهم أثرياء بين يوم وليلة. هذا الحدث له دلالات خطيرة، فهو ينبئ بنهاية الكيبوتس كشعار صهيوني يدعو إلى عودة اليهود إلى الأرض ونبذ أعمال التجارة والمال التي عرف بها اليهود عبر الزمن، وهو أيضاً يدق جرس الخطر للاجئين، إن أراضيهم تنتقل تدريجياً من حارس الأملاك العام إلى أفراد يهود، سواء كانوا مواطنين في إسرائيل أو خارجها، وبذلك يصعب عليهم التحقق من وضعها القانوني والفعلي. لذلك أصدرت الجامعة العربية قراراً في 16/9/1998 يقضي بالطلب إلى الأمم المتحدة تعيين قيّم على أملاك اللاجئين في إسرائيل، وإرسال بعثة تقصي حقائق للإطلاع على أوضاعها الحالية والحصول على الخرائط والمستندات الخاصة بها من إسرائيل.
إمكان العودة
تلجأ الدعاية الإسرائيلية والموالون لها من الباحثين في الغرب إلى الزعم بأن عودة اللاجئين إلى أراضيهم، وان اعترف البعض بأنها سليمة قانوناً، إلا أنها مستحيلة عملياً، لأن الحدود ضاعت وامتلأت البلاد بالمهاجرين الجدد، وليس هناك دليل مقنع على صحة ذلك، وقد قمنا بدراسة ديموغرافية للسكان من يهود في الريف والحضر وفلسطينيين في 41 إقليماً طبيعياً تمثل التقسيمات الإدارية لإسرائيل، وأضفنا إلى كل إقليم حصته من العائدين الفلسطينيين حسب مواطنهم الأصلية، فلم نجد ما يثبت هذا الزعم، ولتبسيط الموضوع، نبين في الجدول المرفق نتائج هذه الدراسة، يمكن تقسيم إسرائيل إلى 3 مناطق (انظر الخريطة الحديثة في مقال : “حق العودة ليس قانونياً فقط بل وممكن أيضا” ): منطقة (1) وتشمل 8 أقاليم في المنطقة الوسطى للبلاد وحول حيفا ومساحتها 1.683 كم2 ويعيش فيها 68 في المائة من اليهود، وهذه المنطقة تطابق تقريباً في مساحتها ومكانها الأراضي اليهودية عام 1948، ما يؤكد أن العادات اليهودية في التجمع لم تتغير كثيراً خلال 50 سنة. ومنطقة (2) وتشمل 5 أقاليم ملاصقة لمنطقة (1) ومساحتها 1.318كم2 ويعيش فيها 10 في المائة من اليهود. وهذه المنطقة تساوي تقريباً مساحة أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل ولو أنها ليست بالضرورة في المكان نفسه، هذا معناه أن منطقتي (1) و (2) اللتان تبلغ مساحتهما 15 في المائة من إسرائيل هي مسكن 78 في المائة من اليهود. والباقي هو منطقة (3) ومساحتها 17.325 كم2 وتساوي في مساحتها وموضعها موطن اللاجئين الفلسطينيين، ويسكن فيها الآن 22 في المائة من اليهود فقط لكن 19 في المائة منهم يعيشون في بضع مدن، والباقي 3 في المائة فقط في الريف، والحقيقة المرة أن 160.000 يهودي يسرحون ويمرحون على أرض هي ملك 4.800.000 لاجئ (أرقام 1994) وهؤلاء لا يز
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...