الإثنين 12/مايو/2025

العودة ممكنة وضرورية للسلام

العودة ممكنة وضرورية للسلام

بينما تصر إسرائيل على عدم إضفاء أي بارقة أمل في عودة اللاجئين إلى ديارهم، يلجأ الكتاب اليهود الإسرائيليون والأمريكيون إلى وضع العراقيل العملية أمام العودة. وبينما تريد إسرائيل الاحتفاظ بالأرض الفلسطينية التي تبلغ 92.6% من مساحة إسرائيل، يواجه الكتاب المتعاطفون معها الحقوق القانونية والتاريخية للفلسطينيين بقائمة طويلة من التشكيك والمعوقات والمجادلات التي تعرقل تحقيق العودة تحت غطاء الحياد العلمي والبحث المجرد. ذلك لأن هؤلاء الكتاب لا يستطيعون إنكار هذه الحقوق مثل إسرائيل التي تنكرها وتمنعها بالقوة المسلحة، ولأنهم يعيشون في الغرب ويخاطبونه فهم يلجأون إلى أسلحة العلم والقانون لمحاولة إلقاء ظلال الشك على تلك الحقوق. والغريب أن أحداً أو اثنين من الكتاب الفلسطينيين في أمريكا قد تبنى هذه المقولة الخادعة.

يقول المشككون أن قرار 194 القاضي بحق العودة هو قرار غير ملزم وهو توصية لها طابع إنساني فقط. لكن إصرار المجتمع الدولي على تكرار هذا القانون دون توقف خلال خمسين عاماً باستثناء إسرائيل، وانضمت إليها أمريكا أخيراً، إنما هو شهادة قاطعة بالإجماع الدولي على ذلك. وفي القرار 3236 الصادر في 1974 أكدت الأمم المتحدة أن العودة حق من الحقوق “غير القابلة للتصرف”، بل وحثت الدول على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني بما في ذلك السلاح للحصول على هذه الحقوق.

ويقول المشككون أيضاً أن معظم اللاجئين لا يرغب في العودة، وأنهم لو أعطوا تعويضاً مناسباً واعترافاً بالمعاناة التي مروا بها وجنسية أو جوازاً يتنقلون به، لتنازلوا عن حق العودة، وأغلق هذا الملف إلى الأبد. والذي يقول ذلك ليست لديه أية معرفة بالشعب الفلسطيني وحقيقة مشاعره. ومثله مثل الذي قال: عندما يموت الطاعنون في السن الذين يذكرون فلسطين ستنتهي تلك القضية. أين هذا القول من الانتفاضة؟ لقد حافظ الشعب الفلسطيني على كيانه العضوي عبر بلاد عديدة رغم التمزق الجغرافي. ولا يزال حفيد اللاجئ يقول أنه ينتمي إلى القرية التي نزح منها جده.

ورغم أنه لا توجد دراسات إحصائية كثيرة عن نسبة اللاجئين الذين يرغبون في العودة، لأنه ليست هناك حاجة إليها، فإن كل الظواهر تدل على رغبة الأغلبية الساحقة في العودة إلى الوطن. ورغم أن هناك قيوداً ومحاذير على التعبير عن الرغبة الحقيقية للاجئين، إلا أن مسحاً أجري في أحد البلاد العربية التي تعامل اللاجئين معاملة جيدة، بين أن 80% يرغبون في العودة دون شروط، 13% يرغبون في الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، و 7% فقط يرغبون في البقاء حيث هم. هذا المسح تم بين أصحاب المهن القادرين على مزاولة مهنهم في أي مكان، وكان ذلك بعد اتفاقية أوسلو وما تلاها من إحباط عام.

والشيء الذي يغيب عن هؤلاء المشككين هو أن العودة “حق” وليس رخصة أو تأشيرة سياحية تفقد مفعولها بعد زمن. ويحق لكل لاجئ أن يمارس هذا الحق متى شاء. ولا يسقط بالتقادم. ولا علاقة له برغبته في العودة أو ممارستها في وقت ما. ولا نحسب أن الأتراك في ألمانيا، واللبنانيين في الأمريكتين، واليونانيين في كل بلاد العالم يفقدون حقهم في العودة إلى بلادهم لو عاشوا في تلك البلاد سنوات طويلة ولو أخذوا جنسيتها. ويكفي مراجعة تقارير المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين على مدى خمسة عقود لنرى كيف يبدو إصرار اللاجئين على العودة إلى الوطن كما شهدته الوكالة عن قرب.

ويقول المشككون أيضاً أن القرى دمرت والحدود ضاعت والمعالم تغيرت. ومن الصعب معرفة الحدود والأماكن وواضح أن القائلين بذلك يجهلون حال فلسطين. لا يوجد بلد في المشرق العربي موثق مثل فلسطين. لقد عملت لها خرائط منذ حملة نابليون في 1799، وعلى يد صندوق اكتشاف فلسطين (1871 – 1878) الذي سجل 15.000 اسم قرية ومكان على الخرائط. وأثناء الانتداب (1920 – 1948) تم إعداد خرائط مفصلة لكل فلسطين بمقياس 100.000:1 و20.000 و1.250، تحتوي على 000ر100 اسم.

وقد استعملت إسرائيل هذه الخرائط وطورتها. وعندما استولت على الأرض الفلسطينية ووزعتها بالإيجار على المستعمرات، احتفظت بسجل كامل لكل قطعة أرض ومصدرها وصاحبها الأصلي ومستأجرها الحالي. كما قامت بريطانيا في الفترة 1945 – 1946 بتصوير جوي كامل لكل فلسطين لا يزال موجوداً. كما أن مقارنة صور الأقمار الصناعية بالخرائط الفلسطينية كفيل بتحديد كل قطعة أرض مهما صغرت. وتحتفظ الأمم المتحدة في ملفات لجنة التوفيق في فلسطين بسجلات الأراضي للفلسطينيين الأفراد الذين تم تسجيلهم في عهد الانتداب. وأعتقد جازماً أن تحديد الأرض الفلسطينية والأرض الواقعة تحت حيازة اليهود عام 1948 لا يمثل مشكلة فنية يصعب حلها. وللتخلص من حق العودة والتعويض معاً تطلق إسرائيل بالونات اختبار عن طريق المشككين والأكاديميين اليهود المتعاطفين معها.

وذلك باقتراح أن تصدر إسرائيل إعلاناً “بأسفها” على المعاناة التي تحمّلها الفلسطينيون مقابل أن يعترف الفلسطينيون بأن تحقيق العودة “مستحيل” والتعويض من إسرائيل غير وارد. وحتى لا يعتبر هذا الإعلان اعترافا بمسؤولية إسرائيل يصدر الإعلان على شكل قرار من الأمم المتحدة توافق عليه إسرائيل بين البلاد، ويلغى القرار 194 إلى غير رجعة.

ولا يجد هذا التفكير أي صدى لدى اللاجئين رغم التشريد والحروب والإحباط. لكن أفكاراً قريبة من ذلك تبناها الكاتبان رشيد الخالدي وأحمد سامح الخالدي تدعو إلى اعتراف إسرائيل الرمزي بحق العودة من حيث المبدأ، واعتراف الفلسطينيين بالمقابل بأن تحقيق العودة “مستحيل” عملياً إلا في حدود لمّ الشمل. وهذه آراء شخصية. رغم أن الدوريات الأمريكية والإسرائيلية أولتها اهتماماً كبيراً. وأصدر خليل الشقاقي وجوزيف ألفر ( ضابط الموساد السابق ) تقريراً بهذا المعني.
أما الحجة التي تبدو مقنعة، فهي أن البلاد قد امتلأت باليهود وأن عودة اللاجئين معناها ترحيل اليهود من البلاد التي جاءوا منها. هذه الحجة لا تستند على أساس. كما سيأتي بيانه.

خطة العودة

نبدأ بتحديد المشكلة: عام النكبة (1948) احتلت إسرائيل 78% من فلسطين بيانها كالآتي:
أ – 1.682 كم2 (6% من مساحة فلسطين) مساحة الأرض الواقعة تحت الحيازة اليهودية سواء بالشراء أو الامتياز أو التأجير “نصفها فقط مسجل”.

ب – 1.465 كم2 مساحة أرض الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل، وقد تمت مصادرة ثلثاها.

ج – 17.178 كم2 أو 85% من مساحة إسرائيل، مساحة الأرض التي طرد منها أهلها وأصبحوا لاجئين.
وفي عام النكبة طرد 805.000 مواطن فلسطيني من ديارهم، أو ما يمثل 85% من سكان الأرض التي احتلتها إسرائيل. أصبح عددهم الآن 4.600.000 (عام 1995).
والعجيب أنه رغم مرور ما يقرب من نصف قرن، لا يزال التوزيع السكاني لليهود من توزيعهم كما هو عام 1948. اليوم تقسم إسرائيل إلى 41 إقليماً طبيعياً. (أنظر الخريطة الحديثة في مقال : “حق العودة ليس قانونيا فقط بل وممكن أيضاً”. )

المنطقة (أ) تشمل 8 أقاليم مساحتها 1.683 كم2 أي 8% من مساحة إسرائيل وهي مشابهة للأراضي اليهودية قبل 1948 ويسكن بها 2.924.000 يهودي (إحصاء 1994) أو 68% من مجموع اليهود. سنسمي المنطقة (أ) المنطقة اليهودية.

المنطقة (ب) تشمل 5 أقاليم ومساحتها 1.318 كم2 وتشابه مثيلتها عام 1948 ويسكن بها اليوم 419.000 يهودي أو 10% من اليهود وسنسميها المنطقة المختلطة.
المنطقة (ج) ومساحتها 17.325 كم2 وهي مقاربة في المساحة والمكان للأرض الفلسطينية التي طرد منها أهلها سنسمي هذه المنطقة : المنطقة الفلسطينية.

من يعيش فيها اليوم؟ 800.000 يهودي مديني أي “سكان مدينة” و154.000 يهودي ريفي فقط بالإضافة إلى 465.000 فلسطيني.

من حسن الحظ أن التقسيم الإداري للأقضية في فلسطين لا يختلف كثيراً عنه في إسرائيل. فأقضية صفد وطبريا والناصرة وبيسان وعكا وحيفا ويافا وغزة والرملة وبئر السبع متشابهة في الحالتين. ويكمن الاختلاف في الأقضية التي مزقها خط الهدنة. ولذلك يمكن التعريف بعودة اللاجئين حسب الأقضية الأصلية بالإضافة إلى قراهم الأصلية وهذه مكانها محدد بالطبع.

فإذا عاد اللاجئون إلى ديارهم تصبح الكثافة السكانية لمجموع السكان 482 شخص/كم2 بدلاً من الكثافة الحالية وهي 0261 والأول رقم مقبول جداً، ولايمكن مقارنته باكتظاظ اللاجئين في المخيمات. ويكفي أن نذكر أن كثافة السكان في مخيم الشط في غزة تبلغ 85.000 شخص لندرك مدى الجريمة التي اقترفت في حق إنسانيتهم.

وعند العودة الكاملة ستصبح المنطقة (أ) يهودية في الغالب. إذ تصبح نسبة اليهود فيها 78% وبالمقابل تصبح المنطقة (ج) فلسطينية في الغالب. إذ تبلغ نسبة الفلسطينيين فيها 81% أما المنطقة (ب) فتصبح منطقة مختلطة.

ولكي يتمكن اللاجئون من العودة فإنه يمكن نقل 154.000 يهودي ريفي فقط من المنطقة (ج) إلى الوسط. وبذلك يعود 4.600.000 فلسطيني إلى وطنهم وإرثهم التاريخي، الذي يستغله 154.000 يهودي فقط.
ويضيق المجال هنا عن التفصيل، لكنه يمكن إثبات أن خطة عودة اللاجئين لا تشكل مشكلة في أي من الواحد والأربعين إقليماً طبيعياً في إسرائيل. ويكفي أن نلقي نظرة فاحصة على اللواء الجنوبي في إسرائيل لنرى الدليل على ذلك، تبلغ مساحته 14.107 كم2 ويسكنه 78.000 يهودي ريفي فقط هم الذين يستغلون كامل أرضه. هذا بالإضافة إلى 555.000 يهودي مديني، 63% منهم يسكنون 3 مدن فلسطينية هي اسدود والمجدل – عسقلان وبئر السبع، و24% أخرى من المدنيين يسكنون 4مدن هي قرية جات – عراق المنشية، إيلات “أم الرشراش”، ديمونة “رجم البلوي” بالإضافة إلى رهط، المدينة الفلسطينية الجديدة. هؤلاء اليهود يعملون في الصناعة والشحن والتعليم والبحوث ووجودهم مفيد، ولا مبرر ديموغرافي لأن ينتقلوا إلى أي مكان آخر.

وإذا انتقلنا إلى اللواء الشمالي نجد وضعاً مماثلاً لكن تواجد اليهود فيه أكثر إذ يبلغ عددهم هناك 134.000 يهودي ريفي ويلزم انتقال 67.000 منهم فقط إلى الوسط ليسمحوا بعودة اللاجئين إلى ديارهم.
وتبلغ نسبة اليهود المدنيين 71% من اليهود، يعيش 90% منهم في 9 مدن، ثلاث منها فلسطينية هي عكا وطبرية وشفا عمرو، أما أكبر مدينة في اللواء فهي الناصرة الفلسطينية تماماً (54.000). وحتى لو أخذنا لواء حيفا وهو مدرج في المنطقة اليهودية، فإننا نجد أن الفلسطينيين هناك يشكلون 26% من اليهود، وحتى في اللواء الأوسط، مركز كثافة اليهود، يبلغ الفلسطينيون 9% من اليهود، وفي هذين اللواءين توجد 13 مدينة فلسطينية، يتراوح عدد سكانها بين 10.000 – 30.000.

من هذا التحليل، تتضح لنا حقيقتان هامتان، الأولى: أن وجود الفلسطينيين اليوم في إسرائيل حقيقة ثابتة، ولذلك فإن عودة اللاجئين لا تخلق واقعاً جديداً، صحيح أن عدد العائدين أكثر من 4 أضعاف الفلسطينيين الموجودين هناك، بفرض عودة الجميع، لكنهم سيعيشون في ديارهم الأصلية التي لا يتواجد فيها كثير من اليهود.

والثانية: أنه رغم الدعاية والتهويل، فإنه يمكن عودة 4.600.000 لاجئ إلى ديارهم دون ترحيل “ترانسفير” كما حدث بقوة السلاح عندما طردوا من ديارهم عام 1948، وأن ثمن تحقيق العودة، وهو حق إنساني ثابت وقانوني واضح، وهو نقل 154.000 يهودي ريفي، ليس إلى خارج البلاد، بل إلى المنطقة الوسطى مع بني قومهم، هذا إذا شاءوا. وإذا لم يشاءوا فيمكنهم البقاء. هذا ثمن بسيط تدفعه إسرائيل لجريمة إنسانية لم يحدث لها مثيل في العصور الحديثة.

الزراعة

ما الذي تفقده إسرائيل بنقل 154.000 يهودي ريفي إلى وسط إس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات