الخميس 09/مايو/2024

التوطين : الوصفة المزمنة لنهاية الشعب الفلسطيني

التوطين : الوصفة المزمنة لنهاية الشعب الفلسطيني

طلعت علينا الصحف مؤخراً بأخبار مشروع جديد للتوطين، قدمته المحامية اليهودية الأمريكية دونا آرزت، وتبناه مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة وطاف به على الدول العربية ليقنعها بهذا الحل لمشكلة اللاجئين.

وهذا المشروع هو الأخير في مسلسل مشاريع التوطين التي بدأ تاريخها بتاريخ الصهيونية في فلسطين. وكما شغلت “المسألة اليهودية” ألمانيا النازية خلال شغلت “المسألة الفلسطينية” فكر الصهيونية منذ نشوئها وخلال 100 عام تلت، وضعت خططاً لحلها، أي الخلاص من الشعب الفلسطيني بالطرد والترحيل والمذابح والحرب والحصار الاقتصادي والتوطين خارج فلسطين.

(1) التوطين : الوصفة المزمنة لنهاية الشعب الفلسطيني
سياسة الترحيل والتوطين من أعمدة الفكر الصهيوني الثابتة

كان الترحيل والتوطين خارج الوطن، ولا يزال من أعمدة الفكر الصهيوني الثابتة. نادى به هرتزل إذ كتب في 12/6/1895: “سنحاول طرد المعدمين خارج الحدود بتدبير عمل لهم هناك. وفي نفس الوقت سنمنعهم من العمل في بلدنا”. وفي نيسان عام 1905 قال إسرائيل زانغويل: ” يجب أن نستعد لطرد هذه القبائل العربية بالسيف مثلما فعل أجدادنا “.

وعندما بدأت الهجرة الصهيونية الروسية الأولى وأنشئت المستعمرات “الكيبوتز” تمسكت الصهيونية بالثوابت الآتية: الأرض التي يحصلون عليها لا تعود ملكيتها للعرب بأي حال، وتبقى ملكاً للشعب اليهودي في كل مكان. ويمنع العمال العرب من العمل على هذه الأرض، ولا يتم التعامل الاقتصادي مع العرب.

وبعد الحرب العالمية الأولى قدم وايزمان وأرونسون اقتراحاً إلى مؤتمر السلام بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية وطرد العرب منها بالقوة، وإسكانهم على ضفاف دجلة والفرات الخصبة. وفي عهد الانتداب كان صوت جابوتنسكي هو المعبر الحقيقي عن الأفكار الصهيونية الخاصة بترحيل الفلسطينيين إذ قال في تشرين الثاني 1939 “ليس هناك خيار. يجب أن يخلي العرب المكان لليهود في أرض إسرائيل… شكراً لله فنحن اليهود لا ننتمي إلى الشرق… لذلك يجب أن نكنس الروح الإسلامية من أرض إسرائيل”. لقد أدت أفكار جابوتنسكي إلى تكوين عصابة الأرغون “ايتسل” التي تزعمها مناحيم بيغن فيما بعد، وعصابة شتيرن “ليحي” التي تزعمها إسحاق شامير فيما بعد. كان جابوتنسكي ينطق بوضوح ما كان يخفيه بن غوريون وجماعة العمل.

لكن يوسف وايتز، زميل بن غوريون ونهّاب الأراضي، والذي تزعم أول لجنة للترانسفير في الأربعينات قال : ” نريد فلسطين بدون عرب “.

النكبة:

وفي الفترة الواقعة بين 29/11/1947 ( قرار تقسيم فلسطين ) إلى تموز 1949 تاريخ توقيع آخر اتفاقية هدنة مع سوريا، تحقق لإسرائيل ما كانت تخطط له منذ سنوات طويلة. لقد نفذت بالقوة العسكرية عملية طرد الفلسطينيين من بلادهم تحت ستار الدفاع عن النفس، وأصبح بذلك 805.000 من سكان فلسطين لاجئين، وهم سكان 532 قرية ومدينة، وأراضيهم تمثل 92.6% من إسرائيل، هذه الكارثة الكبرى التي عرفت باسم النكبة “الهولوكوست الفلسطيني” ليس لها نظير في التاريخ الحديث، إذ لم يحدث من قبل أن غزت أقلية أجنبية أكثرية وطنية واحتلت أرضها وطردتها من ديارها بدعم مالي وسياسي وغطاء شرعي دولي من الخارج.

ولتغطية آثار هذه الجريمة أقنعت إسرائيل الغرب بأن هؤلاء اللاجئين مشكلة عربية لأن العرب هم الذين اعتدوا على إسرائيل وأن اللاجئين خرجوا طوعاً أو بأوامر عربية، وأن مسؤولية إيوائهم وتوطينهم تقع على عاتق الدول العربية. وبعد أربعة عقود كشفت الملفات الإسرائيلية في أبحاث موريس وبابي وسيغيف وفنكلشتين، ما يؤكد ما كان يقوله مئات الآلاف من اللاجئين طوال كل تلك السنوات، وشاء الغرب أن يصم أذنيه عن سماعه.

وبعد النكبة وطرد اللاجئين، بدأت المحاولات لإضفاء العقلانية على هذا الطرد باعتباره أمراً واقعاً يجب التسليم به ووضع الحلول له. في عام 1949 صدرت دراسة عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، قامت بها السيدة ثيكنس تقترح فيها توطين اللاجئين في سوريا والعراق وشرق الأردن، وتستثني لبنان لأنه مكتظ بالسكان وتركيبته معقدة. وحتى عام 1967 ظهرت دراسات متعددة وخطط جدية للتوطين خارج فلسطين منها مشروع جونسون لتوزيع المياه العربية (1954 – 1967) الذي كان يهدف إلى تخصيص جزء من مياه نهر اليرموك والأردن لتوطين الفلسطينيين في الضفة الشرقية من النهر. وحاولت تلك المشاريع استعمال الأونروا أداة لهذا التوطين. فقاومها اللاجئون بالإضرابات وتحطيم مكاتب الوكالة. وطوال هذه المدة استمرت إسرائيل في عملية الترانسفير. في 2/9/1950 اقترف مجرم الحرب شارون قائد الوحدة 101 مذبحة في حق عرب العزازمة.

كما حدثت مجزرة أخرى في العرقوب بحق عرب العتايقة، وطرد نصف سكان النقب الباقون من ديارهم إلى الأردن ومصر. وكذلك طرد سكان المجدل الذين رفضوا النزوح على يد موشي ديان.

واعتبر الفلسطينيون الباقون في ديارهم أسرى حرب تحت الحكم العسكري من 1948 – 1966 وصودرت ثلثا أملاكهم (ولا تزال المصادرة مستمرة). وكشفت الأبحاث الجديدة أن غرض مذبحة كفر قاسم هو طرد ما تبقى من الفلسطينيين في إسرائيل في عملية هافارفيريت. وفي أعوام 1953 – 1958 وضعت خطة لتوطين اللاجئين في ليبيا بمبادلة بعض أملاك اليهود في شمال أفريقيا مقابل هجرة هؤلاء إلى إسرائيل. كما وضعت خطة لتوطين اللاجئين في العريش، وتسليم قطاع غزة لإسرائيل.
لقد أوضح نور مصالحه بجلاء، في كتابيه الهامين عن عمليات الترحيل والتوطين قبل 1948 وبعدها، تلك الخطط الثابتة في الفكر الصهيوني معتمداً في الغالب على مصادر إسرائيلية. وكما أن خطط الترحيل والتوطين من الثوابت الصهيونية فإنه مما لا شك فيه أيضاً أن اللاجئين رفضوا وقاوموا كل مشاريع التوطين على مدى 50عاماً ولا توجد بادرة، رغم الضغوط والإحباط والهزائم، على أن هذا الوضع سيتغير.

التوطين بعد 1967:

أما بعد حرب 1967 فقد تغيّر الوضع والأسلوب وحجم المشكلة. فقد زاد عدد اللاجئين فبعضهم كان لاجئاً وهاجر للمرة الثانية، وبعضهم طرد من وطنه في الضفة وغزة فأصبح نازحاً. وتضاعفت مساحة الأرض العربية المحتلة عدة مرات. وإزاء شعور الإسرائيليين بالانتصار أمعنوا في سن القوانين التي تتحايل على استيلاء الدولة على أراضي اللاجئين في إسرائيل، وكانت إسرائيل تتعامل مع هذه الأراضي بحذر ترقباً لتسوية أو صلح أو حرب. وبينما أصبحت مشكلة اللاجئين مشكلة متفاقمة، ازداد إصرار إسرائيل على إيجاد حل لها على حساب العرب واللاجئين أنفسهم. وفي العقدين التاليين لعام 1967 صدرت عشرات الدراسات لمؤلفين ومخططين يهود بجنسيات إسرائيلية وأمريكية وغيرها. وهي تتراوح بين الجاد والعنصري، لكنها كلها تعتمد على العناصر الآتية زادت أو نقصت:

الفلسطينيون ليسوا شعباً، ولكنهم مجموعة من العرب يمكنهم العيش في بلاد العرب الواسعة. أرض الفلسطينيين ليست فلسطين، فهذه أرض إسرائيل. الفلسطينيون عرب رحّل ليس لهم ارتباط بالأرض، مثلنا نحن اليهود. وهم لا يحسنون تطويرها ولا حتى الدفاع عنها، فهم لا يستحقونها. ومن الأجدر أن تبقى في حوزة شعب حضاري مثل اليهود (لا يذكرون من أي قطر أتى هؤلاء اليهود الحضاريون). لم يُطرد الفلسطينيون من فلسطين، وإنما خرجوا بأوامر عربية، ولذلك تقع على العرب مسؤولية إيوائهم. قرارات الأمم المتحدة عن حق العودة غير ملزمة وغير ممكنة على أي حال لأن البلاد معبأة باليهود. وقد زالت معالم القرى العربية. لن يستطيع أحد تنفيذ هذه القرارات.

نحن اليهود كشعب حضاري نؤيد مساعدة اللاجئين إنسانياً بتوفير الغطاء والغذاء لهم بدعم اقتصادي من البلاد العربية الغنية وأوروبا، وتوطينهم في أي مكان من العالم عدا وطنهم. ولا مانع أن يكون لبعضهم داخل حدود إسرائيل الكبرى نوع من الحكم الذاتي لتسيير شؤونهم المدنية.

لا تخلو دراسة أو مشروع للتوطين من كل هذه المبادئ أو معظمها، وتسوّق هذه المشاريع لدى الإدارة الأمريكية وأوروبا على هذا الأساس. والنتيجة الطبيعية لهذه القواعد اعتبار أن ترحيل هؤلاء الناس أو عدم الاعتراف بحقوقهم لا يمثل إجحافاً بهم، لأنهم ليسوا شعباً وليس لهم وطن، وأن تشريدهم والقضاء عليهم كشعب ليس فيه ما يشعر الضمير الحضاري بالعار.

ومن هنا فإن الفجوة بين هذه الأفكار النازية العنصرية وحقوق الشعب الفلسطيني وآماله تزداد اتساعاً.

لنختزل مشاريع التوطين المتعددة التي يقترحها متعاطفون مع إسرائيل ومنهم دون بيرتز، الذي يكتب عن هذا الموضوع دون توقف منذ الخمسينات تحت اسم مؤسسات أمريكية. وأدلمان الذي يؤكد على ضرورة المعاملة الإنسانية للاجئين بتوفير المساعدة والحماية لهم “في موطنهم الجديد”. ومارك هيللر المحلل في معهد جافي للدراسات الاستراتيجية، الذي يوطن اللاجئين في الخارج ويتكرم بالسماح لجزء منهم بالعودة إلى الضفة وغزة في دويلة عاجزة. شلومو غازيت الجنرال الإسرائيلي الذي خلع بدلته العسكرية ليقدم نفس الأفكار ويضيف أن موطن تلك الدويلة هي الضفة بعد انتزاع الآتي منها: نهر الأردن، والمناطق العسكرية والمناطق التي تقع تحتها الطبقات الحاملة للمياه والمناطق الخالية والمناطق المرتفعة والمهمة استراتيجياً وشبكة الطرق الحيوية والقدس الكبرى والباقي مبروك على الدويلة.

دونا آرزت :

نختزل هذه المشاريع ونركز على الطبعة الأخيرة منها.
ذلك هو المشروع الذي قدمته دونا آرزت وتبناه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. والأخير مؤسسة أمريكية تعنى بالشؤون الخارجية من وجهة نظر أمريكية، وأعضاؤه شخصيات مهمة في الاقتصاد والسياسة والحرب، وبعضهم كانت لهم مناصب رسمية. وله لجنة فرعية تعنى بالشرق الأوسط من أعضائها شخصيات عربية. وتأتي للمجلس معونات مالية، منها معونات عربية، ويوجد عدد كبير من اليهود العاملين في المجلس.

أما دونا آرزت فهي يهودية أمريكية من أصل روسي تدرّس الحقوق في جامعة سيراكيوز وهي عضو في جمعيات إسرائيلية عديدة، وكانت ناشطة في تأمين هجرة الروس إلى إسرائيل، كما أنها نشرت أبحاثاً عن المنشورات ذات الطابع المحرض ضد السامية، وعن إزالة النازية، كما أنها مستشارة قانونية لجمعية الشاذين من طلبة الحقوق.

عنوان كتابها مشوّق ومثير “من لاجئين إلى مواطنين: الفلسطينيون ونهاية الصراع العربي الإسرائيلي”. وتتأسف آرزت على معاناة الفلسطينيين خلال نصف قرن، وتقدم الوصفة الناجعة لإنهاء آلام المريض بالقضاء عليه بطريقة إنسانية، فهي توزع الفلسطينيين على الدول العربية والعالم بعد أن تستوعب الضفة أقل عدد ممكن حتى لا يسبب ذلك الإزعاج لإسرائيل. وحتى لا يشعر الفلسطينيون بالغربة في آلاسكا مثلاً فإنها تقرر أنهم جميعاً يستحقون جوازاً فلسطينياً بجانب أي جنسية أخرى يحملونها، وذلك كله بشرط أساسي وهو مربط الفرس. ذلك الشرط هو أن يتخلى الفلسطينيون نهائياً وتماماً عن حقوقهم ومطالبهم خلال فترة زمنية قصيرة، مقابل تعويضات يدفعها العرب والعالم لهم، ومقابل تعويضات أكبر منها تدفع لليهود الذين خرجوا من بلاد عربية ليسكنوا في ديار اللاجئين. وبذلك تبقى الأرض الفلسطينية ملكاً خالصاً شرعياً لإسرائيل. وتطير حمائم السلام سعيدة فوق إسرائيل وألاسكا. لا تكتفي المؤلفة بعرض هذا المشروع النازي ببرود أعصاب، بل تلجأ إلى التزوير لتمرير خطتها الجهنمية. تقتبس المؤلفة ” جدول 4/1 صفحة 88″ أرقاماً عن عدد الفلسطينيين في العالم من مكتب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات