بيت حانون: عندما يبكي الرجال .. ويأتي العدوان على كل شيء

لم تعد كما عُرفت بالخضراء، فقد أصبحت أرضاً قاحلة. ولم تعد تتزين بأشجارها وخضرواتها المتنوعة بعد أن أوقف الغزاة الخراطيم التي تدفق بالماء إليها. وهجرتها الطيور، فلم يتبقّ فيها سوى أحجار مكسرة على الطرقات، فغدت كقرية هجرها أهلها من مئات السنين. وحتى صوت الأذان لم يعلُ كعادته من مساجد قد دمرتها آليات الحرب والخراب.
أطفال ونساء في بيت حانون، باتوا بلا مأوى ولا طعام ولا شراب. وحتى دموع الرجال العصيّة انحدرت بكاء على ما ألمّ بها، إنها بيت حانون، تلك الأم الحانية على أبنائها وأهلها والتي أصبحت تنادي على من يحنو عليها.
براءة الطفولة
في كل بيت من بيوتها كان هناك بيت عزاء لشهيد، رجلا كان أو امرأة أو طفلاً، فالاحتلال لا يفرِّق بين كل هؤلاء، ولا يستثني في عدوانه الحجر والشجر.
الطفلة محاسن أبو هربيد، البالغة من العمر أربع سنوات، وقفت وعيونها تدمع على ابن عمها الذي استشهد في مجزرة فجر الأربعاء، وتقول “اليهود قتلوا الناس ودمّروا البيوت”. وتابعت ببراءة الطفلة المحرومة قولها “خلي أولاد العرب يشوفوا شو بيعمل اليهود فينا”، وهنا قاطعها شقيقها الطفل زكريا، البالغ من العمر تسع سنوات، قائلاً “نحن نريد أن نعيش كما يعيش أطفال العرب والعالم هدموا بيتنا وكسروا ألعابنا، حتى ملابسنا ما عادت تنفع”.
“صوِّر .. صوِّر!”، بهذه الكلمات قابلتنا أم محمود أبو هربيد (60 عاماً)، وتقول وقسمات وجهها قد امتلأت بأمارات الغضب “حسبنا الله ونعم الوكيل على فاقدي الإنسانية” وتابعت وقد اختلطت وجنتاها بالصبر المؤلم “الحمد لله، لا مياه وكهرباء ولا حتى ملابس، إلى أين سنذهب”.
حسبنا الله ونعم الوكيل
وإلى جانب بيته المهدّم وقف الحاج أبو محمد الشنباري (70 عاماً)، ليصف ما حدث من عدوان الاحتلال قائلاً وقد اعتلى وجهه الحزن والألم “دخلت القوات الخاصة الصهيونية واعتلت أسطح بيوت جيراننا، وعندما كان الناس يمرّون من الشارع كانت تطلق عليهم النار وبعدها دخلت تلك القوات بيتي لتعيث فيه خراباً، وقالوا: اخرجوا من البيت، فرددت عليهم: مش طالعين من البيت، قالوا: سيُهدم على رؤوسكم، وجاءت الدبابات الحربية والجرافات الصهيونية وهدمت البيت دون أدنى رحمة”.
وأضاف الحاج الفلسطيني المسنّ بابتسامة الواثق بالله قائلاً “الحمد لله لأنه كُتب علينا أن نكون من أهل الرباط كما نعلم بأنّ الحروب مستمرة في أرض الرباط وحتى قيام الساعة” وتابع “نحن صامدون حتى لو ذبحونا، حتى لو لم يُبقوا فينا أحداً”.
عندما يبكي الرجال
ووسط تشييع جنازات شهداء آل العثامنة، والذين فقدوا أكثر من نصف عائلتهم، وقفت الحاجة أم محمد العثامنة ودموعها قد بلّلت شالتها البيضاء، وقالت “حسبنا الله ونعم الوكيل الله يجعل كل أم يهودي تتحسر على ابنها”، وفجأة علا صراخها لنراها قد انهالت على جثث الشهداء لتقبلهم وحداً تلو الآخر.
دموع الرجال لم ترحم رجولتهم القوية، فمشاهد أبنائهم وإخوانهم وقد حولت آلالات الموت أجسادهم إلى أشلاء ممزقة لا تسعف على التماسك فما أن ترى الرجل ودموعه تذرف من عينيه حتى ينهال أرضاً وقد أغمي عليه.
حتى الأطفال لم تشفع لهم طفولتهم البريئة، وأصبحوا في مرمى النيران كما المقاتل على الثغور لا فرق بينهما والنساء اللاتي منهن الحبالى أيضاً؛ لم يسلمن من ويلات العدوان فقد هُدمت بيوتهن على ساكنيها وأطبقت القذائف على أمهات بتن آمنات ليصبحن أشلاء ممزقة.
من خنق صوت الأذان؟
إلى جانب مسجد “النصر” الذي جرّفته آليات الاحتلال؛ وقف الحاج حسين الكفارنة (62 عاماً)، مؤذن المسجد وخادمه، كما أراد أن يسمي نفسه، قائلا “والله كنت أتمنى الموت أفضل لي من أن أرى المسجد وهو يُهدم ويجرف أمام عيني” وأضاف “اليهود جاءوا ليطمسوا المعالم الإسلامية ويقضوا على كل موحد بالله”.
ويشرح المؤذن الفلسطيني كيف أنه استلم مهامه في هذا المسجد عن والده سنة 1982، وبقي يقيم فيه الأذان حتى فجر أول يوم للاجتياح الصهيوني الأخير مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وتابع الحاج حسين الكفارنة متسائلاً والدموع قد جفّت في عينيه “أين سوف أقيم الأذان بعد اليوم؟ وأنا حزين على مسجدي وحبيبي، وأشعر بأنها نكبة ثانية لفلسطين ولكني لن أيأس، وسأدعو الله أن يعوضنا خيراً في مسجدنا، ولن نستسلم وسنقيم صلاتنا حتى على ركام المسجد”، وهو ما كان بالفعل يوم الجمعة (10/11) حينما أمه آلاف الفلسطينيين للصلاة على أنقاضه.
حتى القبور لم تسلم
وبعد أن يرحل الإنسان عن الحياة الدنيا؛ يشعر أنه لن يرى أياً من ويلات الحروب قط ولكنّ الذي يمرّ عن المقبرة ويرى الأضرحة قد هُدمت وجرفت على من تحتضنهم بين جنباتها يدرك أنّ آلة العدوان الصهيونية لا تفرق كذلك بين الأحياء والأموات.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...