عاجل

الإثنين 13/مايو/2024

من خنساء غزة : أين أنتم يا عرب؟

عبدالرحمن فرحانة

 

اقتربن من فم الموت متلحفات بجلباب “عائشة” في طرقات بيت حانون الصامدة ، غزّيات بقلوب “خنساوية” ، تركن الرجولة المعلبة في “ثلاجات الموتى الأمريكية” لرجال من مضر وربيعة وكل القبائل العربية في عواصم العروبة.

فحين ينسى الرجال رجولتهم أو ينكرونها بين حسابات السياسة وثقل العجز وهواجس الخوف ، لا بد للنساء من أن يخترعن رجولة طارئة وبإبداعٍ أنثوي غزّيٍٍ كالعادة ، فخرجن للموت ليجعلن من أجسادهن الأنثوية الرقيقة دروعاً أقوى من كل صفائح الفولاذ التي تتصفح به دبابات الجيوش التي تقف على بوابات الانتظار، خرجن لحماية المقاومين المدافعين عن شرف الأمة وبيضتها.

صاحت إحداهن بكلماتٍ معجونة بحدة الجرأة وإنكسار الاستغاثة وتلوح بيدها : أين أنتم ياعرب؟ ترددها لعل الرياح الغربية تلفح وجوه المنتظرين شرقي النهر حاملة وهج النداء وحرارة الوجع الفلسطيني.

أين أنتم ياعرب ؟ أين أنتم ياعرب ؟ أين أنتم ياعرب حتى تعبت حنجرتها المتعبة أصلا من أثقال الحصار والغربة المقدسية.

لا أحسبها تنادي الضمير العربي المحنط الذي لم توقظه جنازير المدرعات الصهيونية وهي تفرم الجسد الفلسطيني وتحرقه ببارودها الملعون. فهذه نداءات قديمة سئمتها الحنجرة الفلسطينية.

أحسبها تتساءل اليوم عن الوجود والكينونة العربية ، هي بصوتها المتعب والمستغيث تحاول استكشاف الوجود العربي. واستميح الوعي العربي أن أتحدث بمثل هذه اللهجة المنقوعة بالمرارة والأسى.

حقاً ، أين أنتم ياعرب ؟ إن كنتم عرباً فإن هذه الغزية الماجدة عربية مثلكم ، ولدتها بعض أفخاذ قبائلكم على شاطىء المتوسط . إنها من دمكم ومن لحمكم ، وتحمل اسما مثل أسمائكم ، وتتحدث بلغة القرآن كتاب ربكم ، وتصلي إلى قبلتكم ، ذنبها فقط أنها وقعت في أسر بني قريظة فقط. فهل هذا الذنب إن كان ذنبا يستحق منكم مثل هذا الخذلان وذلك الصمت.

أي طفل عربي أو أي مسلم ينطق بالشهادتين لا يمكنه أن يفكك شفرة هذا الصمت أو يبرره ، إنه عجز فوق المنطق وتحته وخارج عن كل سياقاته. إنه عجز سيخجل التاريخ أن يدونه في صفحاته ، وربما سيسحبه كتبة التاريخ من تدويناتهم ؛ لأنها لحظة تاريخية لا تستحق أن تحسب من تاريخ الأمة.

خنساء أخرى تجسد الصورة بألوان التحدي متمردة على كل مناخات الانكسار ، إذ تقول أم محمد الرنتيسي : إنّ الآلة العسكرية الصهيونية “أضعف من أن تكسر إرادة حفيدات عز الدين القسام وأحمد ياسين” وإنّ “أرواحنا وأولادنا وكل جهدنا فداءً لهذا الدين العظيم ولهذا الوطن المقدس”.

إن نداء خنساء غزة لا يعبر عن الانكسار أو يعترف به أصلا ، إنما هي دعوة للنصرة وأمل للشراكة في الجرح، وهي دعوة أيضاً لمن يفرحون بالنصر أن يشتركوا في الوجع ‘ فلكل نصر ٍ ثمنه وعلى كل شريك أن يساهم في الاستحقاق ودفع الثمن.

إيها العرب

إن غزة تستحق منكم أكثر من الصمت

وإنها تستحق حتى أكثر من الدموع وطرود الإغاثة

ولأن غزة جنين النصر الآتي وبوابته المأمولة فهي تستحق كل رجولتكم وجمر نار غضبكم

يقول محمود درويش :

لبلادنا

وهي القريبة من “كلام الله”

سقفُ من سحاب

لبلادنا

وهي البعيدة عن صفات الاسمِ

خارطة الغياب

لبلادنا

وهي الصغيرة مثل حبة سمسم

أفقُ سماوي .. وهاويةٌ خفيّةْ

لبلادنا

وهي الفقيرة مثل أجنحة القطا

كتبٌ مقدسةٌ .. وجرحٌ في الهوية

لبلادنا

وهي المطوقة الممزقة التلال

كمائن الماضي الجديد

لبلادنا السبيّةْ

حريّة الموت اشتياقاً واحتراقا

ولبلادنا ، في ليلها الدموي

جوهرةٌ تشعُّ على البعيد على البعيد

تضيء خارجها ..

وأما نحن داخلها ،

فنزداد اختناقا !

وأقول لمحمود درويش : بل نزداد ألقاً ونزرع في أرض العروبة جذر الانتصار

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات