الجمعة 31/مايو/2024

العدوان على غزة محاولة لتلميع قيادة سياسية عسكرية صهيونية يكسوها الفشل

العدوان على غزة محاولة لتلميع قيادة سياسية عسكرية صهيونية يكسوها الفشل

أثارت الحملة العسكرية الصهيونية المتواصلة في قطاع غزة، والتي يتم فيها تنفيذ عمليات اغتيال مركزة في العديد من مناطق القطاع، بحق نشطاء المقاومة الفلسطينية، وما يرافق ذلك من عملية اجتياح وتوغل في بيت حانون، تحصد أرواح الفلسطينيين يوميا، التساؤلات حول مغزى هذا العمل ودوافعه الكامنة لدى حكومة الاحتلال.

ويعزو الكثير من المراقبين والمتابعين للحدث الفلسطيني تسريع وتيرة العمليات العسكرية الصهيونية، التي لم تكن متوقفة أصلا، ورفع مستوى دمويتها، وحدة شراستها، إلى عدد من الأسباب لعلها تتلخص في رغبة الحكومة الصهيونية الحالية في تحقيق إنجاز عسكري يعوض خسارتها التي حملت عنوان الفضيحة العسكرية في حرب لبنان الاخيرة، وكذلك لتدعيم عرى التوافق بين مؤيدي الحكومة في الكنيست المصاحب لضم اليمين الاكثر تطرفا إليها، إضافة إلى الرغبة الصهيونية الجامحة بكسر أي حالة توافق فلسطيني مرتقبة قد تفضي بالفلسطينيين إلى مخرج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي يعيشونه.

وعلاوة على كل الذي ذكر فان هناك من يقرأ في الحملة العسكرية الصهيونية العمل الاستباقي من قبل حكومة أولمرت، لإخراج أي صفقة تبادل مرتقبة بصورة لا تظهر باعتبارها انتصار فلسطيني ولو معنويا، فضلا عن الرغبة الكبيرة للاحتلال في كسر فصائل المقاومة، التي يقول إنها تحولت إلى جيوش صغيرة، يغطي سلاحها مساحة القطاع.

 عقدة أولمرت

ويدخل الكاتب في الشأن الفلسطيني نياف عيد إلى زاوية التحليل السياسي ككل، الفلسطينيين الذين باتوا يتنفسون الآن أخبارا ومعلومات صحفية لا تزيدهم إلا إرهاقا وكمدا وهو يقول: “هل علم (أولمرت) أن هناك شيئا اسمه قطاع غزة مؤخرا؟ لا اعتقد ذلك القطاع موجود قبل وجود اسرائيل والقطاع صخرة على أنفاس دولة الاحتلال منذ قيامها لكن الذي نبه أولمرت لارتكاب هذه المجازر الدموية هو شدة انخفاض ثقة الشارع والجمهور الصهيوني فيه.

ويتفق كثير من القراء والمتابعين للحدث الفلسطيني في الضفة الغربية مع عيد في أن رئيس الوزراء الصهيوني بات يشعر بفقدانه لكاريزما القائد الجيد، وفي هذا الصدد يقول أستاذ الاجتماع السياسي مصطفى الفاخوري: “هو بالأصل ليس رجل حرب، ولا يحمل كتفه نياشين الانتصارات العسكرية، وهذه كانت له عقدة. وحين أراد أن يسجل له انتصارا في حربه على لبنان مني بهزيمة لا يمكن إنكارها، لذلك هو يريد الان الحصول على نياشين البطولة، من خلال الغوص بدماء الفلسطينيين في قطاع غزة”.

 إلى التطرف أكثر

وكما هو الحال مع كل حكام الكيان الصهيوني السابقين فإن أولمرت لا يتصرف بمعزل عن حساباته الداخلية، بما يضمن تثبيت حزبه “كاديما” في الحكم، وهذا الذي فسر توجهه نحو “إسرائيل بيتنا”، الحزب الأكثر تطرفا في الكيان الصهيوني، والذي يحاول اولمرت استخدامه كطوق نجاة، بعد أن حصل على تأييد 7% فقط من الجمهور الصهيوني في أول استطلاع نشر بعد الحرب على لبنان، ولا يعقل أن يحكم أي دولة في العالم شخص يحظى بثقة 7% فقط من محكوميه، إن صحت نتائج الاستطلاع.

ويقول عيد: “طبعا أولمرت مفزوع من تطورات ما بعد الحرب على لبنان، وهذه الحرب دفعت بالشارع الاسرائيلي للتطرف أكثر، وكلما تطرف الشارع يجب أن يتطرف النظام وما نراه من أفعال أولمرت في غزة هو تعبير صريح عن اتجاهه نحو التطرف، بما يرضي الشارع الاسرائيلي، أولا وبما يعزز الثقة بينه وبين حليفه الجديد المتطرف ليبرمان”.

 فلسطينيا أيضا

ويدخل الكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني وأصحاب الرأي، التطورات الوطنية الداخلية التي يعيشها الفلسطينيون في معترك الاسباب، التي تمخضت تفاعلاتها عن فتح جبهة بيت حانون إذ يقول عدد من المراقبين والمحللين ومنهم الفاخوري، إن العدوان الاخير كان مبيتا، والذي أخره محاولة الكيان الصهيوني منح حركتي فتح وحماس فرصة أكبر للاقتتال بينهما، فيما عرف بفترة الاحتقان الداخلي، الذي انتشرت فيه أحداث الفلتان الأمني من اختطاف وقتل واقتحام مؤسسات وإحراق أخرى.

وهنا يقول عيد: “الاسرائيليون يفهمون تماما خطورة الاقتتال على الفلسطينيين، لذلك فان عدوانهم كان جاهزا منذ فترة طويلة، والذي أجله ما شهدته الساحة من مناوشات بين الفصائل، وتحديدا حركتي حماس وفتح. أما وبعد أن تم تهدئة الساحة، فان الاحتلال بات يشعر أن وقت ضرب الفلسطينيين وإيلامهم قد حان”.

خطوة استباقية

ويقول عيد ومثله الكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني إن توسيع العدوان الجديد على غزة يمثل خطوة تستبق أي انتصار معنوي فلسطيني، قد يتحقق ولو معنويا، إذا تم التوصل لصفقة بشأن تبادل الاسرى بين الكيان الصهيوني والفصائل الاسرة للجندي جلعاد شاليط.

“حماس” وهي اللاعب الفلسطيني الاساسي في هذا الموضوع تتمسك بشروطها ومطالبتها بعدة معايير لإتمام الصفقة فهي وكما تحدث أكثر من مسؤول وصاحب قرار فيها، بينهم ما نقل مؤخرا عن أسامة حمدان عضو مكتبها السياسي من قول بأن الحركة تصر على إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني وأن يسبق الصفقة إفراج الكيان الصهيوني عن 400 أسيرة وطفل في سجونها، فضلا عن معايير أخرى كمبدأ التبادلية والتزامن في عملية الافراج.

حكومة أولمرت من جانبها بات عنصر الوقت لا يلعب لصالحها بشأن هذه المسألة، وهي تتعرض للضغط من المجتمع الصهيوني المتعاطف مع عائلة شليط وتواصلها مع الوسطاء في الموضوع لاسيما المصريين يبين بوضوح أنها قد تصل فعلا إلى يوم تضطر فيه للرضوخ لمطالب “حماس”، وهذا بالضبط ما حاول أولمرت إخفاءه عن أنظار مجتمعه، حين تفاخر بأن جيشه قتل أكثر من ثلاثمائة فلسطيني منذ اختطاف الجندي شاليط.

وبينت افتتاحية /هآرتس/ قبل أسبوع تقريبا حدة المزاج الصهيوني تجاه تنفيذ صفقة تبادل حين قالت أن أحدا في الكيان لن يسمح بخروج حماس منتصرة في قصة الجندي.

 ضرب قوى المقاومة

ويتفق كل من عيد والفاخوري على كون الحملة الاخيرة على القطاع محاولة صهيونية جادة للسير على خطى رئيس الوزراء الصهيوني السابق آرائيل شارون، الذي قال جملته الشهيرة بوضوح إنه لابد من إيلام الفلسطينيين.

ويقول عيد إن التصريحات الصهيونية التي سبقت العملية الاخيرة في غزة حول قدرات الفصائل، وما نشر في اعلام الاحتلال عن تكوين حركة “حماس” لجيش مسلح في غزة، وما قيل عن أرقام بملايين الدولارات يدعي الكيان الصهيوني أنها استخدمت لتهريب السلاح إلى القطاع، تعد تأكيدا على هذا الموقف.

أما الفاخوري فيشير إلى أن أولمرت بدأ استعداداته لغزو غزة بمجرد أن خرج مهزوما من غزوة لبنان، وأنه عمل قبل ذلك على تهيئة الاجواء، مظهرا أن أمامه عدو قوي التسليح، وأن تحقيق انتصار على هذا العدو غير ممكن إلا لقيادة قوية وناجحة، يسعى أولمرت لإعادة الهيبة لصورتها المهتزة في أذهان الصهاينة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات