السبت 12/أكتوبر/2024

وزيرا خارجية فرنسا ومصر

وزيرا خارجية فرنسا ومصر

 

صحيفة الشرق القطرية

هكذا فجأة بلا موعد وبلا سبب ظاهر صرح وزير خارجية فرنسا دوست بلازير بأنه غير رأيه في موقفه السابق من الجدار الذي أقامته “إسرائيل” في الضفة الغربية، وعلل ذلك بأن الجدار أثبت أنه أوقف العمليات ضد “إسرائيل” في الداخل.

هذا التصريح يحمل منطقه لو أن اعتراض دوست بلازير قام على أساس أن الجدار لن يحمي إسرائيلي في الداخل من العمليات، ومن ثم أثبت الواقع عكس موقفه، لكن المشكلة، حسب فهمنا، للسياسات الفرنسية الرسمية، قبل بلازير وبعده، كانت بسبب الجدار الذي يضم المستوطنات وحوالي نصف أراضي الضفة الغربية، ويقطع أوصال المناطق الفلسطينية، ولم يكن وارداً موضوع فعاليته، أو عدم فعاليته من الناحية، الأمنية ويمكن أن يضاف أن الرأي العام الفرنسي الذي تظاهر بعضه ضد الجدار فعل ذلك باعتباره «فصلا عنصرياً» ونوعاً من «الابارتيد» ولم يكن وارداً تأثيره أو عدم تأثيره في منع العمليات، علماً أن الجدار نهب لمزيد من الأرض ومصادرة للقدس وتهيئة لتهجير مئات ألوف جديدة.

من هنا يعتبر تصريح الوزير دوست بلازير مفاجأة، وبلا موعد وبلا سبب ظاهر، أو منطق سابق، الأمر الذي يفرض السؤال الذي يجب أن تجيب عنه وزارة الخارجية الفرنسية: هل يعني تصريح بلازير تغييراً في الموقف الفرنسي من المستوطنات ومصادرة القدس الشرقية، ومن ابتلاع الجدار للأراضي الفلسطينية، لأن تصريح بلازير يحدث تغييراً في هذا الموقف إذا كان يقصد من تغيير رأيه في الجدار كل ذلك، وهو ما يجب أن تسأل عنه فرنسا فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.

ثم إذا كان تغيير موقف دوست بلازير مجرد رأي شخصي لأنه قال «غيرت رأيي»، فعليه أن يخبرنا إذا كانت المشكلة الأساسية بالنسبة إليه هي الحماية الأمنية للداخل الإسرائيلي فلماذا لم يسأل عن الخط الذي اتخذه الجدار لو كان هدفه الحماية الأمنية وليس ضم المستوطنات والقدس والحدود وأكثر من نصف أراضي الضفة الغربية، فقد كان أمامه خيار الامتداد على خط الهدنة لعام 1949، وكان في هذه الحالة قد وفر على نفسه توفير مئات الأميال والكثير الكثير من الاحتجاجات الدولية.

طبعاً إذا كان تغيير موقف دوست بلازير من الجدار تمهيداً لقبول مشروع أولمرت، المطوي مؤقتاً، بفرض أمر واقع يحدده الجدار بين ما للفلسطينيين وما للدولة العبرية «للاحتلال» من أراضي الضفة الغربية ومدينة القدس، فإن هذا يعني هدية أخرى تقدم للرئيس الفلسطيني وللسياسات العربية الرسمية من صديق طالما راهنوا عليه، وميزوا موقفه عن موقف أمريكا بوش من الموضوع الفلسطيني.

وهكذا فجأة، وبلا موعد، وبلا سبب ظاهر أو سياسة معلنة، صرح وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط، أيضاً أن الهدف من أسر «حزب الله» للجنديين الإسرائيليين «ربما» كان «منع تداول حظر سلاح الحزب من خلال الحوار الذي كان دائراً آنذاك بين القيادات اللبنانية»، أو «قد يكون هناك بعد إقليمي للعملية» وتوضيحا للنقطة الأولى قال الوزير «العملية التي قام بها نصر الله لم تحسب بالضبط وعرضت لبنان والمجتمع اللبناني وأهل لبنان إلى خسائر فادحة وإن كان البعض يرى فيها قمة الفخر والنجاح»، واعتبر «أن هذا العمل لم يحقق شيئاً»، سائلاً: «ما هو الهدف السياسي لهذه العملية؟ تحرير مزارع شبعا، ما زالت تحت الاحتلال»، وتوضيحاً للنقطة الثانية قال «قد يكون هناك بعد آخر خارجي أو قوة إقليمية كان من مصلحتها أن يتعقد الموقف في تلك المنطقة». باختصار هذا تصريح ليس فيه من الوقائع والمنطق شيء ولهذا قام في أساسه على «ربما»، و«قد» فهو غير قادر أن يقطع برأي وإنما يريد أن يشكك أو يبدي رأياً بخجل وحذر لا معنى لهما بالنسبة إلى رئيس دبلوماسية مصر التي لم تعرف مثله وزيراً للخارجية بهذا المستوى منذ ما بعد محمد علي حتى اليوم.

هدف عملية أسر الجنديين كان تبادل أسرى وليس تحرير مزارع شبعا وهذا هو المعلن منذ أول يوم، ثم من نقل المنطقة إلى الحرب الشاملة والحق ما ألحق من دمار في لبنان إنما هو أمريكا و”إسرائيل” وعبثاً وحراماً، إعفاؤهما من المسؤولية ووضعها على عاتق حزب الله وهو الذي قام بعملية محدودة ضمن قواعد لعبة الصراع الجارية، ولم يردها حرباً شاملة، ثم كيف يصح لرئيس الدبلوماسية المصرية ألا يرى في نتائج الحرب ما رآه الإسرائيليون، بإجماع مدهش، بأن الجيش الإسرائيلي هزم عسكرياً أمام حزب الله فيما لا يريد أن يراه الوزير «قمة الفخر والنجاح».

أما موضوع الهدف الإقليمي من عملية أسر الجنديين فقد رمى إلى «تعقيد الموقف في تلك المنطقة»! فهنا أيضاً سوء في قراءة من «شن الحرب التدميرية الشاملة»؟ ومن عقد الموقف في تلك المنطقة الأمر الذي يجعل التصريح موضع تساؤل بسبب صدوره في هذا الوقت، وبعد سلسلة مواقف رسمية عبر عنها الرئيس المصري باتجاه أبعاد الشكل مع حزب الله لبنانياً، ومع سوريا عربياً، ومع إيران إقليمياً، فهل نحن هنا أيضاً أمام تغيير جوهري في السياسة المصرية لبنانياً وعربياً وإقليمياً؟ أم الجواب على طريقة أبو الغيط: «ربما»، و«قد»؟ 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات