الخميس 09/مايو/2024

عندما ينوب الفلسطيني عن الاحتلال

خالد معالي

لا يكاد المرء يصدق ما يجري على الساحة الفلسطينية ، من ممارسات لا تليق بشعب قدم قافلة طويلة من الشهداء والجرحى والأسرى وما زال ، فالصورة الجميلة والنموذجية التي كان يفاخر بها الفلسطيني شعوب العالم ، أصابها الغبش والتصدع، وكادت تتكسر لولا لطف الله وعنايته أولا ، وبكظم الغيظ ثانيا من قبل جزء كبير وعريض من الشعب الفلسطيني يدرك جيدا منذ البداية ما يحاك ضده  وضد الشعب والقضية.

 فما حصل من تدمير وحرق للمؤسسات العامة والخاصة، ومسيرات مسلحة وهتافات مسيئة ومشينة لقيادات قدمت الغالي والنفيس من أجل حرية شعبها ، أساءت ليس فقط لتلك المجموعات التي لا تقيم وزنا للأخلاق والأعراف والقوانين ، بل للقضية برمتها ولشعب قال عنه القائد الراحل ياسر عرفات بأنه شعب الجبارين ، فالعالم شاهد بالصوت والصورة تلك الأعمال الفاضحة والمخجلة، حتى تسائل بعض المتعاطفين مع القضية الفلسطينية هل هؤلاء مناضلين أم عملاء تابعين للاحتلال يريدون تشويه صورة النضال الفلسطيني..؟!

 صحيح أنه من حق كل مواطن أن يعبر عن رأيه ويطالب بحقه بالوسائل التي يرى أنها تستطيع إيصال وإسماع صوته لصناع القرار ، ولكن على ان تكون ضمن القانون وعدم المس بالممتلكات العامة والخاصة ، فالعالم ينظر إلينا كنموذج حضاري وعلمي يحتذى به في التعامل مع مختلف القضايا والمشاكل وخاصة النضالية منها ، وأي مس بهذه النظرة النموذجية لا يخدم الا الاحتلال الذي يسعى جاهدا ليل نهار ويخصص ملايين الدولارات لتشويه صورة  النضال الفلسطيني ، والأمثلة على ذلك يعرفها القاصي والداني.

 وقضية الحصار على الشعب الفلسطيني عبر حكومته ، بات الكل يعلم مدى ضراوته وشدته ، ولكن القلة تعلم أن الحصار الداخلي من قبل فئة معينة في شعبنا هي أشد وطأة وخنقا من الحصار الخارجي ، فأهل مكة أدرى بشعابها ، وهنا أهل فلسطين أدرى بما يؤلم بعضهم بعضا ، ولو كان الألم يندرج ضمن ما هو مقبول ومعقول من أساليب المعارضة البناءة والملتزمة، والتي تهدف الى النهوض بشعبها ونيل حريته وكرامته لهان الأمر وتحمل الجميع ذلك الألم ، وهذا ما حصل من قبل الجماعات المعارضة لأوسلو طيلة العشرة أعوام السابقة، حيث كانت معارضة واعية وحضارية وملتزمة، كانت معارضة تضرب الاحتلال بعملياتها الاستشهادية ، وتصبر على ألم واعتقال وتعذيب الاوسلويين،ووقفت مع الرئيس الراحل في محنته وحصاره في المقاطعه، وابتعدت عن حرق المؤسسات وتشويه النضال الفلسطيني الذي ظل مشرقا وقتها.

 ولكن الذي يندى له الجبين ، هو عندما تحولت السلطة  الى المعارضة بفعل الانتخابات الحقيقة التي جرت في 2512006 ،والنزيهة بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، فلم يتم قبول النتائج من قبل لون سياسي بشكل مقبول ومعقول ، بحيث تمارس معارضة بناءة ، بل أن الذي جرى هو محاولات متكررة ومتعددة للتخلص من تلك النتائج ولو بالتساوق مع الحصار وأهدافه ، بل ذهبوا لأبعد من ذلك وأنابوا عن الاحتلال في أعماله وممارساته في تسريع إسقاط الحكومة الحالية ، ولو كان ذلك على حساب القضية برمتها ، من حرق وضرب واضرابات واغتيالات .. لأجل ماذا ؟! لأجل سرقة الإنجاز، والانقلاب على  نتائج الانتخابات والعودة للتسلط على رقاب شعبنا لبيع ما تبقى من حقوق وثوابت.

 والذي يسجل للحكومة الحالية أنها لم تقابل الإساءة بالإساءة  ، بل كظمت غيظها وشدت على جرحها وألمها ، كي لا يتشفى الاحتلال بشعبنا وكي لا يحقق الحصار أهدافه ، لأنه في حالة تحقيق الحصار لأهدافه -لا سمح الله- فان قضية الرواتب والمال السياسي سيكون الورقة الرابحة بيد الاحتلال وأمريكا ، وسيتم بيع فلسطين رويدا رويدا بهذا المال السياسي النجس.

 ولو أن جميع الفصائل والقوى الفلسطينية تكاثفت واتحدت  في مواجهة الحصار الظالم ، لكانت الصورة والأوضاع الحالية على غير حالها ، ولأعطى دفعة ونفسا قويا في مشوار التحرير، ولقرب يوم الخلاص من الاحتلال، وهذا لا يمنع وقتها أن تبقى تلك القوى والفصائل  تعارض بالوسائل القانونية المقبولة ،حتى تتمكن من العودة  واستلام الحكم من جديد أن استطاعت ،ما دامت ضمن الانتخابات النزيهة، وما دامت ضمن التسابق على تحصيل ونزع حقوق وحرية شعبنا من بين أنياب أعدائه المجرمين والإرهابيين .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات