الأحد 16/يونيو/2024

الحرب الإعلامية بين العراق وأمريكيا…تسيطر على المعارك العسكرية

الحرب الإعلامية بين العراق وأمريكيا…تسيطر على المعارك العسكرية

مدير مكتب النبأ للإعلام والتوثيق

 قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية / غزة

في ظل التطور الهائل في وسائل الإعلام المختلفة لم يعد بالإمكان عدم التأثر بها وتحييدها عن مجريات الأمور في وقت السلم والحرب. و لقد بات من البديهي أن أية حرب في أي مجال من المجالات تكون مصحوبة بحرب موجهة ضد المعنويات والنفسيات فيما يعرف بالحرب النفسية والتي هي إحدى الأدوات الإعلامية التي تؤثر في الرأي العام، وذلك انطلاقا من أن الهزيمة الحقيقية هي هزيمة النفوس والمعنويات ،وهذه الحرب هي عبارة عن استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية ذات طبيعة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية ، بهدف التأثير على أفراد العدو بما في ذلك القيادة السياسية والأفراد غير المقاتلين بما يخدم الهدف المحدد للدولة المستخدمة للحرب النفسية ، كذلك هي الإجراءات التي تؤثر في آراء وعاطفة وسلوك العدو والصديق والمحايد في وقت الطواريء والحرب . الأمر الذي نلمسه بوضوح منذ أن بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها دق طبول الحرب ضد العراق ، وبدأ العراق في الدفاع عن نفسه حيث ظهرت معالم كثيرة دالة على ذلك . وإن المتتبع لمجريات الأمور يجد أن الحرب النفسية والإعلامية كانت على أشدها بين الطرفين قبل وخلال الحرب وبالتأكيد سوف تستمر بعدها، ولا أعتقد أن أي من الأطراف ممكن الاستغناء عن الأدوات الإعلامية وذلك لخطورتها ، وأهميتها، ودورها في حسم المعركة.

مظاهر الحرب الإعلامية قبل الحرب

لقد شنت أمريكيا وحلفاؤها حربا نفسية شرسة على العراق قبل انطلاق الحملة العسكرية من أهم مظاهرها: 

* الإعلان المستمر أن العراق يربطه بالقاعدة رابط قوي وأنه يدعم( الإرهاب) في فلسطين ومحاربته ضرورية لأنها تأتي ضمن الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب .

* التأكيد على أن العراق مازال يملك قدرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل التي يهدد بها الأمن والسلامة في العالم وخاصة جيرانه من عرب ويهود ، لذلك لابد من إنهاء زحف شره على العالم الآمن .

* التصريحات المستمرة لقادة المحور الأمريكي حول الحرب فمثلا: كوفي عنان يؤكد على أن الحرب ليست حتمية ، وتوني بلير يعلن أن بريطانيا مستعدة للحرب بدون الرجوع لمجلس الأمن ، وقيادة الحلف الأطلسي توضح أن الانقلاب في المنطقة وشيك … وجاءت هذه التصريحات وغيرها من باب اللعب على وتر الأعصاب وهز النفوس وإضعاف الهمة والمعنويات .

* خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن وما تضمنه من اتهامات ، وافتراءات ومعلومات موظفة نحو الهدف نفسه.

* الكشف باستمرار عن نوعية الأسلحة المزمع استخدامها وكذلك حجم الجيوش واعتمادها على السلاح النووي والأقمار الصناعية … في خطوة لإرهاب العالم وإظهار كبرياء أمريكا و قدراتها العسكرية الفائقة …

* الكشف في وسائل الإعلام بطرق رسمية و غير رسمية عن السيناريوهات المطروحة والمتوقعة للحرب والتركيز على أن المطلوب هو صدام حسين وزمرته ومقدراتهم الشخصية وقصورهم ومسقط رؤوسهم وليس الشعب العراقي كله  وذلك يأتي في سياق التحريض والتفرقة بين القيادة والشعب .

* كذلك إعلان الولايات المتحدة وحلفائها أن الحرب قد لا تندلع في حالة  تنحي صدام حسين وقبوله النفي الاختياري دون تقديمه للمحاكمة .

* التحرك الأوروبي بقيادة بريطانيا فيما عرف برسالة الدول الثمان التي طالبت مجلس الأمن بالتعاون  مع أمريكا ضد العراق وهذا لتوضيح أن معاداة العالم للعراق تتزايد .

* إصدار الأوامر للرعايا الأمريكان والدبلوماسيين بالحذر ومغادرة دول الجوار المحيطة بالعراق في خطوة تحذيرية  وتنبئية بقرب الحرب .

* الإعلان المستمر عن مواعيد الضربة ومدتها فتارة منتصف فبراير ، وأخرى آخره، وثالثة لن تتعدى  نهاية مارس  … ثم هي نزهة  أسبوع أو أسابيع ستة على أكثر التقديرات وأن السيطرة ستتم من أول ليلة للضربة .

كل ذلك وغيره من التصرفات والتصريحات والإعلانات يأتي من باب التقديم  لتحقيق هزيمة نفسية للعراق ومن يقف معه من أجل الإرهاب والتخويف والتخذيل لتسهيل المهمة وتحقيق ماهو خافي من أهداف بأقل الخسائر .

وأمام ذلك قام العراق ومعارضو الحرب بشن حملة نفسية معاكسة بغرض إحباط الحملة ضده أو على الأقل الحد من آثارها ، من أهم مظاهرها:

* التلويح المستمر بحركة الوعي المتنامية في الشارع العربي والإسلامي والدولي، وزيادة المعاداة للسياسات والإدارة الأمريكية.

* التوضيح والتحذير بأن العراق هو بداية وليس نهاية ومقدمة لاستهداف دول المنطقة كلها وأن خسائر اقتصادية كبيرة وضخمة ستلحق بالعرب.

* النفي الصريح والسريع لكل افتراءات أمريكا وتوضيح أهدافها الحقيقية والخفية من الحرب وخاصة البترول وصياغة المنطقة لصالح( إسرائيل) .

* الربط الذكي بين الرغبة بالحرب ومصالح دولة( إسرائيل) مستغلا مشاعر الغضب ضدها على ما تقوم به ضد الفلسطينيين .

* التركيز على المضمون العقائدي والديني في خطابات وتصريحات قادة العراق وبأن المستهدف هو الإسلام والأمة والكرامة العربية .

* توضيح أن الحرب سوف تزيد الهجمات ( الإرهابية ) في العالم وستؤدي إلى كارثة بحق المنطقة بأسرها .

* تحذير بعض محامي انجلترا لتوني بلير بأنه سيكون مجرم حرب في حالة مشاركته الولايات المتحدة الحرب ضد العراق .

*ظهور صدام لأول مرة منذ فترة طويلة في مقابلة متلفزة مخاطبا الشعوب والرؤساء وموضحا الكثير من الحقائق  المفندة للمزاعم الأمريكية .

* الاستغلال الحسن لحركة المعارضة في مجلس الأمن وخاصة فرنسا وألمانيا وروسيا والصين .

* الاستغلال الجيد للأزمة مع كوريا التي تحدت أمريكا ومجلس الأمن وكذلك اللعب على وتر امتلاك  ( إسرائيل ) للأسلحة النووية دون رقابة دولية .

* تعبئة الشارع العراقي وتسليحه بكافة شرائحه وقطاعاته ، والإعلان أن العراق لن تكون نزهة ” لهولاكو ” العصر ( أمريكا ) وأنها ستكون مقبرة للمعتدين، وأن العراقيين قادرون  أن يقتلوا مليون أمريكي في الحرب .

* التعاون الواضح مع مفتشي مجلس الأمن وحل الإشكاليات معهم باستمرار حسب الأوضاع وتسليمهم وثائق وأوراق مهمة وتمكينهم من استجواب خبراء دون طرف ثالث ….

مظاهر الحرب الإعلامية خلال الحرب

من خلال ذلك كله يتضح أن حربا نفسية ومعنوية دارت بالفعل  قبل والحملة العسكرية، ساحتها كل العواصم والمحافل الدولية الرسمية والشعبية،  ورغم أننا نرى قوة الأدوات المستخدمة من جانب العراق وبراعته في إدارة المعركة الإعلامية إلا أننا نتساءل هل هذه البراعة وهذا الحق قد أهل العراق كي يتجنب الضربة أمام أنه الطرف الأضعف والمغلوب على أمره  ؟؟ ثم هل ضعف الأدوات الأمريكية البراهين المقدمة ردع جموح العدوان وخاصة أن المعتدي هو الطرف المهيمن والطرف الأقوى عالميا والسالب الدول إرادتها ؟؟

لقد جاء الرد الأمريكي بسرعة ليضع حدا لكل التكهنات وذلك عندما شن الحملة العسكرية فجر الخميس 20/3/2003م، رغم ضعف الموقف الأمريكي السياسي والقانوني والإعلامي والجماهيري. وبات واضحا ملامح الحرب الإعلامية المصاحبة للحملة العسكرية حيث أننا نعتبر أن الحرب هي إعلامية بالدرجة الأولي.ونستطيع تحديد أهم مظاهرها من الطرفين :

*الاعتماد على المؤتمرات الصحفية لقادة القوات المعتدية وقيادة الجيش العراقي في نشر البيانات المتعلقة بكل طرف وتفنيد أقوال كل طرف.

* خطابات رؤساء الدول المعنية : جورج بوش، وصدام حسين ،وتوني بلير،وسعيهم في رفع الروح المعنوية لجيشهم وشعبهم.

* نشر البيانات من الطائرات وعبر وسائل الإعلام تدعو الجماهير والجيش للاستسلام وإنقاذ أنفسهم.

* تصوير الأسرى والقتلى والجرحى من الطرفين ونشرها وبثها في وسائل الإعلام المختلفة .

* ملاحقة المعلومات المعلنة من كل طرف وتفنيدها وتوضيح عكسها.

* الاهتمام بالمراسلين الصحفيين وتزويدهم بالمعلومات المراد نشرها ، وحجب تلك التي لا يراد نشرها، بغرض التأثير علي الطرف الآخر.

هذه المظاهر تستخدم بشكل عام من كلى الطرفين.

دوافع أمريكيا

ورغم أهمية الحرب الإعلامية في كل الأحوال والأوقات، إلا أنني أرى أن القوات الأمريكية ومن معها لجأت إلى تكثيف هذه الحرب قبل وبعد المعارك العسكرية لعدة دوافع منها:

*عدم وجود إجماع دولي رسمي وقانوني للحرب على العراق.

* وضوح الأسباب من وراء الحرب وعلى رأسها النفط ، وإعادة تشكيل المنطقة لصالح ( إسرائيل).

* الغضب الجماهيري العربي والدولي ضد الحرب.

* عدم جرأة الحكومات العربية على الإعلان الواضح عن مساعدة أمريكيا، عكس عام 1991م.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات