عاجل

الأحد 16/يونيو/2024

سقوط «أمير الظلام» يفضح «عصابة الحرب» الأمريكية!

سقوط «أمير الظلام» يفضح «عصابة الحرب» الأمريكية!

بعد أسبوع واحد على بدء الحرب الهمجية الأمريكية ضد العراق، جاء إعلان استقالة أحد أكبر صقور «البنتاجون» وأبرز مهندسي الحرب ضد العراق، وهو (ريتشارد بيرل) رئيس مجلس السياسات الدفاعية، الذي يعتبرونه في واشنطون «المنظر الأيديولوجي» للحرب ضد العراق و«المرشد الروحي» لمجموعة صقور الحرب، التي تضم إلى جانبه قيادات مثل (بول وولفويتز) نائب وزير الدفاع الأمريكي، و(دوجلاس فايث) وكيل وزارة الدفاع للتخطيط، و(جون بولتون) مساعد وزير الدفاع لشئون التسلح.

ويبدو أن فضيحة استقالة (ريتشارد بيرل) والملقب أيضاً «بأمير الظلام» ستكون بداية لسلسلة من الفضائح السياسية والمالية في إدارة بوش، سوف تكشف تباعاً المؤامرة الإجرامية الخطيرة التي نفذتها «عصابة الحرب» في البنتاجون بشن الحرب ضد العراق لحساب «تحالف ثلاثي» وقف بقوة وراء الإصرار على شن الحرب حتى لو كان ذلك ضد الشرعية الدولية، وتجاوزاً لميثاق الأمم المتحدة وسلطة مجلس الأمن، وضد فرص حل الأزمة بالطرق السلمية عبر منح المفتشين الدوليين الفرصة الكاملة لإتمام مهمتهم في نزع أسلحة العراق المحظورة المزعومة.

و«التحالف الثلاثي» الذي نشير إليه، هو تحالف مصالح اجتمعت إرادتها معاً على شن الحرب على العراق لتحقيق مصالحها الفاسدة والشريرة على حساب أمن وسلام العالم، وضد أرواح الأبرياء في العراق. وقد نفذت «عصابة الحرب» في البنتاجون المدعومة أساساً من نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) هذه الخطة الجهنمية لخدمة مصالح «تحالف المصالح الثلاثي»، الذي يضم، شركات السلاح، وشركات النفط، واللوبي الصهيوني الذي يعتبر تدمير العراق أكبر خدمة يمكن أن تحققها الحرب لصالح أمن ومستقبل “إسرائيل”. وهذا ما يدفعنا إلى القول، إن سقوط بيرل سيكون مقدمة لسقوط مجموعة أخرى من القيادات في عصابة الحرب الأمريكية، وتحالف الحرب المشئومة ضد العراق، فيما سيعرف لاحقاً بفضيحة «عراق جيت».

وإذا كان سقوط بيرل جاء وفق الأسباب المعلنة لتورطه في فضيحة فساد مالية، مع شركة اتصالات أمريكية هي «جلوبال كروسينج» عمل بحكم موقعه النافذ في البنتاجون على إبرام عقود لها مع وزارة الدفاع، حتى إن الصحفي (سيمور هيرش) الذي كشف عن هذه العلاقة مؤخراً. أسماها فضيحة «جلوبال جيت»، إلا أن الأسباب الحقيقية للإطاحة بصقر الحرب الأول في البنتاجون أي بيرل، تتجاوز هذه الشبهة المالية إلى أسباب سياسية واضحة تتعلق بالحرب ضد العراق، والدور القذر الذي لعبه بيرل في الترويج لهذه الحرب والضغط لشنها. فقد كان معروفاً، أن (ريتشارد بيرل) هو من وقف بحماس ليروج لفكرة أن الحرب على العراق ستكون مجرد «نزهة في الصحراء» وأن العراقيين سوف يستقبلون القوات الأمريكية بالورد والزهور والترحاب بمجرد دخولهم إلى الأراضي العراقية. وأن الانتصار على العراق سيكون عبر حرب خاطفة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً.

وقد استخف بيرل بتقديرات الجنرالات العسكريين حول القوة اللازمة لتنفيذ الحرب ضد العراق، ووقف هو ورامسفيلد وولفويتز ضد تقديرات العسكريين الذين طالبوا بقوة كبيرة لتنفيذ الغزو. حيث أصر بيرل أن 60 ألف جندي أمريكي فقط تكفي لتحقيق الانتصار. ولكن بعد أسبوع من بدء الحرب، ثبت أن تقديرات بيرل ورفاقه من صقور الحرب كانت مجرد «أضغاث أحلام«، وأنها قادت إدارة بوش إلى كارثة بعد الصمود البطولي الهائل الذي أظهرته المقاومة العراقية، وبعد الإخفاق الكبير الذي ظهرت عليه الخطة العسكرية الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى إيقاف التوجه نحو بغداد لمدة أسبوع ومضاعفة عدد القوات الأمريكية اللازمة لإتمام الغزو، وبعد الخسائر البشرية الفادحة التي ألحقتها القوات العراقية بقوات الغزو الأمريكية والبريطانية.

وتشير مصادر مطلعة في واشنطون إلى أن القيادات العسكرية في البنتاجون تقف وراء إسقاط بيرل، بعد أن ظل يستخف باستمرار بتقديراتها للحرب، الأمر الذي دفع الرئيس بوش إلى إصدار أمر بإجراء مراجعة شاملة للخطة العسكرية وتكليف الجنرالات العسكريين بإجراء هذه المراجعة ووقف تدخل المسئولين المدنيين (الذين كان بيرل في صدارتهم) في البنتاجون في هذه المراجعة. وأكثر من ذلك، فقد سارعت إدارة بوش إلى إظهار التبرؤ من دور بيرل الذي كان قد توقع أن تكون الحرب قصيرة، وأعلن مسئول في البيت الأبيض : «أن بيرل لا ينتمي إلى أوساط الرئاسة الأمريكية، وأنكم عندما تستشهدون بريتشارد بيرل، فإنكم تستشهدون بأشخاص خارج أوساط الإدارة وهم على هامش الأمور وغير مكلفين بإدارة هذه الحرب».

ويبدو أن بوش والبيت الأبيض يريد أن ينأى بنفسه عن فضائح بيرل، حتى لا تترك أثراً سيئاً على رصيد بوش لدى الرأي العام، خاصة أن هذا الرصيد قد بات مهدداً وفي حالة خطرة نتيجة المراهنة على «الاستشارات الخاطئة» لبيرل ورفاقه من صقور الحرب في البنتاجون. وقد كشفت مصادر مطلعة في واشنطون أن بيرل بنى تقديراته بشأن الحرب في العراق استناداً إلى معلومات غير دقيقة نقلها له ضباط عراقيون منشقون وأوساط في المعارضة العراقية هي التي روجت لفكرة أن القوات الأمريكية سوف تستقبل بالورد في العراق.

لكن ما نستطيع تأكيده أن هذه التقديرات الخاطئة ليست وحدها الدافع وراء حماس بيرل لشن الحرب ضد العراق، وإنما يمكن القول إن ارتباطاته بـ”إسرائيل” وسعيه لخدمتها كانت أحد الأهداف المركزية وراء ضغوطه لدفع أمريكا لشن حرب تحقق المصالح الأمنية لـ”إسرائيل” في نهاية المطاف. فمعروف أن بيرل (اليهودي) محسوب على اليمين الجمهوري المحافظ أو وفق ما يسمى «المحافظون الجدد»، وهو التيار ذو الصلة الوثيقة باليمين الإسرائيلي وحزب الليكود بالذات، كما أنه هو ذات التيار الوثيق الصلة باللوبي الصهيوني في أمريكا، ويرتبط «اليمين المسيحي المحافظ» في الحزب الجمهوري باللوبي الصهيوني في علاقة تحالف تقوم على الاعتقاد بأن خدمة “إسرائيل” وحماية أمنها هو مهمة دينية مقدسة. ومعروف أن بيرل ذو المواقف الشديدة الحماس لـ”إسرائيل” على صلة وثيقة بنتنياهو رئيس الوزراء الليكودي الإسرائيلي الأسبق، وكان هو الذي أشرف على تخطيط الحملة الانتخابية لنتنياهو ضد باراك عام 1998، وهي الحملة التي انتهت بسقوط نتنياهو في الانتخابات وفوز باراك.

وارتباطات بيرل بـ”إسرائيل” قديمة، وقد سبق اتهامه في السبعينيات بنقل معلومات على درجة عالية من الحساسية إلى “إسرائيل”، وفي الثمانينيات عندما كان يعمل مساعداً لوزير الدفاع واينبرجر في عهد إدارة ريجان، ثارت ضجة إعلامية حول تلقيه مبالغ ضخمة من شركة سلاح إسرائيلية على حساب المصالح الأمريكية. كما أنه عضو مجلس إدارة صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية.

ومن الواضح، أن صلات بيرل بشركات السلاح وتجار الحروب لم تنقطع، والفضيحة المالية التي عزل من منصبه في البنتاجون بسببها بسبب صلاته بشركة «جلوبال» للاتصالات، ليست وحدها فيما يبدو، فقد أثيرت شبهات أخرى عن صلاته بتجار سلاح وترتيبه عقد صفقات معينة مع البنتاجون من بينها علاقته بتاجر سلاح شهير في الشرق الأوسط.

لقد كان من المفاجآت المبكرة للحرب العدوانية على العراق، ليس فقط هذا السقوط المبكر لمنظر الحرب الأول (ريتشارد بيرل)، ولكن سرعة تكشف فضائح الفساد التي تحرك القوى المؤيدة للحرب والتي وقفت وراء شنها، وأجهضت فرص تسوية الأزمة عبر الأمم المتحدة والمفتشين الدوليين، وكان بيرل من أشد الداعين إلى تجاهل الأمم المتحدة وتصفية دورها، واعتبر منذ البداية لجوء إدارة بوش إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يجيز استخدام القوة ضد العراق، خطأ كبيراً، وان أمريكا يجب ألا تستأذن هذه المنظمة العاجزة فيما يتعلق بقراراتها المصيرية.

ومن المفارقات، أن بيرل، كتب مقالاً فور اندلاع الحرب ضد العراق، يعلن فيه وفاة الأمم المتحدة، وينعيها إلى العالم. ولا شك أن هؤلاء الصقور أصحاب الفكر الانعزالي وسياسة إدارة أمريكا ظهرها للعالم، هم الذين ورطوا بوش مستغلين ضحالة خبرته السياسية في ورطة أو كارثة الحرب ضد العراق، التي ستجلل سجله السياسي بالعار، والأرجح أنها ستنتهي إلى فضيحة أخلاقية وسياسية وربما عسكرية كبرى إذا ما واصل العراقيون صمودهم البطولي في وجه آلة البطش العسكرية الأمريكية الهائلة.

وكان سقوط بيرل المبكر إيذاناً بكشف سلسلة من الفضائح المالية الأخرى، التي تكشف الدوافع الحقيقية للحرب وقوى المصالح التي تقف وراءها، والتي لا تقتصر على لوبي صناعة الأسلحة الذي يريد اختبار أسلحة جديدة في حرب العراق، وتحريك عجلة مصانع السلاح لتعويض الأسلحة والذخائر التي تم استخدامها في الحرب، وتحقيق أكبر مكاسب من الميزانية العسكرية الضخمة التي أقرها الكونجرس والبالغة 400 مليار دولار، والتي نجح صقور الحرب في البنتاجون في إقرارها بعد إطلاق مشروع «مبادرة الدفاع الصاروخي» لتكون أعلى ميزانية عسكرية في تاريخ أمريكا منذ حرب فيتنام.

ولكن، أيضاً، هناك اللوبي النفطي الذي يمثله في إدارة بوش كل من (ديك تشيني) نائب الرئيس، و(كونداليزا رايس) مستشارة الأمن القومي، وهو اللوبي الرامي إلى احتكار استثمار النفط العراقي بعد الحرب لصالح شركات النفط الأمريكية، ولا ننسى الصلات الوثيقة للرئيس بوش نفسه بشركات النفط في تكساس، التي كان حاكماً لها قبل ترشيحه للرئاسة. وقد بدأت فضائح لوبي النفط تظهر سريعاً، منذ الأسبوع الأول للحرب، بعد إعلان توقيع تشيني لعقود مع شركته السابقة التي كان يرأس مجلس إدارتها وهي شركة «هيلبرتون» حيث منحها عقوداً لإطفاء آبار النفط المشتعلة في جنوب العراق، وقد وقعت هذه العقود قبل نشوب الحرب، الأمر الذي يعكس النوايا المبيتة لخدمة مصالح هذه الشركة في ضوء الحسابات التي قامت على أساس توقع قيام صدام بإشعال الحرائق في آبار النفط العراقية كما حدث في حقول النفط في الكويت عام 1991.

ولكن، في ضوء مفاجأة عدم إشعال العراق لآبار نفطه باستثناء بعضها، لنا أن نتساءل عن مصير عقود شركة تشيني السابقة أي هيلبيرتون، في ضوء عدم وجود آبار نفط مشتعلة، ألا يتوقع في ضوء ذلك، أن تعمد القوات الأمريكية قبيل انتهاء الحرب إلى إشعال الحرائق في آبار النفط العراقية، حتى تجد شركة «هيلبيرتون« سبيلاً لتنفيذ عقودها المجزية!

إن الدور الأخطبوطي لشركات صناعة السلاح، وشركات صناعة النفط الأمريكية، في إشعال الحرب ضد العراق، وتحريك صناع القرار في إدارة بوش وخاصة «صقور الحرب» في البنتاجون لاتخاذ قرار الحرب رغم تهافت المبررات ومخالفة ذلك للشرعية الدولية، يعيد إلى الأذهان ذلك التحذير الحكيم الذي أطلقه الرئيس (دوايت ايزنهاور) عام 1958، وهو جنرال عسكري سابق من أكبر قادة الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كان ينهي فترته الرئاسية، حيث حذر من مخاطر تحالف قوى المصالح في شركات ما يسمى بـ«المجمع الصناعي- العسكري» على مستقبل أمريكا وسعيه للزج بها في صراعات وحروب لا تنتهي. لقد قال ايزنهاور في خطبة الوداع للأمة الأمريكية عام 1958: «إننا يجب أن نحذر أن يحصل التحالف

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات