عاجل

الأحد 16/يونيو/2024

هكذا يراها (الإسرائيليون) أمريكا الدولة الأقوى.. ولكن ليس في أرض المعركة

هكذا يراها (الإسرائيليون) أمريكا الدولة الأقوى.. ولكن ليس في أرض المعركة

إجراء عملية حسابية للحروب الكبرى، التي خاضتها الولايات المتحدة لا يشير خلال القرن العشرين إلى نجاحات كبيرة في أرض المعركة. هذا ما يعتقده البروفيسوران ايتان جلبوع وابراهام بن تسفي، من كبار الباحثين في العلوم السياسية في جامعتي بار – إيلان وتل أبيب.

المؤرخ البروفيسور مارتين فن كيرفلد من الجامعة العبرية في القدس يقول إن حرب فيتنام كانت أكبر الحروب، التي اندلعت في القرن العشرين، وقد انتهت بفشل الولايات المتحدة المطلق. “أنا أخشى جدا أن يكون الأمريكيون سائرون في هذا الاتجاه في الحرب الحالية الدائرة في العراق” يقول كيرفلد.

البروفيسور ارنون غوتفيلد من جامعة تل أبيب ومن كبار الباحثين في التاريخ الأمريكي في (إسرائيل) يقول إنه حتى لو لم تنتصر أمريكا في كل الحروب على أرض المعركة، إلا أن من الواجب النظر لنتائج الحروب، التي خاضتها من خلال رؤية شمولية. ووفقا لهذا التوجه فإن الولايات المتحدة حسب اعتقاده كانت المنتصرة الكبرى في الحروب الثلاث الأهم خلال القرن المنصرم.

فقد انتصرت خلال الحربين العالميتين، وكانت لها الغلبة في الحرب الباردة. وغوتفيلد يعتقد أن كل حرب عالمية اندلعت كانت نتيجة لما سبقها. ولكن في ظل غياب المنظور التاريخي فلا تتوفر بعد أدوات للتقدير إذا كانت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وحربي أفغانستان والعراق نتيجة مباشرة لإنهاء الحرب الباردة، وإذا كانت هذه الحروب ستؤدي إلى نظام عالمي جديد.

“مشكلة الولايات المتحدة هي أنها قد شنت كل حروبها من خلال الثقة المطلقة بتفوقها التكنولوجي والعسكري”، يقول بن تسفي، ويضيف “وهذا التوجه جعلهم يعتقدون في كل الحروب أن الحملات هي حملات عسكرية ستنتهي خلال مدة قصيرة.. هذا التقدير نبع أيضا من أن الأمريكيين جيدون في الاستخبارات التكنولوجية، ولكنهم ضعفاء في الاستخبارات البشرية. ومن هنا يواجهون صعوبة في الفهم السياسي والأيديولوجي والاجتماعي، وهذا كان قاسما مشتركا برز في كل الحروب الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية”.

الولايات المتحدة كانت أكثر استعدادا وجاهزية لشن الحروب من الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، ذلك لأن الاتحاد السوفياتي كان دولة عظمى قارية. أما أمريكا فقد امتلكت وسيلة لنقل قواتها في البحر، وكانت لديها إمكانية للوصول العسكري التقليدي في كل مكان في المعمورة، وهذا هو سر قوتها.

غوتفيلد يقول إن أغلبية حروب الولايات المتحدة تناقضت مع روحية الشعب الأمريكي، الذي يكره الحروب، هذا بينما كانت أوروبا تاريخيا ذات نزعة حربية قتالية. وهو يضيف أيضا أن أمريكا خاضت خلال القرن العشرين ثلاث حروب بارزة: كوريا الشمالية في عام 1950، وفيتنام في عام 1964، والعراق في عام 1991. أما كل ما تبقى مثل أزمة الصواريخ في كوبا وحرب كوسوفو فتعتبر مصادمات عسكرية.

حروب إنسانية
من الممكن تقسيم تحركات وأنشطة الولايات المتحدة العسكرية في النصف الثاني من القرن العشرين إلى حروب، وإلى ما يسمى في العلوم السياسية “تدخل عسكري إنساني”.

في هذا الإطار يمكن أن تدخل حرب البوسنة في عام 1995 وحرب كوسوفو في عام 1999 وحرب الصومال في أعوام 1992 – 1995. الفرق يكمن في درجة استخدام القوة العسكرية.

ففي سياق التدخل العسكري الإنساني يعتبر العامل السياسي هاما ومركزيا أكثر من العامل العسكري. وفي حروب البلقان سجلت الولايات المتحدة إنجازا عندما نجحت في استبدال الحكم، من خلال تدخل قليل نسبيا. هذا الإنجاز حدث لأسباب منها أن صربيا شهدت معارضة لنظام ميلوسوفيتش وكانت ناضجة للامساك بمقاليد الحكم في مرحلة معينة. ولنفس الأسباب نجحت في استبدال الحكم في أفغانستان في عام 2002.

الدوافع الإنسانية هي جانب جديد لم يكن قائما في حروب أمريكا الكبرى خلال القرن السابق. وخلال تلك الحروب قاتل الجيش الأمريكي حتى يدافع عن مصالح العالم الغربي من انتشار الشيوعية. وفي حرب كوريا الشمالية عام 1950 كان الهدف منع كوريا الشمالية المدعومة من الصين من توسيع نفوذها للجنوب.

 

قوات الأمم المتحدة بقيادة أمريكا نجحت خلال أشهر بتحرير كوريا الجنوبية، إلا أن قائد الجيش الأمريكي الجنرال دوغلاس مكارثر لم يكتف بذلك، معتقدا أنه قادر على القضاء على جيش كوريا الشمالية. مكارثر لم يقدر دافعية جنود الشمال والصينيين بصورة جيدة.

وامتدت الحرب لثلاث سنوات استنزافية بدلا من أن تستغرق عدة أشهر. وقد اقترح مكارثر حسم الحرب من خلال استخدام السلاح النووي ضد كوريا الشمالية، فاعتبر ذلك فشلا، وكان وسيلة بيد ترومان لإقالة مكارثر، ووصلت خسائر أمريكا في هذه الحرب 37 ألف شخص.

هذه الحرب تركت طعما مرا رغم نجاحها السياسي، وهكذا كان النجاح فيها جزئيا. وفي عام 1964 بعد انتهاء أزمة كوبا بعامين بدأت حرب فيتنام، حيث حاول الشمال مدعوما من الاتحاد السوفييتي والصين بأن يوسع نفوذه للجنوب. هذه الحرب كانت صدمة نفسية ذات أثر عميق في المجتمع الأمريكي. القوات العسكرية اعتقدت آنذاك أن زيادة عدد الضحايا في صفوف الفيتناميين ستجعلهم يتراجعون، إلا أن ذلك أدى إلى نتائج عكسية فسقط في هذه الحرب 50 ألف جندي أمريكي وملايين الفيتناميين.

 

هل الولايات المتحدة في حالة انهيار؟
نظرية “القوة الناعمة” التي وضعها الباحث الأمريكي جوزيف ناي نشأت إثر الانقسام القوي الذي نشب في أوساط الباحثين في العلوم السياسية في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات حول قضية مستقبل الدول العظمى. المؤرخ الأمريكي فرنسيس فوكوياما كتب في حينه عن “نهاية التاريخ”، والبروفيسور بول كنيدي نشر كتابه المثير للخلاف حول “صعود وسقوط الدول العظمى”.

كنيدي حلل تاريخ الدول العظمى خلال الخمسمائة سنة الأخيرة واستخلص بأن هناك عملية تكرارية دورية في حكم وسيطرة الدول الأعظم. وحسب المعادلة الرياضية التي طورها تبين أن كل دولة عظمى ستنهار إذا تجاوزت التزاماتها الموارد التي تملكها. وإحدى هذه الموارد هي قوة إرادة الشعب. من هنا استنتج كنيدي أنه رغم أن الحرب الباردة تقارب على الانتهاء إلا أن أمريكا على وشك الانهيار.

في عام 1990 ظهر كتاب ناي “واجب القيادة” حيث وجه فيه انتقادات قوية لكنيدي، قائلا إنه قام بدراسة قوة الدول العظمى عسكريا واقتصاديا فقط، وأغفل أن الحرب القادمة ستشهد عاملين جديدين: التكنولوجيا والعلوم. وقال إن نظرية كنيدي كانت صحيحة حتى الثمانينيات، ولكنها لم تعد ملائمة لمعطيات القرن الحادي والعشرين. واعتقاده هو أن أمريكا ستواصل قيادة العالم بسبب الفجوة الهائلة بينها وبين باقي العالم في العلم والتكنولوجيا. وإبان هذا الجدل خرجت أمريكا لحرب الخليج الأولى دفاعا عن مصالح العالم الحر. الاعتقاد في حينه كان أن أمريكا انتصرت في هذه الحرب. أما جلبوع فيعتقد أن أمريكا لم تحقق أهدافها فيها، ولذلك لا يمكن اعتبارها ناجحة.

الحروب التي تخوضها أمريكا في القرن الحادي والعشرين في أفغانستان والعراق مغايرة عن حروبها السابقة من حيث الدافع. في السابق كان الدافع الحفاظ على النظام العالمي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية، أما الآن فالحروب تجري إثر عمليات أيلول (سبتمبر) 2001 حيث كانت الإصابة في داخل البيت الأمريكي لأول مرة في التاريخ. أمريكا شعرت بالإهانة وهي تريد الآن فرض نظام جديد (السلام الأمريكي)، وهو مصطلح روماني قديم يستخدمه المحافظون الجدد في أمريكا.

اعتقاد جلبوع هو أن العراق هو مرحلة أولى في الحرب العالمية المعلنة ضد محور الشر، وهو يعتقد أن شن هذه الحرب يدل على أن أمريكا قد تغلبت على صدمة فيتنام النفسية حيث تخرج لوحدها من دون مظلة دولية، إلا أن الوقت لا يصب في مصلحة أمريكا، كما يقول غوتفيلد، فالحرب في العراق مقيدة بالوقت، وعما قريب ستأتي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والوضع الاقتصادي في أمريكا صعب، لذلك سيكون امتداد الحرب حتى موسم الانتخابات كارثة بالنسبة لبوش.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات