الخميس 09/مايو/2024

يوري أفنيري: سيف الرسول وخرافة الشر عند البابا

ترجمة مكاوي سعد مكاوي

ملاحظة من المترجم:
انتقيت هذه المقالة لأنها رؤية صادرة من كاتب إسرائيلي معادٍ للصهيونية ومن الناشطين في سبيل السلام العادل ضمن جماعة (غوش شالوم) التي تمثل (إسرائيل) الأخرى أو جبهة الرفض والانشقاق عن التيار الصهيوني السائد ـ ويُقدم نفسه على أنه يهودي غير مؤمن، ومن كبار كُتاب اليسار المحسوب ضمن الصف المعادي للسياسية الأمريكية الراهنة ومخططات المحافظين الجدد…

والجديد في طرحه هو ربطه تصريحات البابا ضمن سياق هذه المخططات بصورة تكاد تكون “مؤامراتية”، وإن لم يكن مدافعاً عن الإسلام ورسوله الكريم عن إيمان، إلا أنه يقف في صف مناهضة الهيمنة الغربية على مقدرات العالم، وأولى بالمسلمين أن يطلعوا على ما يقول.

نُشرت المقالة الأصلية بالإنجليزية بموقع (كاونتربنش http://www.counterpunch.org ) وهو صحيفة مطبوعة وإلكترونية وتعتبر من أنشط المواقع الأمريكية المعتدلة وأكثرها جدية ويستقطب نخبة ممتازة من الكتاب الذين يمكن وصفهم بالحيادية إلى حد ما.

ترجمة المقال:

منذ الأيام الذي كان فيها الأباطرة الرومان يقذفون بالمسيحيين للأسود لكي تلتهمهم، تعرضت العلاقات بين الأباطرة ورجال الكنيسة إلى عواصف وتموجات كبيرة جداً.

قسطنطين الأعظم الذي أصبح امبراطوراً سنة 306 ميلادي ـ أي منذ 1700 سنة تحديداً ـ شجع رعاياه على اعتناق وممارسة الديانة المسيحية في امبراطوريته، التي كانت آنذاك تشمل فلسطين.

بعد ذلك بعدة قرون انقسمت الامبراطورية إلى شرقية (أرثوذكسية) وغربية (كاثوليكية)، وفي الغرب طلب راعي أبرشية روما، الذي تحصل على لقب “بابا” من الإمبراطور أن يقبل بسيادته عليه.

لعب الصراع بين الأباطرة والبابوات دوراً هاماً في التاريخ الأوروبي وقسَّم شعوب أوروبا، وكان يشتد أحياناً ويخفت أحياناًأخرى. الأباطرة كانوا يُقيلون البابوات وهؤلاء كانوا أحياناً يطردون أباطرة من الكنيسة أي يحرمونهم من “الخلاص”… وقد ذهب أحد الأباطرة وهو (هنري الخامس) سيراً على الأقدام إلى مقر البابا في “كانوسَا” ووقف ثلاثة أيام حافي القدمين أمام قلعة البابا حتى رقَّ له قلب البابا وتعطف عليه بإلغاء قرار حرمانه.

ولكن كانت هنالك أيضاً فترات تعايش فيها البابوات والأباطرة في سلام. ونحن نشاهد في هذا العصر فترة من ذلك. فهناك بين البابا الحالي (بينيدكتس) السادس عشر و”الإمبراطور” الحالي (جورج بوش) الثاني، توافق وانسجام… محاضرة البابا الأسبوع الماضي، التي أثارت عاصفة عالمية… كانت متفقة تماماً مع حملة “الإمبراطور” (جورج بوش) الصليبية ضد “الفاشية الإسلامية”، وكل ذلك ضمن سياق “صدام الحضارات.”

قدم البابا في محاضرته بالجامعة الألمانية يوم 25 آب / أغسطس الماضي وصفاً لما اعتبره اختلافاً كبيراً بين المسيحية والإسلام، إذ يقول: “فبينما تتأسس الديانة المسيحية على العقل، يُنكر الإسلام العقل.. وبينما يرى المسيحيون المنطق في أفعال الخالق، يرفض المسلمون وجود مثل هذا المنطق في أفعال الله.”

أنا، كاتب هذه المقالة، يهودي ملحد، ولا أنوي الدخول في مثل هذا الجدال، فهو أكثر من قدرتي المتواضعة على فهم “منطق البابا”… ولكنني لا أستطيع أن أدع مقطعاً هاماً يمر عليَّ لأنه يخصني شخصياً، بصفتي مواطناً إسرائيلياً يعيش على خط النار في “حرب الحضارات” هذه.

فلكي يُثبت البابا “غياب العقل في الإسلام”، يزعم أن النبي محمداً أمر أتباعه بنشر الدين الإسلامي “بحد السيف”.

تصرف من هذا القبيل ـ طبقاً لمزاعم البابا ـ يُعتبر غير عقلاني؛ لأن الإيمان يولد من الروح وليس من الجسد… وكيف للسيف أن يؤثر في الروح!؟

ولكي يُعزز البابا حجته، استعان باقتباس من كتاب لإمبراطور بيزنطي كان ينتمي إلى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية المنافسة في أواخر القرن الرابع عشر. ومن العجبيب حقاً أن يختار البابا كلاماً مقتبساً لشخصٍ كهذا دون غيره، وهو الإمبراطور (مانويل باليوجوس) الثاني. كانت المقولة الواردة في حوار ـ غير مؤكد إلى هذه اللحظة ـ مع عالم دين من بلاد فارس… وتقول الرواية أن ذلك الإمبراطور، عندما احتدت المناقشة ـ طبقاً لما يورده هو نفسه بدون شهود ـ قذف في وجه محاوره الفارسي الكلمات التالية: “أرني تحديداً ما أتى به محمد من جديد ولسوف ترى الشر وانعدام الإنسانية، ومن ذلك أمره لأتباعه بنشر العقيدة التي يدعو لها بحد السيف”.

هذه الكلمات تُثر ثلاثة أسئلة:

1 ـ لماذا نطق بها البابا؟

2 ـ هل هي حقيقية؟

3 ـ لماذا استعان البابا الحالي بهذه الكلمات؟
 

لماذا؟

عندما كتب الإمبراطور (مانويل) الثاني أطروحته، كان على رأس إمبراطورية تحتضر، تولى زمام الأمور سنة 1391 عندما لم يكن لهذه الإمبراطورية سوى بضعة أقاليم باقية، بل هذه بدورها كانت فعلياً تحت التهديد العثماني.

في هذه الحقبة من الزمن كان العثمانيون الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف نهر (الدانوب) بعدما احتلوا بلغاريا وشمال اليونان وهزموا مرتين جيوش النجدة التي أرسلتها أوروبا لإنقاذ الإمبراطورية الشرقية.

في سنة 1453 … أي بعد بضعة سنوات قليلة من وفاة (مانويل)، سقطت عاصمته “القسطنطينية في أيديهم، وهو ما وضع خاتمة نهائية لتلك الإمبراطورية التي ظلت قائمة لمدة تزيد على ألف عام.

خلال فترة حكمه كان الإمبراطور يتجول في أرجاء أوروبا طالباً النجدة والدعم مع الوعد بتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية، ولا يوجد شك على الإطلاق بأنه كتب أطروحته لكي يُحفز ويُثير الدول المسيحية ضد الأتراك ويُقنعهم بإطلاق حملة صليبية جديدة، والهدف كان عملياً: الدين في خدمة الأغراض السياسية.

وفي هذا السياق فالاستشهاد المستخدم يخدم مطالب “الإمبراطور” الحالي (جورج بوش) الثاني؛ فهو أيضاً يريد توحيد العالم المسيحي ضد “محور الشر” الإسلامي أساساً. ونضيف إلى أن الأتراك مرة أخرى يطرقون على أبواب أوروبا، وإن كانت هذه المرة بطرقٍ سلمية.

ومن المعروف جيداً أن البابا دعم وساند القوى التي تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

 

هل هناك حقيقة في الحجة؟

البابا نفسه وضع عبارة على سبيل الحذر في السياق، فبصفته عالم دين معروف، لا يستطيع أن يُزور بالنصوص المكتوبة، وعليه فقد اعترف بأن القرآن يمنع نشر الدين بالقوة، فذكر سورة آل عمران الآية رقم 256 ، ـ والغريب في الأمر أن المقصود هو الآية 257 وما كان له أن يُخطيء بهذه البساطة ـ ، والآية تقول نصاً “لا إكراه في الدين…”

 

كيف يستطيع إنسان أن يتجاهل إقرار لا جدال فيه؟

فماذا يقول البابا إذاً؟… يقول “بأن الرسول قد أقر بهذا الأمر في بداية رسالته عندما كان لا يزال ضعيفاً وبدون قوة، ولكن فيما بعد أمر باستخدام السيف في خدمة الدين.”

مثل هذا الأمر لا يوجد في القرآن …

صحيح أن الرسول دعا لاستخدام السيف في حروبه ضد القبائل المعارضة ـ اليهودية وغيرها في الجزيرة العربية ـ عندما كان يبني دولته، ولكن ذلك كان عملاً سياسياً بحتاً ولم يكن عملاً دينياً، في الأساس هذه الحروب كانت في سبيل الأراضي ولم تكن أبداً لنشر العقيدة.

المسيح قال: “سوف تتعرفون عليهم بثمارهم” …

معاملة الإسلام للديانات الأخرى نستطيع أن نحكم عليها باختبار بسيط:

 

كيف تصرف الحكام المسلمين لمدة ألف سنة عندما كانت لديهم القدرة على فرض الدين بحد السيف؟

حسناً إنهم لم يفعلوا ذلك بكل بساطة ـ أي أنهم لم يفرضوا الدين بحد السيف على الرغم من قدرتهم على ذلك ـ .

حكم المسلمون اليونان لعدة قرون… فهل أصبح اليونانيون مسلمين!؟ …. هل حاول أحد من المسلمين تحويلهم إلى الدين الإسلامي!؟ ….

بل على العكـس من ذلك، فاليونان المسـيحيون كانوا في أقوى المراكز بالإدارة العثمانيـة. البلغار والصرب والرومانيون والهنغاريون وغيرهم من الشـعوب الأوروبيـة عاشـوا تحت الحكم العثماني وحافظوا على ديانتهم، ولم يقم أحد بإجبارهم على اعتناق الإسـلام، وبقي كلهم مخلصون لدينهم.

صحيح أن الألبانيين اعتنقوا الإسلام، وكذلك البوشناك، ولكن لم يقل أحد أنهم فعلوا ذلك بالقوة، في واقع الحال اعتنقوا الإسلام ليتمتعوا بمركز أفضل في الحكومة ولقطف ثمارها.

في سنة 1099 احتل الصليبيون القدس وذبحوا مسلميها ويهودها دون تفريق، وكان ذلك باسم “المسيح المسالم”، وفي ذلك الوقت وبعد 400 سنة من احتلال المسلمين لفلسطين، كان المسيحيون يُشكلون غالبية السكان فيها، وطوال هذه الفترة الطويلة، لم يُبذل أي جهد لفرض الإسلام عليهم.

فقط بعد طرد الصليبيين من البلاد أخذت غالبية السكان تعتمد اللغة العربية وتعتنق الإسلام، وكان هؤلاء أجداد الفلسطينيين الحاليين.

 

لا يوجد هنالك أي دليل على الإطلاق لأي محاولـة لفرض الإسـلام على اليهود، فكما هو معروف، تمتع اليهود الأسـبان تحت حكم المسـلمين بازدهارٍ لم ينالوه إطلاقا في أي مكان آخر إلى أيامنا هذه.

هنالك شعراء يهود مثل (يهودا حليفي) الذي كان يكتب باللغة العربية وكما كان يفعل الميمونيين. اليهود في أسبانيا المسلمة كانوا وزراء وشعراء وعلماء.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات