الخميس 09/مايو/2024

طبق اليوم.. كنافة نابلسية على الطريقة العسقلانية

الأسير المحرر وليد الهودلي

 

لك الحرية أيها الصائم أن تتجول في الأسواق فتختار ما لذ وطاب كي تجعل منه إفطارا لك ولأهلك كما يحلو لك .. تذهب إلى سوق الخضار فتمر بالفاكهة وتذهب إلى اللحام ثم تفكر جليا بأي نوع من أنواع الحلويات كي تختم به إفطارك أحلى الختام …

لك الحرية أن تدعو من تشاء إلى مائدة الإفطار فتبدأ بالأرحام ثم الأصدقاء ولك أن تخيرهم أو تختار لهم ما يطيب لهم من الطعام ..

ولك الحرية أن تختار مكان الإفطار إن أحببت أن تغير الأجواء “فتعزم” نفسك ومن تحب إلى أحد المطاعم أو المنتزهات ..

ولك الحرية أن تتمش في أي الأماكن التي ترى فيها الجمال وراحة البال .ثم لك الحرية أن تختار المسجد والإمام حيث التراويح ورحلة ممتعة مع الروح بعد قضاء متعة الجسد والشهوات .. ولك أن ترفع رأسك بولدك فتصطحبه معك وتضع يدك بيده في متعة خاصة لا يشعر بها إلا الآباء الذين ينعمون بدفء المودة بين الآباء والأبناء ..

ثم تعود لتزور من أحببت من الأصدقاء فتختار شكل ولون سهرتك المفضلة من جميع الجوانب التي تقيمها على ميزانك الخاص ، وأن تختار المسلسل وتنعم بجوار الزوجة والأبناء والبنات ..ولك أن تختار وتختار وتختار….

أما صائمنا في السجون وخلف القضبان ..فان أول عمله أن يعُدّ ما مضى عليه من الرمضانات.. خمسة أو عشرة أو تسعة عشرة أو تسعة وعشرون كما هو الحال مع نائل وفخري البرغوثي وأبو علي وسعيد والبازيان … ثم يستذكر مشاعره من رمضانه الأول في السجن حيث كانت المشاعر الملتهبة ونار الذكريات التي تربطه بكل ما يحمل رمضان من ذكريات ..

لن يتجول صائمنا هناك في الأسواق ليختار وإنما سيتجول عنه متعهد السجون ليختار له أسوأ وأردأ المنتوجات ..سيجد نفسه مفروضا عليه الطعام شكلا ونوعا وكما بكل المقاييس الحاقدة وبكل ما تملك النفوس اللئيمة من طريقة في الاختيار …

سيحاول صائمنا هناك تجاوز اختيار السيئات من الطعام …يستحضر في مخيلته كل أنواع الطعام ويحاول إقناع نفسه بأن هذا قريب من ذاك ..يجفف لبّ الخبز ثم يرشه فوق الجبنة الصفراء ثم يرش عليه القَطر ليقول عن هذا أنه كنافة نابلسية على الطريقة العسقلانية …

ويحتال صائمنا على (عزومة) أرحامه بأن يوصي بذلك قريبا منه لينوب عنه ويكتب لإخوانه رسالة يعبر فيها عن حبه واشتياقه وقلة الحيلة وانعدام الوسيلة ويسأل الله الفرج في الختام ليقوم بواجب الأرحام وحسن الوصال في رمضان القادم إن شاء الله …..

أما عن اختيار مكان الإفطار فليس له إلا مكانا واحدا لا حيلة في اختيار سواه ، انه المكان الضيق المحصور بين “أبراش النوم” وغرفة الحمام .. لا يوجد هناك غرفة للطعام إذ إن الأرض ضاقت عليهم بما رحبت خاصة صحراء نفحة .. لم تتسع لفتح غرفة للطعام وإنما هي نفس الغرفة للمنام والطعام والحمام …

وعن التمشي بعد الإفطار فليس له الخروج إلى الساحة إلا في ساعات النهار أما هذه الساعة في أول الليل ففيها تغلق الأبواب وتوصد بالأغلال والأقفال ..و ليس له إلا الوقوف عندما ينادي المنادي هذه الكلمة البغيضة :عدد ،عدد …وله أن يتربص قليلا في جلي الصحون بعد الإفطار وذلك لا يكون إلا على باب الحمام !!!

أما عن المسجد والإمام والتراويح فإننا نسينا مهمة أخيرة لغرفته العتيدة غير المنام والطعام والحمام ألا وهي أنها جامع ومكان للصلاة أيضا .. ولك أن تختار الإمام حال توفر الخيارات وتبادل عناصر الغرفة الأدوار ، هذه الغرفة المبروكة تقوم بأربع مهام وتختصر الزمان والمكان !!!!!

أما عن اصطحاب ولدك إلى حيث التراويح والصلاة فلك أن تغلق ” برشك ” بعد الصلاة ثم تسحب دفتر صورك الخاصة لتفتح على صورة طفلك فتصافح روحك روحه فتتلبد الغيوم وتتحرك السحب لتعلن فصل الشتاء نزول الأمطار إلا أن هذه الأمطار ساخنة عزيزة، وتخشى من أن يفتح عليك أحد الرفاق فيتهمك بالضعف ونفاد الصبر أو أن ينادي أحدهم عليك فيقطع أجمل لحظات خلوتك بنفسك وولدك ..

أما عن اختيارك للسهر مع الأصدقاء والأحباب فانه لا خيار لك سوى من معك من إخوة القيد وهذا الرحم الجديد الذي يأخذ شكله مع مرور الأيام ..صحبة عزيزة يبدل الله بها كثيرا من  الظلمات ولكنها قطعا لا تغني عن سهرة مع من هم ينتظرون خلف الأسوار وتبقى في النفس لهيبا من الذكريات …

أسرانا قضوا رمضانات وأعيادا وأعياد .. منهم من بلغ لغاية الآن ثلاثين رمضانا وستين عيدا أما أسراهم فهم يمرون الآن بأول عيد فهل يتم مقايضة هذه الأعياد الكثيرة بهذا العيد اليتيم بجاه الشهر الفضيل !… 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

هل أوقفت واشنطن تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

هل أوقفت واشنطن تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام بتصريح علني لافت، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن الراعي الأول لحرب الاحتلال الدامية على قطاع غزة، يعلن فيه أن بلاده لن...