الخميس 09/مايو/2024

من الذي باع القرار الوطني المستقل ؟!

لمى خاطر

 

لا ينفك منظرو فتح وقادتها ومن شايعهم يرمون حماس بتهمة ارتهان قرارها لقوى إقليمية خارجية، والمقصود تحديداً إيران وسوريا المتهمتان أمريكياً وإسرائيلياً، وحتى فلسطينياً بأنهما المسبب الرئيسي لتأزم الوضع الداخلي الفلسطيني ولإعاقة أي تقدم من شأنه التوصل إلى وفاق سياسي !

والغريب أن عدوى هكذا اتهام قد انتقلت إلى بعض السياسيين والكتاب الذين يعيشون خارج النطاق الفلسطيني ممن يبدو أن بعض الأطراف الفلسطينية قد نجحت في تضليلهم وحرف أنظارهم عن مكمن المشكلة وأصل كل الأزمات.

وحقيقة الأمر فإن هذا الاتهام لا يشكل مغالطة فجة وحسب، بل يعكس طبيعة النفسية الفتحاوية التي باتت لا تتقن غير إسقاط أمراضها على الآخرين وتصدير أزماتها إليهم، فحين توجه فتح اتهاماً لحماس تكون في حقيقة الأمر إنما تغرف من واقع طبائعها، بكل ما يتضمنه ذلك الواقع من تناقضات ومؤشرات قصور وتراجع على المسارات كافة !

ففي السياق المتصل بالقرار الوطني المستقل يفترض أن تكون فتح آخر من يحق له التنظير حوله أو الاستمرار في إيهام الناس بأنها هي حامية (المشروع الوطني) والمنافحة عن استقلاله !

وتكفي نظرة عابرة إلى واقع الحراك السياسي الفتحاوي ليدرك المرء كيف أن فتح قد أفرغت ذلك (المشروع الوطني) من فلسطينيته وجردته من حريته واستقلاله، وجعلته رهينة لأمريكا ومنوطاً برضاها !

فمن يسمح لأمريكا والرباعية بأن تملي شروطها على النظام السياسي الفلسطيني وأن تقرر ما يجوز وما لا يجوز من برامج ورؤى لا يحق له أن يتكلم عن القرار المستقل!

ومن يسمح لوزيرة الخارجية الأمريكية بأن تقرر للفلسطينيين موضع مفتاح أزماتهم وأن تجاهر بأن الحل يكمن في تفسخ فصيل وطني مقاوم كحماس، وأن تصنف الفلسطينيين ما بين معتدل و(إرهابي)، وأن تحث حلفها (المعتدل) على مواجهة شعبه وقمع إرادته، وأن توفر لذلك الحلف سبل الدعم وأسباب التفوق في مواجهة خصومه.. من يفعل ذلك.. فإنه لا يستحق قطعاً أن يقود أي مشروع وطني بإرادة فلسطينية خالصة ولا أن يرمي غيره بتهم الارتهان لأية إرادة خارجية !

ومن يسمح لنفسه بأن يخاطب العالم قائلاً إن أية حكومة قادمة ينبغي أن توافق على الاعتراف بإسرائيل وأن تبصم مسبقاً على رسالة الاعتراف المتبادل وكل ما تفتقت عنه ذهنية التخاذل الفلسطينية والعربية من مبادرات أكل الدهر عليها وشرب.. من يفعل ذلك فهو آخر من يحق له الادعاء بأنه يسعى لإنجاز برنامج سياسي بمقاييس فلسطينية حرة!

ومن ينقلب على وثيقة وفاق وطني تم التوصل إليها بعد جهد داخلي جماعي كبير وشكلت أرضية توحد غير مسبوقة ونجحت في جمع مختلف الأطياف على الساحة على قاعدة التقاء واحدة قبل أن يجنح من استمات في الدفاع عن الوثيقة نحو التخلي عنها والتقليل من أهميتها بحجة أنها لا تحظى بقبول دولي، أو نحو انتقاء بعض بنودها التي تصلح فقط لمغازلة المجتمع الدولي، ورمي ما يثير حفيظته من بنود.. من يفعل ذلك.. فإنه حتماً غير مؤهل لأن يكون محل ثقة في أي تحرك سياسي جماعي قادم !

فإن كان تطويع الإرادة الفلسطينية لكي تغدو متساوقة مع اشتراطات الرباعية وإملاءات أمريكا ليس بيعاً للقرار الوطني ولا طعناً لاستقلاليته، فما هو البيع الحقيقي لذلك القرار الذي طالما عزفت فتح على وتره ونسبت لنفسها فضيلة الحفاظ عليه من التدخلات الخارجية ؟!

ألا تعي فتح أن خطابها بات منحازاً بالكامل لجهة المطالب الأمريكية والدولية ؟ وأن الضغط الداخلي الذي تمارسه على حماس بغية تحصيل تنازلات سياسية هو في واقع الأمر تطبيق للأجندة الأمريكية ويندرج ضمن إطار الحرب الأمريكية على قوى الممانعة في المنطقة؟

ثم ألا تدرك فتح ومن دار في فلكها بأن رمي حماس بتهم الارتهان لقرار إيران وسوريا لا يخدم غير الدعاية الأمريكية والصهيونية التي اعتادت على التمهيد لحملاتها العدوانية المختلفة بسلسلة من الأكاذيب الفجة والمغالطات التضليلية الرخيصة ؟

فكما تتهم قوى الرابع عشر من آذار في لبنان حزب الله بأنه يطبق أجندة خارجية في الوقت الذي تسمح هذه القوى لنفسها بأن توغل في الارتماء في أحضان أمريكا، فإن المعادل الموضوعي لهذه القوى على ساحتنا الفلسطينية يقترف الفعل نفسه في مجال تعاطيه مع حماس، ولا ينفك يرميها بدائه العضال الذي استشرى في كل أنحاء جسده، ألا وهو بيع القرار الوطني والمتاجرة فيه، بل وربطه بلقمة الخبز وجعله نهبة للمقايضة في سوق الابتزاز الدولي.

ولكن يبدو أن أمريكا لم تعد طرفاً خارجياً في عيون (حلفائها) ولم تعد شروطها وتدخلاتها السافرة في كل كبيرة وصغيرة في شؤوننا الداخلية عملاً غير أخلاقي يُدان مقترفه ومن يسمح بارتكابه على حد سواء !

ويبدو أن الهبات التي وعدت أمريكا بها ربائبها للاستقواء بها على مواجهة خصومهم قد أعمت عيون تلك الربائب عن الدرك الذي وصلوا إليه وعن مدى انتفاء بصمات الوطنية من أجندتهم وبرامجهم العبثية.

وعلى الأقل وفي المقابل فإن تحالف حماس الموضوعي مع سوريا وإيران لم يكن على حساب وطنية حماس ولا على حساب انحيازها لحقوق شعبها..

وعلى الأقل فلا إيران ولا سوريا تسمحان لنفسهما بأن تتدخلا في أي حراك داخلي ولا أن تمليا شروطهما على حماس ولا على غيرها، والسبب بطبيعة الحال أن لا مصلحة مادية لحماس عند أي منهما ولا مصلحة مادية لهما عند حماس، فتحالف هذه الأطراف قائم على أساس كونها جدر الممانعة الأخيرة في المنطقة التي تواجه أعتى قوة استكبار واستعمار مادية ومعنوية، ومن يكون في موضع مواجهة الظلم والتجبر والطغيان لا يمكن أن يكون مسلوب القرار أو منتهك الإرادة أو متهتك المواقف !

أما تلك الأكاذيب السافرة التي تروج بخصوص مضامين وخلفيات وآثار العلاقة الحماسية السورية أو الحماسية الإيرانية فليست سوى فبركات من صنع الآلة الإعلامية الشيطانية التي ابتدعتها أمريكا وروجها وكلاؤها، وإن شئت فقل عبيدها، غير أنهم لا يشعرون وهم يروجون لها أنهم إنما يدينون أنفسهم ويظهرون عوار مواقفهم ومقدار بعدها عن أية نقطة متصلة بالقرار الوطني أو الإرادة الحرة غير الماجورة !

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات