الأحد 12/مايو/2024

الصهيونية والتبعية الكاملة للولايات المتحدة

الصهيونية والتبعية الكاملة للولايات المتحدة

كثيراً ما يتساءل البعض: هل إسرائيل هي التي توجه القرار السياسي في الولايات المتحدة من خلال اللوبي الصهيوني، بحيث يخدم مصالح الدولة الصهيونية، أم أن الولايات المتحدة هي التي توظف الدولة الصهيونية لتخدم مصالحها؟ هل إسرائيل تحارب دفاعاً عن مصالحها أم عن الاستراتيجية العسكرية الأميركية في المنطقة؟ وحينما تركت الولايات المتحدة الدولة الصهيونية تحطِّم البنية التحتية في لبنان، بما في ذلك الكباري والمستشفيات ومصانع الألبان ومحطات الكهرباء، وتستخدم القنابل العنقودية ضد المدنيين، وحينما وقفت الولايات المتحدة ضد وقف إطلاق النار أربعة أسابيع حتى تنتهي إسرائيل من تصفية “حزب الله”، هل كانت تفعل ذلك لصالح إسرائيل أم لصالح الولايات المتحدة؟

ابتداءً يجب الإشارة إلى أن مؤسسي الحركة الصهيونية كانوا يدركون أن المشروع الصهيوني الاستيطاني لا يمكن تحقيقه إلا تحت رعاية دولة استعمارية كبرى، وأن الدولة الصهيونية لتضمن بقاءها واستمرارها تحتاج للدعم السياسي والعسكري الإمبريالي الغربي. وقد تنبه تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، إلى هذه الحقيقة فقال: يجب التوصل إلى شراكه مع قوة عظمى يمكن لإسرائيل أن تقيم تحت جناحها دولة يهودية. أما “ماكس نوردو”، صديق “هرتزل” وشريكه في تأسيس الحركة الصهيونية، فقد أكد أن الدولة الصهيونية بعد إنشائها بأنها ستكون “بلداً تحت وصاية” بريطانيا العظمى، وسيكون اليهود، أي المستوطنون الصهاينة، بمثابة “حراس على طول الطريق الخطير ابتداء من الشرقين الأدنى والأوسط حتى حدود الهند”. وفي مناسبة أخرى، أكد “نوردو” أن القومية العربية تشكل تهديداً لسيطرة بريطانيا على قناة السويس وأن “وجود حليف موثوق به أمر يجب أن يلقى ترحيباً، وتعرض الصهيونية أن تكون هذا الحليف بشرط أن تعطي بريطانيا الفرصة لليهود أن يؤسسوا دولة يهودية قومية في أرض الآباء”. وأكد ما سماه “الحقيقة البديهية المعروفة”، أي أهمية فلسطين من وجهة نظر المصالح الإمبريالية البريطانية. ولكنه أضاف أنه لتحقيق هذه المصالح، يجب ألا تبقى فلسطين دولة عربية، فكل معاقل إنجلترا في البحر المتوسط، قد تصدَّعت لأنها آهلة جميعاً بالسكان الذين تقع مراكز الجاذبية لقوميتهم في مكان آخر، وسيسعى السكان في الوقت المناسب للحصول على استقلالهم من إنجلترا. هذا القانون سيطبق على عرب فلسطين، فهم ينتمون لنفس النمط، أي أنهم سينضمون لاتحاد الدول العربية، وسيشاركون في إزالة آثار النفوذ الأوروبي. كيف تحل هذه المشكلة إذاً؟ يقول “جابوتنسكي” إنه لا يوجد مخرج من هذا إلا بأن تنشأ في فلسطين دولة يهودية، موالية دائماً لبريطانيا. هذا الإدراك لطبيعة الدولة الصهيونية باعتبارها دولة يهودية يتم تأسيسها لخدمة المصالح الغربية، كان وراء “وعد بلفور” الذي تمت ترجمته إلى حكومة الانتداب البريطاني والاحتلال العسكري البريطاني لفلسطين. ثم قام “بن جوريون” على تنفيذ هذه الرؤية ميدانياً من خلال الهجرة والاستيطان والقوة المسلحة، إلى أن توجت هذه الاستراتيجية بالنجاح في حرب الأيام الستة. (كما أكد د. أفير عبري في مقال بعنوان “أوسلو والخروج من لبنان والسكوت على حزب الله والحرب الأخيرة تدل على فشلنا”، يديعوت أحرونوت 24 أغسطس 2006).

وقد ظل هذا التوجه حجر الزاوية في السياسة الصهيونية وأهم بنود الإجماع الصهيوني الذي اتفقت عليه جميع الأطراف. وفي إطار هذا الدور الوظيفي، أصبحت إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الغربية وأداة لا يمكن الاستغناء عنها بسبب كفاءتها في الأداء، فاستخدمها الغرب في إفشال المشروع القومي العربي للوحدة والتحديث والتنمية، كما استخدمها إبان الحرب الباردة للتصدي للشيوعية والنفوذ السوفييتي في المنطقة. ومع انتهاء الحرب الباردة ومع ظهور الحركات الإسلامية التي تحمل الآن علَم المقاومة، غيرت إسرائيل من دورها بتغير الاستراتيجية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة والتي تتلخص في مقولة “الحرب ضد الإرهاب” وهي الحرب ضد الإسلام المقاوم (بعد سنوات طويلة من التحالف مع الإسلام “المهاون” والمستسلم). إن ما يحرك إسرائيل ليس مصلحتها القومية المستقلة التي تتعارض مع مصلحة الولايات المتحدة، وإنما مصلحتها التي حددت بطريقة بحيث تتلاقى تماماً مع المصلحة الأميركية وبحيث تصبح إسرائيل أداة كفأً تقوم على خدمة راعيها الإمبريالي. إن إسرائيل في واقع الأمر هي معسكر ضخم للجنود المرتزقة يعيشون فيه هم وأسرهم، إنها حاملة طائرات أميركية وكلب حراسة. ومؤخراً قال أحد المعلقين إن إسرائيل هي إحدى الشركات الكبرى التي تحولت إلى دولة.

إن الحديث عن قرار إسرائيلي مستقل، لا أساس له من الصحة. وهذا ما يقرره جدعون ليفي: “أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية المباشرة لكل انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد. لأنه لو أن واشنطن أرادت عن حق أن تضع نهاية لهذه الانتهاكات لفعلت، تماماً كما أنه كان بوسعها منذ أمد طويل أن تضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي. وكما أن الولايات المتحدة استطاعت أن تعدّل مسار الحائط العازل، فإنه كان بوسعها منذ أمد بعيد أن تضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي. وكما أن الولايات المتحدة استطاعت أن تعدل مسار الحائط العازل، فإنه كان بوسعها لو أرادت أن توقف الاغتيالات المدبَّرة وهدم المنازل واستخدام الحجز الإداري. إن إيماءة رأس واحدة من الرئيس الأميركي كفيله بأن تجعل إسرائيل تراجع قواعد الاشتباك التي لا تتسم بضبط النفس. وإشارة واحدة من البيت الأبيض كفيلة بأن يقوم الجيش الإسرائيلي بإزالة نقاط التفتيش التي تهدف إلى مضايقة السكان الفلسطينيين بحيث يمكنهم أن يتحركوا بحرية في أرضهم.

ومن أهم نتائج الحرب السادسة أنها كشفت تبعية الدولة الصهيونية الكاملة للولايات المتحدة وكما يقول يوري أفنيري في مقال له بعنوان “كلب الروطوايلر الأميركي” (29 أغسطس 2006 موقع أفنيري الالكتروني): (ينظر الكثيرون إلى حرب لبنان الثانية على أنها حرب يخوضها موكِّلون. أي: “حزب الله” هو كلب الدوبرمان التابع لإيران، ونحن “كلب الروطوايلر” التابع لأميركا. “حزب الله” يحصل على المال والصواريخ والدعم السياسي من الجمهورية الإسلامية، ونحن نحصل على المال والقنابل العنقودية والدعم السياسي من الولايات المتحدة).

(هذا مبالغ فيه بالتأكيد، فـ”حزب الله” حركة سياسية لبنانية حقيقية، لها جذور عميقة بين أوساط الطائفة الشيعية. لحكومتنا مصالح خاصة بنا وهي السيطرة على المناطق المحتلة، غير متعلقة بأميركا. ولكن لاشك أن هناك الكثير من الحقيقة حول الادعاء بأن هذه الحرب كانت أيضاً حرباً بالوكالة).

(الولايات المتحدة تقاتل إيران لأن الأخيرة تحظى بمكانة مهمة في المنطقة التي تتواجد فيها موارد النفط الرئيسية في العالم. ناهيك عن أن لديها مخزوناً كبيراً من النفط، فإنها تهدد، عن طريق أيديولوجيتها الإسلامية الثورية، بالسيطرة على الدول المجاورة المنتجة للنفط. بدأت الحاجة إلى النفط تتزايد، وقد أصبحت حيوية جداً في الاقتصاد المعاصر. من يسيطر على النفط، يسيطر على العالم).

(الولايات المتحدة كانت ستهاجم إيران هجوماً عنيفاً، حتى ولو كانت دولة يسكنها إسكيمو يؤمنون بدين الدلاي لاما. ما هو شأننا في التورط في هذا النزاع؟ ما هو شأننا في أن ينظر إلينا، وبحق، العالم الإسلامي عامة والعالم العربي خاصة، كخادم عدوهم الكبير؟).

أما جدعون ليفي فيقول: “إن إيماءة رأس واحدة من البيت الأبيض كان بوسعها أن توقف الهجمة البربرية الإسرائيلية على لبنان، ولكن الولايات المتحدة أرادت أن تحقق في لبنان ما فشلت في تحقيقه في أفغانستان والعراق، وتصورت أنه بوسع إسرائيل أن تصفي أحد أهم جيوب المقاومة الإسلامية وأن تفرض حكومة ديمقراطية عميلة تطبيعية على لبنان حتى يكون ذلك نموذجاً يحتذى لبقية الدول، وحتى يولد الشرق الأوسط الجديد من خلال هذه الحرب”!

والله أعلم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات