الجمعة 26/أبريل/2024

إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية وإسرائيل وآثارها على القضية الفلسطينية

إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية وإسرائيل وآثارها على القضية الفلسطينية

هذه الدراسة هي محاولة للإجابة على السؤال التالي: ما هي الآثار القانونية والسياسية التي ستحل بالقضية الفلسطينية في حالة إعلان “إنهاء حالة الحرب” بين الدول العربية وإسرائيل؟ سوف تعتمد الإجابة عن السؤال على المفهوم القانوني لمبدأ إنهاء حالة الحرب كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 وهو القرار الذي يعتبر حالياً الوثيقة الدولية المعتمدة أساساً لإقامة سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط (1). وعليه فإن الدراسة ستدور بالدرجة الأولى ضمن إطار الصيغة القانونية المستعملة في القرار ولن تتطرق إلى موضوع اللاشرعية التاريخية أو اللاأخلاقية السياسية للكيان الإسرائيلي أو لبطلان الأسس القانونية التي قام عليها إلا بالقدر الذي يخدم متطلبات البحث مباشرة .

تنطلق الدراسة من قناعة مسبقة لأن القضية الفلسطينية هي أصل النزاع العربي –الإسرائيلي وأن ما سيلحق بها سياسياً سيكون مؤثراً وكذلك متأثراً بمجموعة المتغيرات التي ستطرأ على النواحي العسكرية والاقتصادية من النزاع بعد أن يتم إقرار إنهاء الحرب .

قرار 242 ومبدأ إنهاء حالة الحرب
ينص القرار على أن السلام في الشرق الأوسط يجب أن يقوم على مبدأين: المبدأ الأول: سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضي احتلتها أثناء النزاع – النص الفرنسي يستعمل تعبير “الأراضي التي احتلتها” وهو التعبير الذي يعتمد عليه الموقف العربي ويعتبر أكثر انسجاماً مع مبدأ “عدم الاستيلاء على الأراضي بواسطة الحرب” الذي جاء في مقدمة القرار. والمبدأ الثاني: إنهاء جميع ادعاءات وحالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة .

إن القرار يتحدث بشكل عام عن ضمانات والتزامات متبادلة بين الدول العربية وإسرائيل يترتب عليها منح إسرائيل تعهدات تشمل الاعتراف بسيادتها وبضمان حقها في العيش ضمن حدود آمنة وغير مهددة. ولا يحدد القرار الخطوط التي يجب أن يتم الانسحاب من أمامها ويترك تحديد هذه الخطوط إلى سير المفاوضات بين الأطراف بإشراف ووساطة الأمم المتحدة .

لقد مرت المنطقة بعد إصدار القرار بعدة تطورات عسكرية وسياسية كان من أبرزها ظهور القوة الفلسطينية المسلحة كقوة جديدة لا يقل وزنها عن وزن أي دولة طرف في النزاع. وفي أكتوبر 1973 جرت مبادرة عسكرية (مصرية – سورية) لتغيير ميزان القوى العسكري لمصلحة الدول العربية ولكن المحاولة تجمدت دولياً بإصدار قرار مجلس الأمن رقم 338 بتاريخ أكتوبر 1973 الذي دعا إلى “وقف إطلاق النار وإنهاء كل نشاط عسكري فوراً، والبدء مباشرة بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع فقراته، ووجوب البدء في مفاوضات فورية تحت رعاية مناسبة بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط .

فالقرار 338 إذا هو تكرار للقرار 242 ولا يحتوي على أية عناصر جديدة غير “التنفيذ المباشر” و”المفاوضات الفورية”. وكما أن القرار 242 لم يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي رافقت القضية الفلسطينية منذ 947 (مشروع التقسيم) فإن القرار 338 لم يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي حدثت منذ يونيو 1967. فالمعروف أن القرار 242 يتطلب إنهاء حالة الحرب على أساس ميزان القوى العسكرية بين الطرفين كما كان عليه بعد حرب يونيو 1967 وهو ميزان لا تمثل القضية الفلسطينية بموجبه أكثر من “مشكلة لاجئين يتوجب إيجاد تسوية عادلة لها” كما جاء في الفقرة (ب) من المادة  من القرار، من هنا يبدو أن إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية وإسرائيل على أساس القرار 242 ومهما توسعت الأطراف في تفسير مواده، سوف يؤدي دولياً إلى إخراج قضية فلسطين من نطاق العلاقات العربية – الدولية كما جرى إخراجها من جدول أعمال الأمم المتحدة عام 1950. فإنهاء حالة الحرب يفترض توصل الأطراف إلى اتفاق حول حل أسباب النزاع سواء كانت هذه الأسباب ذات صفة سياسية أو اقتصادية أو إقليمية، كما يفترض أن هذه الأسباب قد زالت قانونياً وسقطت عنها صفة الشرعية، وهذا ما سنحاول إثباته في مجرى البحث بعد أن تتوضح أمامنا الآثار القانونية والسياسية لإنهاء حالة الحرب بشكل عام أولاً وبشكل خاص على القضية الفلسطينية بعد ذلك .

 

المعنى العام لإنهاء حالة الحرب
إنهاء حالة الحرب بمفهوم القانون الدولي هو التمهيد القانوني لإحلال حالة السلم بين طرفين متنازعين. ويتطلب ذلك الكف نهائياً عن العمليات العسكرية والامتناع عن اتخاذ الإجراءات الاستثنائية التي كانت تعتبر شرعية بموجب قانون الحرب. ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال من الناحية العسكرية واستعمال القوة كالتسلح ومرابطة القوات  على الحدود ودعم القوات غير النظامية وقوات المقاومة المسلحة والسماح لها بالعمل داخل الأراضي التي يسيطر عليها العدو وتأمين الحماية لها، ومن الناحية السياسية اللجوء إلى المقاطعة الاقتصادية والحصار وعدم السماح لوسائل مواصلات العدو باستعمال الأراضي أو الأجواء أو الممرات المائية، وبينما تعتبر الهدنة الإجراءات السياسية مسموحاً بها وتكتفي بوضع القيود على الإجراءات العسكرية فقط فإن إنهاء حالة الحرب يتطلب الامتناع كلياً عن جميع الإجراءات العسكرية من النزاع فإن توقيعها  لا يمس بالحقوق السياسية للأطراف. أما إنهاء حالة الحرب فيمس هذه الحقوق مباشرة وتصبح بموجبه من القضايا التي ينفق الأطراف على حلها بموجب أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. فإنهاء حالة الحرب يلزم الأطراف بعدم اللجوء إلى القوة أو إلى أي إجراء من شأنه تجديد حالة الحرب. كما يتطلب إقراره إنشاء علاقات طبيعية أساسها احترام الحدود وتحكيم مبدأ سيادة كل دولة على أراضيها .

ويضع القانون الدولي أهمية قصوى  على توقيت ومضمون إنهاء حالة الحرب وعلاقته بالهدنة ووقف الاشتباكات العسكرية. ويرى اللورد ماكنير أن الهدنة الدائمة (العامة) هي بمثابة إنهاء حالة الحرب بشكل عام ولكن ليس بالمفهوم القانوني حيث تظل الحرب قائمة قانونية، ويورد ستون بعض الحالات في التاريخ انتهت الحرب فيها بواسطة وقف الاشتباكات وبدون معاهدة صلح (السويد وبولندا عام 1716، فرنسا وإسبانيا 1720، روسيا وبروسيا 1801) .

أما أوبنهايم – وهو من أهم مراجع القانون الدولي بهذا الصدد – فيذكر أن للقانون الدولي موقفين بالنسبة لعلاقة وقف الاشتباكات بإنهاء حالة الحرب، الموقف الأول يعتبر أنه إذا تم إنهاء حالة الحرب لمجرد توقف الاشتباكات العسكرية فإنه يحق لأي طرف ضمّ أراضي طرف آخر بحجة أن هذا الطرف أسقط حقه عنها بموافقته على إيقاف العمليات العسكرية، والموقف الثاني يعتبر أن إنهاء حالة الحرب لمجرد إيقاف العمليات العسكرية لا يسقط حق أي طرف في الأقاليم التي سقطت تحت سيطرة قوات الطرف الآخر وأصبحت تعتبر أراض محتلة، فهذه الأقاليم لا يمكن إقرار الوضع النهائي لها إلا بواسطة معاهدة صلح، إن الموقف يعني أن الوضع الإقليمي للنزاع لا يكتسب صفة الشرعية إلا بعد توقيع معاهدة الصلح التي يكون إنهاء حالة الحرب أساساً لها وحتى المفاوضات التي تسبق التوصل إلى المعاهدة لا يعتبر الدخول فيها إعلاناً مسبقاً بقواعدها أو شروطها، فالمفاوضات تقع عادة في فترات الهدنة وفي حالة تكافؤ الأطراف عسكرياً تحمل المفاوضات إمكانيات أفضل للتوصل إلى معاهدة صلح، وتصبح الهدنة في أثنائها فترة زمنية لتجربة قدرة ميزان القوى العسكري على الاستمرار، دون الإخلال بميزان الحقوق السياسية للأطراف عند توقيع الهدنة .

وهنالك في القانون الدولي عدة طرف للتوصل إلى إنهاء حالة الحرب (ماكنير):

1-    الاستسلام: بمعنى الإخضاع حيث يفترض إلغاء الوجود القانوني للطرف الذي يتم إخضاعه أي إلغاء سيادة حكومة هذا الطرف عن أراضيه وضمّ هذه الأراضي إلى الدولة المنتصرة بعد أن يتم القضاء على جيش الدولة المهزومة، وهذه حالة نادرة في التاريخ الحديث ويذكر ماكنير أمثلة عليها ما حدث عندما تم إخضاع الحبشة (1936) من قبل إيطاليا وإخضاع ألمانيا النازية من قبل الحلفاء (1945) .

2-    الامتناع عن العمليات العسكرية: في حالة امتناع الأطراف عن العمليات العسكرية ودخولها مباشرة في إقامة علاقات سلمية  دون توقيع معاهدة صلح، أي الاكتفاء بإعلان حالة الحرب من طرف واحد وإعلان الطرف الآخر بقبوله الوضع الجديد .

3-    عقد معاهدة صلح: تتوصل الأطراف بعد إيقاف العمليات العسكرية إلى عقد معاهدة صلح وتتضمن هذه المعاهدة شروط تنفيذها .

4-    الوساطة الدولية: وهي الحالة التي تستطيع فيها أطراف ثالثة أو الأمم المتحدة ومجلس الأمن القيام بعمل دولي جماعي بموجب المادتين 39 و 51 من ميثاق الأمم المتحدة .

يعتبر (ماكنير) معاهدة الصلح الشكل القانوني الأفضل لإنهاء حالة الحرب، أما الوساطة الدولية فيعتبرها (ستون)  وسيلة حديثة وما زالت تحت التجربة، فالمحاولات التي قامت بها الأمم المتحدة في الكونغو وقبرص وفلسطين ما زالت بحاجة إلى الكثير من الدراسة للحكم على مدى نجاحها بحيث يمكن اعتبار معاهدة الصلح سواء تمت عن طريق الأطراف مباشرة أو عن طريق الوساطة الدولية هي الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى إنهاء حالة الحرب بسبب الطبيعة السياسية والاعتبارات الاستراتيجية الدولية التي تحيط بالنزاعات المسلحة في عالم اليوم .

معاهدة الصلح
لما كانت معاهدة الصلح تعتبر حلاً نهائياً للنزاع ونهاية الحرب بين الطرفين المتنازعين، فإن من أهم ما تتضمنه أية معاهدة هو الاتفاق على الحدود الجديدة للطرفين، ويسبق تحديد خطوط هذه الحدود سلسلة من الاتفاقيات تتضمن مناطق منزوعة من السلاح ونقاط ولجان مراقبة وتنفيذ حيادية، ويشير (اوبنهايم) إلى إمكانية احتفاظ طرف من الأطراف ببعض المناطق المحتلة تحت سيطرته ريثما يتم توقيع معاهدة الصلح، وذلك لاستعمال هذه المناطق للضغط على الطرف الآخر وإجباره على قبول شروط العدو، كما يمكن الاحتفاظ بهذه المناطق كضمانة لتنفيذ المعاهدة .

ويعتقد (ستون) أن الطرف الذي يتمتع بمواقع عسكرية أفضل عند توقيع الهدنة يمكنه أن يضع شروطاً لمصلحته تكون بمثابة استسلام بالنسبة للطرف الآخر، ولكنه يعارض هذه الوسيلة باعتبار الاستسلام تحطيم المؤسسة العسكرية والاقتصادية للطرف الآخر، وهذا ما لا يمكن حدوثه في عالم اليوم حيث يعتبر حدوثه بموجب القانون الدولي المتطور جريمة حرب لن يسمح المجتمع الدولي بها. فإذا نشأ عن أي نزاع حديث ضمّ أو احتلال فهو مؤقت ويجب أن ينتهي مع نهاية حال الحرب أي مع توقيع معاهدة الصلح، ولهذا فإن (ستون) يعتبر المعاهدة وثيقة معقدة تتطرف إلى كل المشاكل الدقيقة التي تؤثر على ماضي ومستقبل العلاقة بين الأطراف، وتضم بجانب المواد الخاصة مواد عامة مثل وقف القتال ومستقبله بين الأطراف، وتضم بجانب المواد الخاصة مواد عامة مثل وقف القتال والامتناع عن العمليات العدوانية والانسحاب من المناطق المحتلة وإعادة الأملاك والتعويض عن العمليات العدوانية ومنح الضمانات المتبادلة للحدود الجديدة التي يوافق عليها الأطراف. ويمكن لمعاهدات الصلح أن تكون مفروضة إذا كان هنالك طرف منتصر انتصاراً مطلقاً وهي حالة نادرة الوقوع في العصر الحديث، أو أن تكون تفاوضية يصل إليها  الأطراف عن طريق المفاوضات المباشرة أو عن طريق  الوساطة الدولية للأمم المتحدة ومجلس الأمن الأطراف الثالثة .

وتظل مسألة الحدود هي عقدة كل معاهدة صلح، خاصة إذا كانت أسباب الحرب إقليمية وحاصلة بسبب نزاع حول السيادة على إقليم، فمن خلال معاهدة الصلح يمكن التوصل إلى  إنهاء الحرب ع

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني - فجر الجمعة- عددًا من المواطنين خلال حملة دهم نفذتها في أرجاء متفرقة من...