عاجل

الإثنين 27/مايو/2024

يدخل غينيس العالمية العام 2000 مفيد عبد الهادي رائد الفتح العربي

يدخل غينيس العالمية العام 2000  مفيد عبد الهادي رائد الفتح العربي

أبلغ القائمون على موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية الطبيب العربي – السويدي مفيد عبد الهادي، انهم سيدرجون اسمه في عدد الحولية العالمية المقبلة للعام ألفين، لكونه عمل بصفة مستمرة مدة أطول من أي مدة قضاها طبيب آخر في العالم، امتدت ثلاثة وستين عاماً حتى الآن .

ولا يزال الدكتور عبد الهادي يمارس مهنته طبيباً للأنف والأذن والحنجرة، على رغم بلوغه الخامسة والثمانين عاماً، وعلى رغم حقه بالتقاعد لتجاوزه السن القانونية بكثير، ولا يزال يستقبل مرضاه في ذات العيادة الخاصة في ضاحية سولنا، غرب العاصمة السويدية ستوكهولم منذ أسسها منذ 1954 .

وكان الطبيب الفلسطيني الأصل المولود في رام الله عام ،1915 قد تخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت العام 1936 في سن مبكرة جداً قياساً على أقرانه، لم تزد عن إحدى وعشرين سنة، وزاول العمل للمرة الأولى في القدس لشهود فقط ثم غادر فلسطين إلى أوروبا لإكمال تعليمه العالي في مجال الأنف والأذن والحنجرة نزولاً عند نصيحة طبيب فلسطيني أرمني .

وفي لندن درس لمدة نصف سنة فقط، ثم قرر أن ينتقل إلى ألمانيا بناء على نصيحة أساتذته الإنكليز، لأن الطب والتعليم الجامعي هناك كان أرقى كثيراً مما هو في المملكة المتحدة، وفي برلين تخصص على يدي الدكتور كارل فون إيكن، أشهر أطباء ألمانيا والعالم في مجاله في حينه، والطبيب الخاص للمستشار الألماني آنذاك أدولف هتلر، وأجرى له ثلاث عمليات جراحية في أنفه وحنجرته وحبال الصوتية التي تأثرت لكثرة خطاباته الحماسية وارتفاع صوته، ولإصابته بقنبلة في محاولة لاغتياله، واضطر مفيد عبد الهادي المكوث في ألمانيا معظم سنوات الحرب العالمية الثانية لأنه كان ممنوعاً من المغادرة ككل الذين يحملون جوازات سفر بريطانية، ولكنه يصف تلك التجربة بالغنى والأهمية على كافة الأصعدة العلمية والمهنية والشخصية، بل يؤكد أنه كان يتمتع خلالها بالسعادة، ولم يكن يعاني إلا من قلة النوم بسبب ضغط الخدمة، وأصوات أجهزة الإنذار، وغارات طائرات الحلفاء، وانعدام التواصل مع الأهل في فلسطين .

واستطاع مغادرة ألمانيا العام 1943 بفضل وساطة ومساع شخصية بذلها السيد رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق وقائد الثورة فيه ضد الاحتلال البريطاني، وكان لاجئاً وضيفاً على حكومة “الفوهرر” الألماني، مثله مثل الحاج عبد القادر الحسيني قائد الكفاح المسلح آنئذ الذي اعتذر عن مساعدته لصعوبة المهمة. واستحصل الكيلاني له على إذن بالمغادرة، فسافر إلى السويد برفقة زوجته السويدية التي تعرف عليها في برلين حيث كانت طالبة تدرس الموسيقى، وأحبها وبقي مرتبطاً بها حتى توفيت العام 1997 عن عمر يناهز السبعين عاماً .

وبعد أن عمل مفيد عبد الهادي في السويد حوالي العامين، اختار العودة إلى وطنه فلسطين العام ،1945 فور انتهاء الحرب، ورافقته زوجته وابنتهما الصغيرة الوحيدة فوزية، وفي القدس افتتح عيادته الخاصة الجديدة، في حي القطامين، ثم نقلها إلى الحي اليوناني، لأنه كان أكثر آمناً، من الأول، حيث كانت الاضطرابات والمصادمات بين الشعب الفلسطيني والعصابات الصهيونية الإرهابية على أشدها ويتذكر أنه نجا بمعجزة آنذاك من خطة مدبرة لقتله ليلاً مع أسرته في المنزل من جانب إحدى العصابات الصهيونية، لأنه أصبح طبيباً معروفاً، فضلاً عن أنه كان سليلاً لأسرة عبد الهادي التي لعبت دوراً وطنياً مشهوداً في الكفاح الفلسطيني الوطني ضد البريطانيين، وضد الصهاينة، وكان والده آنذاك عضواً في المجلس الإسلامي الشرعي الفلسطيني الذي كان يرأسه الحاج الحسيني، ويقود النضال ضد الاحتلال ويقاوم التهويد، في آن واحد

وفي العام 1948 أرغمت التعديات الإرهابية للمستوطنين اليهود والعصابات الصهيونية، الدكتور عبد الهادي على النزوح عن وطنه، تاركاً كل ما يملك في عيادته ومنزله، كمئات الألوف من أبناء شعبه، ولجأ إلى الأردن، وحاول العمل في عمّان، لكنه لم يتمكن من الحصول على رخصة، على رغم دعم أحد كبار الأمراء الهاشميين له، فتابع رحلة اللجوء إلى سورية، حيث استطاع العمل في أحد مستشفيات دمشق، بفضل تدخل رئيس الوزراء جميل مردم بك، ورئيس الجمهورية السابق شكرتي القوتلي، وكان الاثنان صديقان قديمين لوالده وأسرته، وسبق أن أقاما عندها خلال فترة تواريهما عن أنظار سلطة الاحتلال الفرنسي لسورية .

بيد أن المرتب الذي كان يعطى له كان أقل كثيراً مما يحصل عليه نظراؤه السوريين، فصمد ثلاث سنوات على عيش الكفاف، حاول أثناءها تحسين ظروفه أو البحث عن بلد عربي آخر، ولما باءت جهوده كافة بالفشل، قرر مضطراً شد الرحال مرة ثانية إلى وطن زوجته، فعاد إلى السويد العام ،1949 وأقام فيها منذ ذلك الزمن إلى يومنا هذا .

وانهالت العروض على مفيد عبد الهادي من الدول العربية للعودة إليها والعمل فيها ولكنه اعتذر إليها جميعاً، إيثاراً للاستقرار والراحة. ولو كان للهجرة العربية موسوعة غينيس خاصة بها لكان في صدارة الأسماء والنجوم التي تلمع فيها. فهو من ناحية، أول مهاجر عربي تطأ قدماه التراب السويدي في العصر الحديث، وأبو الهجرة العربية، بل الشرقية إليها، إذ لم يكن في هذه البلاد أغراب وقتذاك لا من تركيا ولا من إيران ولا من تلك الشعوب الشرقية ذات الشعور السوداء والعيون الغامقة، ويقول إن السلطة المختصة أبلغته رسمياً عام ،1943 أن لا وجود لأي عربي في السويد، باستثناء وزير مفوض في السفارة المصرية التي كانت وحدها سفارة عربية في ستوكهولم. والأهم من هذا السبق التاريخي للدكتور عبد الهادي على صعيد “الفتح العربي” للسويد، هو دوره الريادي في التصدي الدؤوب والشجاع على مدى أربعين عاماً للنفوذ الصهيوني الذي كان مسيطراً على الرأي العام السويدي، ولم يكن هناك أي مجال أو وجود لوجهة النظر العربية، أو الفلسطينية .

وقد آل هذا العربي الوحيد على نفسه مجابهة هذا الوضع مهما كان صعباً أو مستحيلا، فألف كتاباً باللغة الإنجليزية ثم ترجمه إلى السويدية، عن احتلال الصهاينة لفلسطين، ضمنه المعلومات الموثقة عن سلب الأراضي والأملاك، ونهب الثروات من السكان الأصليين من جانب المنظمات الصهيونية المدعومة من الاحتلال البريطاني، وعن المذابح والعمليات الإرهابية، جنباً إلى جنب مع المشاهدات الحية والشخصية لما وقع في العام 1948 وما قبله بقليل من إرهاب صهيوني مروع. ومن أهم ما تضمنه الكتاب أيضاً الوقائع المفصلة لاغتيال مندوب الأمم المتحدة لفلسطين عام الكونت 1947 فولكه برنادوت السويدي الأصل على أيدي الصهاينة، لأنه كان اقترح عدم تسليم القدس لليهود، وهي الحادثة التي وقعت بمحاذاة منزل الدكتور عبد الهادي وكان شاهداً عليها. وقد حاول نشر الكتاب في السويد، كما حاول نشر النسخة الإنجليزية في أوروبا والولايات المتحدة اللاتينية، وخاطب عشرات المؤسسات لكنها اعتذرت جميعاً عن عدم نشره، من بدون إبداء أي سبب! بيد أنه لم يقنط فقام بطبع الكتاب على نفقته الخاصة ووزعه على المسؤولين والسياسيين والصحافيين والأكاديميين في السويد وأوروبا، فأحدث ضجة في كل مكان، ورحب به المختصون وبعض السياسيين الكبار ووصفوه بالشجاعة والدقة، بينما أثار غضب الموالين لإسرائيل، خصوصاً من اليهود ذوي النفوذ القوي، وتعرض عبد الهادي للتهديد بالقتل، ولكنه ثابر على إيصال “رسالته” إلى الرأي العام السويدي، وفضح الجريمة الإسرائيلية المستمرة على المستوى الغربي، فكان يرد على الأباطيل والأكاذيب الصهيونية في وسائل الإعلام أولاً بأول حتى نجح في تثبيت نفسه منذ أوائل الستينات سفيراً ثقافياً فوق العادة للقضايا العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً، حتى أنه تلقى الكثير من رسائل الشكر والامتنان من زعماء وحكومات الدول العربية، من الجزائر إلى العراق مروراً بمصر . . وسمته المملكة الأردنية الهاشمية قنصلاً فخرياً لها لعشر سنوات .

وأصبحت وسائل الإعلام السويدية تحترم رأيه وتبرزه في ا لمناسبات المهمة، كمثال لوجهة النظر العربية المضادة لوجهة النظر الإسرائيلية، وبعد حوالي أربعين سنة من تأليف كتابه الوحيد، تلقى عبد الهادي أخيراً رسالة من رئيس جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة، يعلمه فيها بأنه قرأ كتابه باهتمام ووجد فيه وثيقة صادقة وعظيمة الأهمية، ووصفه بقوله إن هذا الكتاب سيظل مرجعاً مهماً له ولزملائه في الجامعة لسنوات قادمة طويلة أخرى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات