السبت 11/مايو/2024

التحول الديموغرافي القسري في فلسطين

التحول الديموغرافي القسري في فلسطين

الدكتور/يوسف كامل إبراهيم

رئيس قسم الجغرافيا –جامعة الأقصى-فلسطين

تمهيد :-

لقد أخذ الصراع العربي- الصهيوني منذ بدايته صراعاً على الأرض والسكان، وكان وما يزال الهدف الأساس للحركة الصهيونية أولاً، و”إسرائيل” لاحقاً، هو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين واستعمارها بأكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود القادمين في موجات متلاحقة من المهاجرين، بل إن المقياس الأهم لرصد مدى نجاح الصهيونية في مشروعها الاستعماري في فلسطين يتلخص في نسبة الأراضي التي استولت عليها منذ بداية نشاطها، ومدى قدرتها على اجتذاب المهاجرين اليهود ونجاحها في استيعابهم وتوطينهم في فلسطين، وعلى هذا الأساس فإن العاملان الجغرافي (الأرض) والديموغرافي (المهاجرون) يبقيان لهما الكلمة الأخيرة في الصراع الذي تخوضه الصهيونية في فلسطين، وما الممارسات الإسرائيلية على الأرض متمثلة في تهجير الفلسطينيين تهجيراً قسرياً من قراهم ومدنهم  وانتزاع الأرض  من أصحابها الأصليين والسيطرة عليها بكافة الوسائل والطرق، حيث لم يستطيع اليهود إعلان دولتهم إلا بعد أن اكتمل العدد الكافي من المهاجرين إلى فلسطين ومن هنا بدأ الصراع يظهر على الأرض وأخذ في نهايته شكل الصراع الجغرافي والديموغرافي.

تعتبر الدراسات والأبحاث التي تتناول الحراك الديموغرافى للشعب الفلسطيني من أهم الدراسات نظراً للواقع الديموغرافي الذي ارتبط بالواقع السياسي الذي تعرض فيه الشعب الفلسطيني للإبادة والتهجير وتبعاً للأطماع اليهودية في فلسطين، والتي تركزت أساساً في المحاولات الحثيثة لخلق وجود يهودي قسري فيها، وتبعاً لذلك شهد التطور الديموغرافي والاجتماعي للشعب الفلسطيني اتجاهات غير طبيعية، حيث كان لعامل الهجرة اليهودية إلى فلسطين وطرد العرب أصحاب الأرض الأصليين من وطنهم أثراً مباشراً في تلك التطورات.

فعندما صدر وعد بلفور عام 1917 وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من عام 1918 حتى عام 1948 حيث تم تقديم التسهيلات اللازمة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وبدأ اليهود بالتدفق بالآلاف وارتفع عددهم من حوالي عشرة آلاف شخص في منتصف القرن التاسع عشر إلى ما يقرب من 62.5 ألف شخص عند بداية الانتداب البريطاني، وإلى ما يقرب من ستمائة وخمسين ألف شخص عند نهاية الانتداب المذكور عام 1948 وبذلك ارتفعت نسبة اليهود إلى مجموع عدد السكان في فلسطين من 8.3% عام 1919 إلى 31.5% في 15 أيار (مايو) عام 1948.

بدايات التغيير الجغرافي والديموغرافي:-

لقد كان أول تقدير لعدد سكان فلسطين في القرن العشرين في فترة الحكم العثماني، حيث أعلن في عام 1914 وهي السنة التي نشبت فيها الحرب العالمية الأولى. وقدر عدد سكان فلسطين هو 689.275 نسمة منهم 8% من اليهود. وبعد خضوع فلسطين للانتداب البريطاني أصبح عدد سكان فلسطين حسب التقدير الرسمي 673.000 منهم 521.000 من المسلمين و67.000 من اليهود و78.000 من المسيحيين و7000 من المذاهب الأخرى ( [i] )، وقد نجم عن نكبة فلسطين أن قسمت فلسطين إلى ثلاثة مناطق جغرافية :-

      1.الأراضي التي احتلها اليهود بعد حرب عام 1948 وقد شغلت 76.7 % من مساحة فلسطين.

      2.الضفة الغربية وتشغل 22 % من مساحة فلسطين.

      3.قطاع غزة و يشغل 1.3 % من مساحة فلسطين.

ولم يكتفي العدو الصهيوني بأن تبقى رقعة دولتهم على أراضي 1948 (خريطة رقم1)، وإنما قاموا بالعدوان على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967 وقاموا باحتلالها وبذلك أصبحت فلسطين جميعها تحت السيطرة اليهودية وعلى أثر هذا العدوان الجديد نزح العديد من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وانخفض عدد السكان في الضفة الغربية إلى 581.700 نسمة، كما انخفض عدد السكان في قطاع غزة إلى 937.6 ألف نسمة، بينما كان عددهم قبل العام 1967 مباشرة في حدود مليون وأربعين ألف نسمة ( [ii] ).

وللوقوف على صورة المتغيرات الديموغرافية ومدى أثر الهجرة عليها، نرى أن المجموع الكلي لعدد السكان في فلسطين عام 1986 (جميع الديانات) قد بلغ 5.6 مليون نسمة منهم 3.5 مليون نسمة من اليهود أي ما نسبته حوالي 63% من المجموع الكلي، والباقي من الفلسطينيين أي ما نسبته 37% من المجموع الكلي، يقيم منهم في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 26% من إجمالي سكان فلسطين بينما يقيم الباقي داخل دولة “إسرائيل” حيث بلغت نسبتهم 11% من إجمالي الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية( [iii]).

ومع حلول عام 1998 بلغ المجموع الكلي لعدد السكان على أرض فلسطين التاريخية 8.09 مليون نسمة منهم 5.50 مليون نسمة من سكان دولة الاغتصاب الصهيوني أي ما نسبته حوالي 67.9% منهم حوالي 17% من الفلسطينيين أو ما يطلق عليهم فلسطينيو الداخل (48)، والباقي من الفلسطينيين أي ما نسبته 32.1% من المجموع الكلي يقيم منهم في الضفة الغربية 1.596.442 نسمة في قطاع غزة 1.000.175 مليون نسمة في قطاع غزة ([iv]) ، وخلال الإحدى عشر عام الماضية استطاعت “إسرائيل” المحافظة على الميزان الديموغرافي لصالحها على الرغم من ارتفاع نسبة النمو السكاني في الجانب الفلسطيني، ويرجع ذلك إلى موجات الهجرة في هذه السنوات.

 

ملامح التغيير الجغرافي والديموغرافي:-

  • اليهود وفلسطين قبل 1948

إن عملية التمييز بين الاستيطان اليهودي وحركة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني يفرضه تحليل العوامل المختلفة، التي مكنت اليهود من الهجرة إلى فلسطين وإقامة المستوطنات ونشوء نوع من التعايش بينهم وبين سكان البلاد الأصليين من العرب في مرحلة الانتداب البريطاني، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها تاريخ العلاقات الحسنة بين العرب واليهود الذي يخلو من الاضطهاد والتعصب، وعدم وجود أهداف سياسية للاستيطان اليهودي في مرحلته الأولى قبل عام 1897، فقد كان جزءاً من حركة الهجرات اليهودية التي خرجت من دول أوروبا الشرقية وشملت مختلف بلاد العالم ([v]).

فلم يكن لليهود أي علاقة بأرض فلسطين إلا علاقة الترحال والتنقل، حيث لا يوجد أي سند تاريخي يؤكد أن هذه الأرض كانت ذات هيمنة يهودية في فترات زمنية طويلة، وإنما كانت هناك باستمرار أحداث مرتبطة باليهود وقعت في هذه الأرض ومن خلال التوراة، نجد أن العبرانيين الأوائل هاجروا إلى أرض كنعان ولم يستقروا في مكان واحد ([vi]).

 

  • سكان فلسطين قبل النكبة :-

لقد بدأ التغلغل اليهودي في فلسطين والعمل على شراء الأراضي في ظل الحماية الامتيازات الأجنبية، إلا أن البدايات الأولى لشراء اليهود أراضي في فلسطين كانت في عام 1855 على يد السير (موشي مونتفيوري) زمن السلطان عبد المجيد (1839-1861) ، حيث أصدر السلطان فرماناً سمح بموجبة لمنتفيوري بشراء أرض في فلسطين، فاشترى أرضاً بالقرب من القدس وقد أقيم عليها فيما بعد الحي اليهودي المعروف بحي مونتفيوري، وفي عام 1870 أنشأت جمعية الأليانس الإسرائيلية مستوطنة (مكفية إسرائيل) على مساحة من الأرض قدرت بحوالي 2600 دونم استأجرت من الحكومة العثمانية لمدة 99 سنة من أراضي قرية يازور القريبة من مدينة يافا لصالح وزير العدل الفرنسي (كريمو شاولنرنتر)، ومنذ عام 1870 حتى العام 1914 امتلك اليهود 420600 دونم اشتريت من غير عرب فلسطين([vii]).

ونظراً لطبيعة الحال خلال الفترة الأخيرة للحكم العثماني فقد سعت المنظمات الصهيونية المنبثقة عن الحركة الصهيونية، مثل الصندوق القومي اليهودي، والمصرف اليهودي للمستعمرات وشركة تطوير أراضي فلسطين، فقد عملت جميع

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات