الثلاثاء 30/أبريل/2024

مطهر يهودي لميركل الألمانية

مطهر يهودي لميركل الألمانية

“مطهر يهودي” لميركل الألمانية

سعد محيو

صحيفة الخليج الإماراتية 23/9/2006

هل كانت أنجيلا ميركل مضطرة لأن تشدد على “إسرائيليتها”، وهي تعلن عن إرسال قطع الأسطول الحربي الألماني إلى لبنان؟ الكثيرون لا يعتقدون ذلك.

صحيح أن منظر الجنود الألمان قد يثير القشعريرة في نفوس يهود “إسرائيل”، الذين ما زالوا يرون في كل ألماني أودولف هتلر آخر. لكن هذا له علاقة بالخيالات النفسية لا بالوقائع السياسية والاستراتيجية.

ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت، ولا تزال، “إسرائيلية” بامتياز. فهي دفعت مئات مليارات الدولارات للدولة العبرية التي اعتبرت نفسها الوريث الشرعي الوحيد ليهود المحرقة النازية. وهي فتحت أمامها كل كنوز التكنولوجيا الألمانية المتطورة المدنية والعسكرية، وكان آخرها الغواصات النووية الثلاث. ثم إن برلين أيضاً هي الصوت الأبرز المدوي لمصلحة “إسرائيل” داخل الاتحاد الأوروبي.

قبل “إسرائيلية” ميركل بوقت طويل، كانت النخبة الحاكمة الألمانية تجمع على ربط كل سياسة برلين الخارجية الشرق أوسطية (إذا ما كان ثمة سياسة من هذا النوع) بالسياسة الخارجية “الإسرائيلية”. وهذا لم يتغيّر قيد أنملة حتى بعد أن طوّر الاتحاد الأوروبي العام 1995 مبادرته شرق الأوسطية المستقلة، وإن نسبياً، عن الولايات المتحدة، والتي أطلق عليها اسم “عملية برشلونة”.

آنذاك، سنحت فرصة ذهبية لبرلين كي تبدأ رحلة فك تبعيتها المطلقة ل”إسرائيل”. فالسياسة الأوروبية خرجت من طور إقامة علاقات ثنائية مع دول جنوب وشرق البحر المتوسط، إلى طور التعامل مع المنطقة المتوسطية ككل واحد موحّد، بهدف إدماجها اقتصادياً في النهاية بأوروبا. وهذا حرّر الأوروبيين من حتمية وضع النظارات “الإسرائيلية”، كلما أرادوا الإطلالة على الشرق الأوسط. لكن القادة الألمان لم يحاولوا حتى انتهاز ولو جزء من هذه الفرصة. لماذا؟

لندع مركز الأبحاث الاستراتيجي الألماني “دويتش أوسنبوليتيك” يجيب: “السياسة الألمانية بعد الحرب تشكلّت دوماً بفعل الإحساس ب”المسؤولية الأخلاقية” إزاء “إسرائيل”. وهذا ما جعل التزام ألمانيا بالدولة العبرية المبدأ الأساسي، بل “المبدأ الحديدي”، في السياسة الألمانية”.

المبدأ الحديدي؟ طالما أن الأمر واضح على النحو الحديدي الفاقع منذ 60 سنة حتى الآن، وبإجماع الحزبين الاشتراكي والديمقراطي المسيحي؛ وطالما أيضاً أن القاصي والداني يعرف أن البحرية الألمانية ستكون في لبنان لخدمة “إسرائيل”، لماذا إذاً شعرت ميركل بأن عليها الإفصاح مجدداً عن “إسرائيليتها” بهذه الطريقة الفظة؟

ثمة تفسير وحيد مقنع: المستشارة الألمانية ترى في المهمة اللبنانية ما يتعدى بكثير لبنان. ترى فيها المدخل الرئيسي لبدء استعادة شيء من الدور العالمي لألمانيا، عبر بوابة الشرق الأوسط ككل. وهذا يفترض أن يكون بديهياً، بعد أن باتت ألمانيا تعتبر نفسها دولة متوسطية، مثلها مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، على إثر نشوء الاتحاد الأوروبي.

لكنها لكي تفعل، يجب أن تلج مجدداً البوابة “الإسرائيلية”، ومن خلالها بوابة اليهودية العالمية في نيويورك. من دون أوراق اعتماد من هذين الطرفين، لن تستطيع ألمانيا الولوج إلى بلاط السلطة الإمبراطورية العالمية، المشرفة على تكوين الشرق الأوسط الجديد. ومن دونهما، ستذهب كل الجهود الألمانية لاستعادة الدور العالمي أدراج الرياح، حتى ولو تضمنت هذه الجهود القتال في جبال أفغانستان، وفي غابات وسط إفريقيا، وعلى تلال البوسنة وكوسوفو، كما يجري الآن.

أجل. ميركل على حق: المهمة البحرية الألمانية في لبنان “تاريخية”. لكنه تاريخ سيصاغ ويكتب ويدبّج برمته، من ألفه إلى الياء، في “إسرائيل”.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات