عيسى أبو العز.. إعلامي وأكاديمي رحل في أوج عطائه

خرج الكلمات خجلى حين تحاول وصف من غادروا الدنيا في أوج عطائهم، بعد أن تركوا بصمة واضحة ومميزة في محيطهم ومجتمعهم.. كذلك كان حال الإعلامي والأكاديمي عيسى أبو العز من مخيم العين بمدينة نابلس الذي رحل عن الدنيا منتصف ليل الجمعة (7-8) وهو في بداية الخمسينيات من عمره.
كان وقع نبأ وفاة الإعلامي أبو العز أليما على كل من عرفه، سواء في حقل الصحافة والإعلام، أو في المجال الأكاديمي، فابتسامته التي لا تفارق محياه، كانت سمة ملازمة له حتى في أصعب الظروف.
ولد أبو العز في مخيم العين غرب مدينة نابلس عام 1964 لأسرة كبيرة تضم خمسة أخوة وثلاث أخوات، نشأ وترعرع في أزقة المخيم وتربى على يد شيوخ الدعوة، أمثال النائب أحمد الحاج علي، والشهيد الشيخ جمال سليم، وغيرهم.
بعد نجاحه بالثانوية العامة، توجه أبو العز للدراسة في الأردن، والتحق بكلية بوليتكنك عمان ليتخرج منها عام 1986 حاصلا على دبلوم فني مختبرات.
بعد عودته من الأردن، لم يجد فرصة عمل بتخصصه، فتوجه للعمل داخل الخط الأخضر لعدة سنوات قبل أن يحصل على وظيفة في مختبرات الكيمياء بجامعة النجاح.
ومع اشتداد ضربات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال عام 1992، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في صفوف قادة ورموز وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والذين تم إبعاد أكثر من 400 منهم إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني، وكان من بينهم عيسى أبو العز.
كانت تجربة الإبعاد على قسوتها فرصة للشاب أبو العز لاكتشاف موهبته الإعلامية وتنميتها من خلال الوفود الإعلامية العالمية التي كانت تأتي لمقابلة المبعدين، فكان يتقرب إلى تلك الوفود بلباقة واستطاع اكتساب خبرات في الإخراج والتصوير والمقابلات الصحفية.
وبعد عودته من الإبعاد، عمل على افتتاح محل لتصوير المناسبات، واقتنى بعض الكاميرات وأجهزة المونتاج، وفي أواسط التسعينيات بدأت تنشأ محطات تلفزة محلية في مختلف مدن الضفة الغربية، فكان هذا دافعا له للانتقال من تصوير المناسبات إلى العمل التلفزيوني مستفيدا من المعدات المتواضعة المتوفرة لديه، وأضاف إليها معدات البث ليطلق محطة تلفزيونية باسم “آفاق”.
الإعلامي ساهر سقف الحيط الذي عمل مع أبو العز لأكثر من 15 سنة في تلفزيون “آفاق” يقول لـ “المركز الفلسطيني للإعلام”إن أبا العز كان لديه طموح عال بأن تكون “آفاق” المحطة الأولى على مستوى الوطن، وربما أن تتحول إلى فضائية في يوم ما.
ويضيف إن أبا العز كانت عنده رسالة إنسانية أراد أن يوصلها عبر تلفزيون “آفاق”، الذي رفع شعار “نحو أسرة فلسطينية آمنة”، وكل برامجها كانت تنطلق من هذا الشعار، فكانت آمنة أمنيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا وتربويا وأكاديميا.
ويستذكر سقف الحيط أهم صفات رفيق دربه التي أوجزها بدماثة الخلق، والتواضع للصغير والكبير، وعدم التفرقة على أسس حزبية أو جغرافية.
ويؤكد أن نهجه كان وحدويا على مستوى المدينة والقرية والمخيم، وعلى مستوى مختلف ألوان الطيف السياسي، ويقول: “لم ألمس أي تحيز منه لأي لون سياسي في العمل المهني وبرامج التلفزيون وسياسته التحريرية، ولم يتدخل في البرامج التلفزيونية”.
ونوه إلى أنه في الذكرى العاشرة لانطلاق المحطة، أقام حفل تكريم لأكثر من 100 شخص عملوا في المحطة خلال السنوات العشر، وكان واضحا أنهم ينتمون لكل المناطق ولمختلف الألوان السياسية”.
وخلال انتفاضة الأقصى، كان تلفزيون آفاق مصدرا رئيسا للمعلومة حول كل الأحداث الميدانية في المدينة، ونتيجة لذلك تعرض التلفزيون للاقتحام والتدمير 3 مرات على يد الاحتلال خلال العقد الماضي.
ورافق عمليات الاقتحام والتدمير مصادرة الأجهزة والمعدات، مما كبده خسائر فادحة، وبلغت الخسائر في المرة الأولى عشرات آلاف الدولارات، وفي المرة الثانية كانت الخسارة أكثر من 100 ألف دولار، وفي المرة الثالثة كانت أكثر من 150 ألف دولار.
في الاقتحام الثاني للمحطة، قرر مجلس الوزراء الفلسطيني صرف مبلغ 30 ألف دينار كتعويض للمحطة، وتم الاتصال به وإبلاغه بالحضور إلى محافظة نابلس لاستلام الشيك الصادر عن وزارة المالية، وفي اللحظة الأخيرة تراجعت السلطة عن القرار وأبلغته باتصال آخر الاعتذار عن تسليمه الشيك.
وفي المرة الثالثة رافق التدمير ومصادرة الأجهزة قرار بإغلاق المحطة لمدة عام كامل واعتبار المحطة منظمة إرهابية، بدعوى صلتها بحركة حماس.
بعد انتهاء مدة الإغلاق، قرر أبو العز إعادة بناء المحطة من جديد، وخلال شهر تم تجهيز المحطة، وفي اليوم الأخير قبل الانطلاق، جاء قرار بمنع افتتاح المحطة، لكن القرار هذه المرة ليس من الاحتلال، بل من السلطة الفلسطينية، ومن دون إبداء الأسباب.
ورغم التكاليف الكبيرة لإعادة تجهيز المحطة، إلا أنه لم يجد بُدًا من بيعها بثمن بخس.
بعد أن قطع الأمل بالعودة للعمل الإعلامي، اتجه أبو العز لتطوير نفسه أكاديميا، فالتحق بجامعة القدس المفتوحة وحصل على درجة البكالوريوس.
كما توجه نحو التدريس الخاص لطلبة المدارس، وطور طريقة جديدة في تعليم الطلاب ترتكز على معالجة الضعف عند الطلبة وليس إعطاء دروس بالطريقة الكلاسيكية المعتادة.
يقول شقيقه محمود لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” أنه بدأ بتطوير طريقة علاجية وليست تلقينية في التعليم تعتمد على استخدام أساليب الإيضاح من خلال ربط المعلومة بالصورة، وبدأ بتطبيقها منذ 4 سنوات، ونجح بمعالجة الضعف في مواد الرياضيات واللغة العربية وتخصصات أخرى بالتعاون مع زوجته المعلمة.
في رابع أيام عيد الفطر، تعرض أبو العز لوعكة صحية بعد صلاة العشاء، ونقل على عجل إلى المستشفى ليتبين إصابته بجلطة في القلب، وأجريت له عملية قلب مفتوح ومكث حوالي 22 يوما في غرفة الإنعاش قبل أن تخرج الروح إلى بارئها.
ويبين شقيقه أن الجلطة تسببت بانسداد ثلاثة شرايين، ونتيجة للجلطة ومرض السكري الذي ظهر معه في سجون الاحتلال، أصيب بفشل كلوي انتهى بوفاته.
ويضيف أن الأطباء اكتشفوا وجود عدة جلطات قديمة لم يشعر بها شقيقه سابقا، وكان يعاني من ضعف بعضلة القلب، وقلبه لا يستجيب للعلاج، وكانت حالته الصحية في تدهور مستمر.
يقول سقف الحيط إن أبا العز مات قهرا، ويضيف: “كان دائم التبسم، وكان يتعرض للمصيبة ويخزنها في قلبه، فانفجر هذا القلب، وللاحتلال دور في ذلك من خلال 3 ضربات كبيرة وضربات أخرى وجهها له”.
ويقول شقيقه: “كان عيسى يمارس دورا أبويا راقيا جدا مع أبنائه الستة، وكان لنا نِعم الأخ والصديق، ولم تشغله التزاماته المتعددة عن القيام بواجباته الاجتماعية”.
ويؤكد أنه كان إنسانا صبورا ومتفائلا، ومتفتحا يتقبل أفكار الآخرين، ولا يخجل من استشارتهم كبارا كانوا أم صغارا، ولم يكن يتمسك برأيه، ويضيف: “كان عيسى يختزل عدة رجال في رجل واحد”.
وفاة أبو العز حركت مشاعر كل من تعرف إليه عن قرب ودفعتهم للتعبير عما يكنونه له من محبة وتقدير، وبكلمات معبرة يذكر المهندس منذر مشاقي صديق أبو العز، فيقول: “لقد كان صابرا مجاهدا، طيب الخلق قريبا من القلب، دائم الابتسامة حاضر النكتة”.
أما الفنان والإعلامي الفلسطيني عبد الرحمن الظاهر فلا ينسى أن يرد الفضل لصاحبه، ويقول: “كان وسام شرف لي أنه (أبو العز) أول من أشرف على تعليمي أساسيات الإعلام وتقديم البرامج والإذاعة منذ كنت في الصف العاشر، وشق لي طريقي في شركته “آفاق التلفزيونية” أواخر التسعينيات”.
المخرج والصحفي بشار النجار: “لم ألتق به إلا مرات معدودة لكنها كانت كفيلة بأن تزرع حب صاحب الضحكة الدائمة في قلبي”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...