الأربعاء 01/مايو/2024

الحاجة فهيمة بمخيم جنين.. آلام النكبة وحكايات المفقودين

الحاجة فهيمة بمخيم جنين.. آلام النكبة وحكايات المفقودين

على باب منزلها في أحد أزقة مخيم جنين شمال الضفة الغربية، تجلس الحاجة فهيمة خليل مصطفى النصري (86 عامًا) من قرية زرعين المهجرة ومن حولها جاراتها، وأحفادها وأطفال الحي، تحكي لهم حكايات النكبة وألمها، تحكي فصول أربع حروب عايشتها بدءًا بحرب العام 1948 وانتهاءً بمعركة المخيم عام 2002.

وتقول الحاجة فهيمة: “أنجبت ابني عبد الجبار قبل النكبة بثلاثة أيام، وداهمتنا عصابات الهاغاناة في القرية، وعندما كان يبكي طفلي كان يطلب مني زوجي أن أسكته لكي لا يسمع أفراد تلك العصابات صوته، وبتنا وأهالي القرية حينها بمسجد زرعين ليلة واحدة وعدنا إلى البيت”.

وتضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “ما أذكره أصوات الرصاص والصواريخ من الطائرات ونحن نغادر القرية متجهين إلى مكان آمن وسط إطلاق نار كثيف واستهداف من العصابات، فوصلنا إلى قرية برقين غرب جنين بعد رحلة شاقة استمرت لساعات تخللها القصف والاستهداف بين الحين والآخر، وبتنا هناك 4 أيام وبعدها تفرقنا”.

وتابعت: “من الأهالي من اتجه إلى قرى عنزا وعرابة وقباطية، وأنا وعائلتي توجهنا إلى بلدة عرابة جنوب جنين، ومكثنا هناك أربعة أشهر ثم توجهنا إلى بلدة قباطية؛ حيث كنا ننام تحت الشجر وغطاؤنا السماء، لننتقل صبيحة اليوم التالي إلى جنين، وسكنّا بيوتًا مؤقتة، وفي أعقاب تلك الهجرة بدأت وكالة الغوث بإنشاء مخيم جنين وجئنا إلى المخيم وحصلنا على منزل”.


null

خرج ولم يعد

وتستذكر الحاجة فهيمة زوجها الذي فقدته بعيد النكبة، فتحكي: “زوجي مصطفى عبد الجابر الحج إبراهيم كان يعمل خياطًا للملابس، وكنا نعيش منها، وبعد ترحيلنا واستقرارنا في مخيم جنين بدأ بالتوجه إلى مدينة الناصرة المحتلة لبيع السكر والملابس؛ حيث كان يعود كل يوم، وفي يومه الثالث بعد النكبة ذهب ولم يعد إلى جانب أربعة شبان من المخيم وثلاثة من السيلة الحارثية، واختفوا”.

وأكملت  حديثها وكأنها تعيش الذكرى مرة أخرى: “وصلت لنا معلومة بعد عشرة أعوام بأن قوات الاحتلال قد أعدمتهم في مدينة الناصرة حينها، ولم نتمكن حتى من مشاهدة جثامينهم، ولا نعلم عنهم أي شيء حتى الآن سوى هذا الخبر”.

استشهاد والدها

ولا تنسى الحاجة فهيمة والدها المجاهد الذي قضى برصاص الاحتلال البريطاني فتقول: “كان والدي خليل مصطفى العلي “المصري” من الفدائيين أيام الانتداب البريطاني، وكان قائد فصيل،  طورد بعد أن عثر القصاص الذي يعمل مع الجيش الإنجليزي على أوراقه الثبوتية عندما وقعت منه أثناء عودته من تنفيذ عملية فدائية في إحدى المناطق في فلسطين المحتلة، وقد عكفت القوات البريطانية على مداهمة منزل العائلة في زرعين باستمرار بحثًا عنه، وطالبت الأهالي بتسليمه وإلا اقتحمنا القرية يوميًّا”.

ولم يمض سوى شهر على مطاردته حتى حاصرته القوات البريطانية في أحد البيوت في قرية الجلمة شمال جنين، بعد أن احتمى في منزل أحد كبار القرية، فاعتقله الجيش البريطاني، وأخضعه للتحقيق في بيارات جنين، وبعدها أعدموه وأعادوه جثة هامدة لقرية زرعين وجمعوا الأهالي لمشاهدته لترهيبهم وتخويفهم”.


null

زرعين التي لا تنسى

وتستذكر الحاجة فهيمة حياة أهالي زرعين قبل النكبة؛ حيث كان أهالي زرعين يعتمدون في مصادر رزقهم على زراعة السمسم والقمح والشعير والكرسنة، وكانوا يربون الأغنام والبقر، ويرعون في مراعي القرية التي كانت تشتهر بخصوبة أرضها ومساحاتها الكبيرة.

واليوم، وبعد 69 عامًا على نكبة الشعب الفلسطيني تعيش الحاجة فهيمة إلى جانب ابنتها أمل، وحيدة وبعيدة عن أهلها؛ حيث تعاني من المرض ولا تستطيع الحركة إلا على عكازات.

وهي تئن والآهات تتوالى تقول: “ليتنا نعود إلى بيوتنا الأصلية وأرضنا المسلوبة نزرعها ونحصدها ونأكل من خيراتها؛ فاليوم لا يوجد مكان يشبه زرعين، وآمل أن نعود في القريب لكي أدفن إلى جانب والدي الشهيد”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات