السبت 09/نوفمبر/2024

سر الفيتو الفتحاوي

عماد عفانة

أخيراً اتضح سر الأصوات الإعلامية التي اختلفت مؤخرا في الساحة الفلسطينية حول الحوار الوطني لإنضاج طبخة حكومة الوحدة الوطنية، ففيما ذهب نبيل عمرو المتهم حمساويا بأنه محسوب على تيار فتح الانقلابي إلى أن الحوار توقف فقد ذهب نبيل أبو ردينة الى ان الحوار لم يتوقف الأمر الذي عززته تصريحات مصطفى البرغوثي، إلا أن محمود الزهار أكد من دمشق أن الحوار توقف.

ويبدو أن الزهار لم يكن يقصد ان اللقاءات الكرنفالية والتصريحات الإعلامية البراقة الخادعة هي التي توقفت فالوقائع أثبتت أنها ما زالت مستمرة، بل أن ما عناه الزهار ربما هو أن الذي توقف هو : – العقول والقلوب المفتوحة التي ذهب الجميع بها إلى الحوار. – وان الذي توقف وضعف هو الإحساس العالي بالمسؤولية الوطنية التي ولدها شدة جريان شلال الدماء والأشلاء في الوطن المحتل. – وان الذي توقف وربما تلاشى هو الرغبة الصادقة في إخراج حكومة وحدة نابعة من المصلحة الوطنية الفلسطينية وليس وفقا للمقاسات والاشتراطات الأمريكية والرباعية والإسرائيلية.

– وان الذي توقف هو الالتزام بالواجب الوطني الذي يقتضي الالتزام بإجماع كل القوى الوطنية في وثيقة الوفاق الوطني لمواجهة الحصار و التحديات العالمية المفروضة على الشعب الفلسطيني. – وان الذي توقف هو عدم الخضوع لسيف الاشتراطات الإسرائيلية والأمريكية فيما يتعلق بالربط بين تشكيل الحكومة والإفراج عن الأسير شاليط .

وإضافة الى ما سبق أعطى حجم التنازلات التي قدمتها حماس على طاولة الحوار في سبيل إنضاج حكومة الوحدة إيحاء خادعا الى حركة فتح بان ما تقدمه حماس ربما هو نابع من ضعف بالتالي مارست فتح الإستراتيجية التفاوضية القائلة بان الخصم إذا أبدى أي تنازل فعليك بالاستمرار في الضغط عليه للحصول على المزيد، وهو بالضبط ما مارسته إسرائيل على المفاوضين الفلسطينيين طوال السنين العجاف لمهزلة التفاوض.

وانطلاقا من هذه الإستراتيجية انزلقت فتح من أعلى المسار وانقلبت حركة فتح عمليا على كل التفاهمات السابقة مع حركة حماس وهو وما أثبتته المحاضر لمفاوضات حكومة الوحدة ، ما أوصل كل مخاض الحوارات الطويلة السابقة إلى الاكتشاف أن ذلك كان مجرد حمل كاذب.

فقد اتفق الطرفان – فتح وحماس- برعاية ووساطة مصطفى البرغوثي وزياد أبو عمر على النقاط الخمسة التالية والتي انقلبت عليها حركة فتح: – أن توزع المقاعد الوزارية بناء على حجم كل فصيل في المجلس التشريعي، وهنا تنازلت حماس فعدد المقاعد الوزارية التي حازتها فتح يفوق حجمها في المجلس التشريعي.

– تقوم الفصائل كل حسب نسبته في التشريعي بتسمية وزرائها للحكومة، على أن يكونوا من ذوي الكفاءة والنزاهة، وأن لا يكونوا رموزا في تنظيماتهم أو لونهم التنظيمي صارخ ، إلا أن حركة فتح أصرت على النظر إلى الأمور من النظارة الحزبية القاصرة وانقلبت على هذا الشرط ووضعت فيتو على مرشحي حماس، وتجلى ذلك في رفض الرئيس عباس لترشيح حماس للدكتور باسم نعيم لرئاسة الوزراء بزعم عدم توفر الكيمياء بينه وبين الرئيس عباس، ومنذ متى كان تولي المراكز العليا في أي كيان يسعى للتوحد والخلاص من الحصار والاحتلال خاضع للمزاجات والكيمياء الشخصية للرئيس.

– وما يزيد الطين بلة إصرار حركة فتح التي يقودها ويقود الحوار عنها الرئيس عباس على الاستئثار بتسمية الوزراء لأهم حقائب وزارية كالمالية والخارجية والداخلية والإعلام، ورغم أن الأكثرية التي تتمتع بها حماس في الحكومة وفي المجلس التشريعي يمنحان حماس حق تسمية مرشحيها للوزارات الأربع، إلا أن حماس وحرصا منها على إنجاح حكومة الوحدة وحرصا منها على تقوية أوراق الرئيس في تسويق الحكومة، تنازلت عن اثنتين منها لحركة فتح، إلا انه يبدو أن حركة فتح تريد الجمل بما حمل، وهذا ما تفسره أقوال عزام الأحمد الذي طالب باستقالة حكومة هنية وإطلاق يد الرئيس في تكليف رئيسا للوزراء ثمنا لرفع الحصار الذي ساهمت في استمراره .

حتى الآن كل فصائل المنظمة التي رفضت المشاركة في حكومة الوحدة التي دعت إليها حماس فور فوزها في الانتخابات. -كما تمثل الانقلاب أيضا برفض الرئيس عباس وحركة فتح لمرشحين للحقائب الوزارية شغلوا حقائب وزراية في حكومات فتح السابقة، لمجرد أن حماس قامت بتسميتهم. وكانت قمة المهزلة أن يخرج علينا السيد عزام الأحمد وعدد من الناطقين باسم فتح بكذبة كبيرة مفادها أن حركة فتح لا تريد أي حقيبة وزراية وأنها ترضى بحقيبة وزير دولة فقط، وهذا تنقضه الوقائع التي تقول أن فتح تريد كل الحكومة، وان تقود هي الحكومة، وان تكون هي صاحبة القرار فيها، وان تكون حماس والفصائل الأخرى فيها مجرد ديكور ثمنا لرفع الحصار، أي بمعنى آخر تريد فتح أن تقطف ثمار فوز حماس في الانتخابات التشريعية، ذلك أن حركة لا تؤمن بالشراكة السياسية المتوازنة كمدخل أساسي لحكومة الوحدة الوطنية، ولا تؤمن إلا بالتفرد، ويثبت ذلك امتناع حركة فتح طوال السنوات الطويلة الماضية عن تفعيل اتفاق القاهرة لجهة مشاركة حماس والجهاد الإسلامي فيها.

– وانطلاقا من الالتزام بالاشتراطات الخارجية انقلبت حركة فتح على اتفاقها مع حماس على أن تكون حكومة الوحدة الوطنية ثمنا لرفع الحصار وللإفراج عن الوزراء والنواب ورؤساء البلديات المعتقلين في سجون الاحتلال، وبقدرة قادر أصبحت فتح برئاسة عباس تريد حكومة قادرة على رفع الحصار وليس حكومة تكون ثمنا لرفع الحصار.

أي بمعنى آخر يبدو أن حركة فتح تريد فقط التخلص من حكومة هنية ولا تريد الوصول بصدق إلى حكومة وحدة وطنية. ورغم ذلك يواصل الناطقون باسم فتح بالخروج علينا بتصريحات لا تنم إلا عن استهتار بالعقل والوعي الفلسطيني تتهم حماس بأنها هي حجر العثرة في طريق حكومة الوحدة، متناسين أن حركة فتح هي التي تنقلب على وثيقة الوفاق الوطني التي هدد الرئيس عباس باللجوء إلى الاستفتاء لإجبار حماس على الموافقة عليها.

وهنا يتضح لب المشكلة وهو أن سر الخلاف ليس على اسم رئيس الحكومة، أو على أسماء الوزراء وانتماءاتهم، بل سر الخلاف هو على البرامج والرؤى والاستراتيجيات لحل الصراع مع إسرائيل، فبرنامج كل من فتح وحماس يسيران في خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، ولا يمكن أن يوحدهما إلا مصلحة الوطن، وإلا دماء الشهداء وأشلاء الأطفال وآلام الجرحى ولوعة الثكلى وحرمان الأسرى من الحرية.

ولأجل هذا وغيره يجدر بنا كفلسطينيين بغض النظر عن الفصائل ومسمياتها، وعن المناصب وبروتوكوليتها أن لا يمارس طرف الضغط على طرف آخر كي يبقى لدينا بعضا من هذا الضغط باتجاه الاحتلال بما يكفل رد عدوانه، كما يجدر بالجميع التخلص ولو مؤقتا من العباءات الفصائلية الضيقة التي تكاد تخنقنا وتئد أحلامنا وتقضي على ما بقي فينا من أمل، وان نغلب لمصلحة الوطنية العليا كمدخل لا بد منه للوصول إلى التوافق الوطني المطلوب لإنجاب حكومة وحدة وطنية قادرة على الحياة والاستمرار .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات