مسيرات العودة تربك حسابات إسرائيل
مع انطلاق الدعوات لمسيرات العودة الضخمة والتي أطلقها ناشطون من غزة، بدعم العديد من التنظيمات فيها، بدأت “إسرائيل” والتي حاولت تجاهل الموضوع في البداية، والتقليل من شأنه، والاستعداد من أجل الوقوف بوجه تلك المسيرات، على المستويين السياسي والأمني.
فمن الناحية السياسية، بدأت “إسرائيل” تتحدث عن عدم تحمّلها للحصار المفروض على قطاع غزة، في إشارة واضحة، إلى أنّ المسؤولية عن ذلك، تتعلق بالانقسام الفلسطيني الداخلي، وحاولت تجميل صورتها ببعض الدعوات التي طالبت بضرورة تحسين الوضع الإنساني لسكان القطاع المحاصر، في ظل دعوات أخرى سياسية أيضاً، بضرورة استخدام القوّة، أو شن حرب جديدة لردع القطاع.
الجانب الأمني، والذي إلى الآن، لم يعلن عن خطته لمواجهة تلك المسيرات، أعلن عن إجراءات عادية قد تتناسب مع أعداد من المتظاهرين اعتادت “إسرائيل” مواجهتهم، أي الحديث في أحسن الأحوال عن بضع آلاف، وفق ترجيحات بعض القوى الأمنية، وبعض التقارير الإعلامية، الأمر الذي سيجعل المستوى الأمني في مأزق في حال كانت الأعداد ضخمة، وامتازت بالطابع السلمي، الأمر الذي من غير الواضح كيف ستتعامل معه “إسرائيل”، خاصة أنّ الحدث سيحظى بتغطية إعلامية كبيرة.
بعيداً عن طبيعة الإجراءات الإسرائيلية، والتي في الغالب تتميز بالقمع، والمواجهة بالقوّة، إلّا أنّ هذه السلسلة من المسيرات لها طابع خاص ومميز، حيث من الناحية التكتيكية هي تغيير استراتيجي في طبيعة مواجهة العدو، حيث ستُساهم هذه المسيرات في إرباك حسابات المنظومة السياسية والأمنية الإسرائيلية، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: من الناحية الدعائية، تُمثل هذه المسيرات أمام العالم، مطالبة بحق طبيعي ومشروع، تقرّه غالبية مواثيق الأمم المتحدة، المنحازة إلى “إسرائيل”، والأهم من ذلك، تتبناه غالبية الشعوب، وتتعاطف معه جموع كبيرة في العالم، الأمر الذي سيضع “إسرائيل” في مأزق حقيقي في ظل التغطية الإعلامية.
ثانياً: تعيد هذه المسيرات، قضية اللاجئين إلى مركزية التغطية، ويأتي ذلك في ظل التراجع العام للقضية الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه، التشويش على العديد من المشاريع التي تهدف إلى القضاء على الحق الفلسطيني بالعودة، مشاريع تتبناها وللأسف بعض الأطراف العربية.
ثالثاً: من الناحية الأمنية قد تُشكل المسيرات تهديداً أمنياً على “إسرائيل”، حيث ترى قوى الأمن أنّ إمكانية قيام بعض المتظاهرين باختراق السياج والاحتكاك مع الجنود، قد يؤدي إلى مخاطر أمنية، رغم أنّ منظمي المسيرات أعلنوا سلميتها.
رابعاً: المسيرات ستُمثل، وضع “إسرائيل” في زاوية الاتهام وحدها فيما يتعلق بقضية حصار غزة، وتحمّل تبعية الواقع المُعاش فيها، وهذا يُعد إنجازاً كبيراً للفلسطينيين، من حيث إبقاء بوصلة المواجهة مع الاحتلال فقط.
هذا إلى جانب أنّ “إسرائيل”، تعد أنّ تصاعد الأحداث في غزة، ربما يُساهم في زيادة العمليات الفردية في الضفة الغربية، والتي باتت روتيناً متصاعداً خلال العامين الأخيرين، الأمر الذي سيجعل الاحتلال في مواجهة جبهتين، إحداهما يُمثل تهديداً عسكرياً مؤثراً، وفق ما تصدره المنظومة الأمنية الإسرائيلية عن المقاومة في غزة، فيما التهديد الثاني متمثل، بالمواجهة التي باتت على شكل استنزاف في الضفة الغربية، استنزافٌ فكري، لفكرة الأمن الذي يحظى به المشروع الصهيوني في الضفة، إلى جانب تشكيله تهديداً أمنياً مستمراً، ذي موجات غير مضبوطة، تجعل أمر مواجهته صعباً.
وحول الرؤية الإسرائيلية للمواجهة، فإنّ “إسرائيل” من المتوقع أن تعمل على جبهات مختلفة، أولاها الجبهة الدعائية، الموجهة للعالم، بتكثيف دعايتها التي تتهم حماس بتحمّل سوء الواقع المعاش في قطاع غزة، وعلى أنّها من تتحمل عدم وصول المساعدات للغزيين، في ظل استغلالها الملايين وفق ادعاء الاحتلال من أجل بناء قوّتها العسكرية.
ثانيها، ستقوم “إسرائيل” بالعمل على إيصال رسائل مباشرة للمواطنين في غزة، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وربما إلقاء المنشورات الورقية على الأرض، ليلتقطها السكان، تحمل تلك المنشورات بطبيعة الحال تهديدات متنوّعة، وتحميل المسؤولية عن الحصار للفلسطينيين أنفسهم.
الأمر الثالث، ستعمل “إسرائيل” على التواصل مع القيادة المصرية وربما غيرها، من أجل التواصل مع حركة حماس، ومحاولة منع تلك المسيرات، وربما اللعب على وتر استعدادها تخفيف الحصار، أو إجراء مفاوضات جادّة، أو إيصال رسائل مفادها أنّ تنظيم هذه المسيرات، ربما سيدفع “إسرائيل” لحرب جديدة على القطاع، وقد يكون هذا التكتيك الإسرائيلي للتسويف وتمرير فترة إحياء الفلسطينيين لذكرى نكبتهم السبعين.
ختاماً، “إسرائيل” تنظر بعين الخطورة لتلك المسيرات، لما فيها من تهديد أمني حقيقي، إلى جانب تشكيلها دعاية، تُقارن ما بين ما تقوم به “إسرائيل” على الأرض، وما بين المحارق النازية، وعلى الرغم من عدم بلّورتها استراتيجية مواجهة تلك المسيرات إلى الآن، إلّا أنّ السلوك الإسرائيلي المعتاد المتميز بالقمع، قد يدفعها لشن حرب جديدة على القطاع، إلى جانب استهداف المتظاهرين بالرصاص الحيّ، في حال فشل تفريقهم بالطرق الاعتيادية.
معركة الوعي تتطلب جهداً كبيراً، والتفكير خارج الصندوق في مواجهة الاحتلال، والأخذ بعين الاعتبار تأثير الساحة العالمية على الاحتلال وكشف سوأته، هو من أكثر ما يزعج “إسرائيل”، ومن أفضل ما يُحسب للمقاومة في قدرتها على تغيير تكتيها ضمن استراتيجيتها الواضحة في إنهاء الاحتلال.
……………………………………………………………
مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام زفّت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، شهداء طولكرم الذين ارتقوا أمس السبت، بعد أن خاضوا اشتباكًا مسلحًا...
الدويري يتوقع عمليات للمقاومة ستجبر الاحتلال على الانسحاب من غزة كما حدث في 2014
عمان - المركز الفلسطيني للإعلام صرّح الخبير العسكري والإستراتيجي، اللواء فايز الدويري، أنّ استمرار عمليات قوت المقاومة ستجبر جيش الاحتلال على...
وقفة احتجاجية في أم الفحم للمطالبة بتحرير جثمان الشهيد وليد دقة
أم الفحم - المركز الفلسطيني للإعلام شارك العشرات من الفلسطينيين، اليوم السبت، في وقفة احتجاجية على الدوار الأول في مدينة أم الفحم، للمطالبة بتحرير...
ارتقاء 5 شهداء في مجزرة الاحتلال بدير الغصون شمال طولكرم
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت مصادر محلية في طولكرم أنّ 5 شهداء ارتقوا في بلدة دير الغصون شمال طولكرم، نتيجة استهداف قوات الاحتلال للمنزل...
أنصار الله: سنستهدف السفن المتجهة لإسرائيل في البحر المتوسط
صنعاء - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت جماعة أنصار الله، اليوم الجمعة، بدء المرحلة الرابعة من التصعيد، وتشمل استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ...
فرنسا توقف الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة وتمنعه من دخول البلاد
باريس - المركز الفلسطيني للإعلام منعت السلطات الفرنسية، اليوم السبت، الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، من دخول البلاد، حيث كان من المفترض أن يتحدث أمام...
بعد 15 ساعة من الحصار.. قوات الاحتلال تنسحب من دير الغصون شمال طولكرم
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، ظهر اليوم، من بلدة دير الغصون شمالي مدينة طولكرم، بعد 15 ساعة من العدوان والحصار....