القدس .. المكان والقيمة .. عنوان الصراع ورافعته أيضاً

لم يكن من باب الصدفة أن جزءاً مهماً من أسباب تعطل عملية التسوية الحالية كان تواصل وتصاعد الإجراءات الإسرائيلية في القدس، من ضم وتهويد ومحاصرة ومحاربة الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة. الأزمة الأولى في عملية التسوية في عهد حكومة نتنياهو تمثلت بفتح السلطات الإسرائيلية نفقاً تحت أساسات المسجد الأقصى في أيلول/ سبتمبر من العام 1996، ثم جاء قرار الاستيطان في أبو غنيم الذي كان سبباً مباشراً في توقف عملية التسوية منذ آذار/ مارس العام الماضي، وجاء القرار الإسرائيلي الأخير بتوسيع الحدود البلدية لمدينة القدس إلى ما يوازي أضعاف مساحتها الحالية ليعمق من الأزمة الناشئة حول الخلاف على نسبة إعادة الانتشار في الضفة الغربية .
والنظرة الفاحصة لعوامل الصراع العربي _ الإسرائيلي تؤكد أنها أبعد وأعمق من مجرد السعي للسيطرة على القدس، بل أبعد من القضية الفلسطينية نفسها، إذ أن مظاهر العدوان ومحاولات الهيمنة الإسرائيلية لا تقتصر على الإطار الجغرافي الفلسطيني، وإن اتخذت منه نقطة ارتكاز وانطلاق، مثل المحاولات الإسرائيلية المستمرة لإضعاف ومحاصرة بعض الدول العربية اقتصادياً وسياسياً، وعلى الصعيد الفلسطيني تحديداً، فإن عنوان الصراع والخلاف هو أحقية هذا الشعب في أرضه ووطنه وأن تكون له سيادة واستقلال عليها، والقدس ليست إلا جزءاً من هذه الأرض .
ومع الإقرار بالحقيقة السابقة، إلا أن الملاحظ أن قيمة القدس وأهميتها في الإطار العربي والإسلامي بقيت على حالها على خلاف قيمة بقية الأراضي الفلسطينية في ظل وجود قناعات ليست في الإطار الرسمي فقط، ولكن أيضاً في الإطار الشعبي تقبل بجزء من الأرض الفلسطينية (1967) أو حتى بجزء من هذه الأخيرة، بعد عقود طويلة من الصراع أوجدت حالة من اليأس من إمكانية استعادة كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذه الحال تكاد تكون مشابهة لدى الطرف الإسرائيلي وإن اختلفت الصورة بين صاحب الحق والمعتدي. بل إن هذا الأخيرة متقدم في تصوراته ومواقفه بالنسبة إلى القدس على صاحب الحق، إذ أن هناك إجماعاً من أقصى يمينه إلى أقصى يساره على اعتبار القدس عاصمة أبدية وموحدة للدولة العبرية، فيما ينقسم الطرف العربي إلى قسمين رئيسين، شعبي لا يفرق بين قدس شرقية أو غربية ويطالب بالقدس كاملة، ورسمي يطالب بالجزء الشرقي من المدينة المحتلة عام 1967 توافقاً مع قرارات الشرعية الدولية .
لذلك اكتسبت القدس أهمية جديدة في ظل اتفاقات التسوية، واستمرت في إذكاء عوامل الصراع والخلاف بين الطرفين الإسرائيلي والعربي، بعد أن استعصت على بدائل الحل الإسرائيلي التي لا تقبل بأكثر من قدس موهومة جديدة للفلسطينيين في العيزرية وأبو ديس القريبتين، وشأنها، شأن القضية الفلسطينية، فإن مشكلة القدس تبدو مستعصية على الحل، على الرغم من محاولات اتفاق أوسلو تفكيك عناصر الصراع وتجزئتها، حيث أسفرت محاولات حزب العمل لإيجاد حلول تحافظ على وضعها الحالي مع إرضاء الفلسطينيين بـ”قدس جديدة” وإعطائهم مجالاً لإدراج الأماكن المقدسة فيها ورفع العلم الفلسطيني عليها، إلى خلخلة الوضع الشعبي لهذا الحزب، ما أدى إلى سقوطه بعد فشله أيضاً على الصعيد الأمني وهذا يؤكد أن الطرف الإسرائيلي لا يبدي أي ليونة تجاه هذا الموضوع، ولا يتجاوب مع التنازل العربي بالمطالبة بالشطر الشرقي من المدينة فقط، كما أن الوضع الذي آلت إليه عملية التسوية، يهيئ الأجواء أكثر لتفاعل شعبي عربي وإسلامي ضد الخطوات الاستفزازية الإسرائيلية، ويزيد من إضعاف الموقف الرسمي العربي العاجز عن وضع حد لهذه الخطوات والمستمر في التمسك بتسوية تتيح للطرف الإسرائيلي الاستمرار في هذه الاستفزازات من دون حسيب ولا رقيب .
ويبدو أن استعصاء مشكلة القدس غير مرتبط بنوعية الحكومة الإسرائيلية، إذ أن الاستيطان الإسرائيلي فيها سيستمر، خصوصاً وأن مخططات الاستيطان في أبو غنيم وتوسيع الحدود البلدية للمدينة لم تواجه معارضة من حزب العمل الذي اكتفى بنقد توقيت الإعلان عن هذه المخططات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الموقف من السيادة الإسرائيلية التامة عليها، ولذلك سيبقى الصراع في القدس مستمراً وسيزيد من سخونة الخلافات بين الطرفين العربي والإسلامي حول القضايا الأخرى في المرحلتين الانتقالية والنهائية .
الخلاف على القدس سيكون أحد المعالم المهمة في أزمة عملية التسوية، وستكون القدس الرافعة الأساسية لمواقف العرب تجاه إسرائيل ومشروعها التوسعي، وطالما أنه لا يوجد أي أمل بتراجع الموقف الإسرائيلي، فإن على الطرف العربي أن يعيد صياغة استراتيجية مواقفه من القدس، ويرفع من مطالبه باتجاه التمسك بالقدس الموحدة عاصمة للدولة الفلسطينية، وعدم القبول بتجزئتها وتفتيتها، خصوصاً أن اتفاق أوسلو الذي استند إليه العرب لتحصيل الشطر الشرقي من المدينة لم يعد موجوداً على أرض الواقع، وأن الطرف الإسرائيلي لن يغير موقفه تحت أي ضغط دولي باتجاه القول بهذا المطلب العربي المتواضع .
الحياة اللندنية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...

صحة غزة: حصيلة حرب الإبادة ترتفع إلى 52,576 شهيدًا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت زارة الصحة بقطاع غزة، بأن 32 شهيدًا منهم 9 انتشال، و119 إصابة وصلت مستشفيات القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية....

مستوطنون يحرقون محاصيل قمح في سهل برقة بنابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام أحرق مستوطنون متطرفون، مساء اليوم الاثنين، على إحراق أراضٍ زراعية مزروعة بالقمح في سهل برقة شمال غرب مدينة نابلس...