السبت 10/مايو/2025

الخطة الأمريكية لإغاثة غزة.. مساعدة إنسانية أم تقنين للحصار؟

الخطة الأمريكية لإغاثة غزة.. مساعدة إنسانية أم تقنين للحصار؟

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

مع استمرار الحصار الخانق وإغلاق المعابر على سكان غزة للشهر الثالث على التوالي، ما أدى إلى دخول القطاع في حالة مجاعة غير مسبوقة، أدت إلى استشهاد العشرات، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريح له مساء الخميس الماضي، يُبشّر بأن مشكلة منع المساعدات الإنسانية عن سكان غزة أوشكت على الانتهاء، وذلك ضمن خطة أمريكية شاملة.

تعهدات الرئيس الأمريكي بإغاثة سكان القطاع قوبلت بشكوك حول الأهداف الحقيقية من وراء تلك الخطوة، بيد أنه كان -ولا يزال- الداعم الأول لحكومة الاحتلال في ارتكاب الإبادة الجماعية منذ توليه منصبه في البيت الأبيض، وذلك بعد أن توعّد الشعب الفلسطيني بفتح أبواب الجحيم عليه إذا لم تطلق المقاومة سراح الأسرى الإسرائيليين، الأمر الذي يتعارض مع هذا التعاطف الذي أبداه مؤخرًا تجاه الشعب المحاصر في قطاع غزة.

وبينما ينتظر أكثر من مليوني فلسطيني داخل القطاع أية انفراجة -ولو جزئية- تخفف عنهم عبء هذا الحصار تحت أي عنوان، أكد مراقبون أن هذه الخطوة لا تعكس تقدمًا في هذا الملف بقدر ما تمثل إدارة للحصار على الطريقة الأمريكية، في سياق تنفيذ التضييق على الفلسطينيين بهدف تهجيرهم إلى خارج القطاع.

وثيقة ويتكوف

صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية قالت يوم الخميس الماضي، إنها حصلت على وثيقة مكونة من 14 صفحة قدمها ستيف ويتكوف، يوم الأربعاء، خلال جلسة مغلقة في مجلس الأمن، تتضمن مبادرة كبرى جديدة لقطاع غزة باسم “صندوق المساعدات الإنسانية لغزة”، مشيرة تعرُّض ويتكوف -خلال الجلسة- لهجوم حاد من قبل سفراء، بعد اتهامات دولية لإسرائيل بأنها تتسبب بتجويع سكان غزة.

وأوضحت الصحيفة أن “صندوق المساعدات يشمل إقامة أربعة مراكز توزيع في جميع أنحاء قطاع غزة، كل مركز سيخدم ما يصل إلى 300,000 شخص كمرحلة أولى، مع خطط للتوسع لاحقا لخدمة ما يصل إلى مليوني شخص”.

وتابعت: “جاء في الوثيقة أن التوزيع سيتم عبر قنوات مؤمنة، دون أي تواجد عسكري إسرائيلي، وتحت إشراف مباشر من فرق تأمين وسلامة مستقلة، سيتم توزيع المواد “طرود غذائية، مستلزمات نظافة، أدوية ومياه” وفقًا للاحتياج فقط وبدون أي تمييز”.

وبينت الصحيفة: “يتم التخطيط لتوفير صناديق غذائية للأسر الفلسطينية بتكلفة 65 دولارًا للصندوق الواحد والتي تتضمن 50 وجبة كاملة في صندوق عائلي، وكل شخص سيحصل على وجبة تحتوي 1750 سعرة حرارية بمبلغ 1.31 دولارا”.

“آلية جديدة”

وكان السفير الأمريكي لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، قد صرح بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “يريد أن يتم توزيع الغذاء في غزة بأمان وكفاءة”، معلنًا عما أسماها “آلية جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية لا تعتمد على العمل العسكري”.

وقال السفير الأمريكي في تصريحات أمس الجمعة: “هناك حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية في غزة وحماس غير قادرة أو غير راغبة في توفيرها”، مشيرًا إلى أن عددًا من الشركاء اتفقوا على آلية لتوزيع المساعدات على غزة.

وبين أن شركات أمن خاصة ستكون مسؤولة عن ضمان سلامة العاملين وتوزيع الغذاء، مؤكدًا أن إسرائيل لن تكون طرفًا في توزيع المساعدات في غزة وستكون مشاركتها أمنية.

ولم يذكر السفير أسماء الشركاء الذين سيشاركون في توزيع المساعدات بغزة، ملمحًا إلى أنه “سيتم الكشف عن المزيد من التفاصيل في الأيام المقبلة وستكون هناك مشاركة من منظمات غير ربحية”.

وتابع: “بعض الشركاء تعهدوا بالتمويل ولا يريدون الكشف عن هوياتهم حتى الآن”، لافتًا إلى أن العملية ستبدأ قريبًا.

انتهاكات ومخاطر

من جهته أكد الباحث والصحفي المتخصص في الشؤون السياسية، وسام عفيفة، أن الخطة الأمريكية – الإسرائيلية المعنونة بـ”مؤسسة غزة الإنسانية (GHF): مساعدات آمنة وشفافة لغزة” تُقدم نموذجًا جديدًا لتوزيع المساعدات، لكنها تحمل بين طياتها جملة من المخاطر القانونية والإنسانية التي تتعارض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، رغم الزعم بالتقيد بها.

وبين عفيفة في منشور على حسابه في منصة “إكس” أن الخطة لها ملامح ومخاطر وإنسانية، وكذلك تتضمن انتهاكات قانونية متوقعة، وذلك على النحو التالي:

أولاً: أبرز ملامح الخطة
1- توزيع المساعدات من خلال 4 مواقع مركزية جنوب القطاع مؤمنة (SDS) تخدم في مرحلتها الأولى 1.2 مليون فلسطيني، مع نية للتوسيع إلى أكثر من 2 مليون.
2- تدار من قبل فريق أمريكي/غربي يضم مسؤولين سابقين في الجيش الأميركي، USAID، والهيئات الأمنية، مثل LTG Mark Schwartz، وهو ما يعكس الطابع العسكري المهيمن على الخطة.
3- شراكات مع بنوك وشركات كبرى مثل JP Morgan وTruist، وطلب إشراف قانوني من مؤسسات غربية كبرى، لتأكيد “الشفافية”.
4- إقصاء المؤسسات الفلسطينية المحلية والدولية مثل الأمم المتحدة من عملية التوزيع والتنفيذ، واعتماد شركاء خارجيين فقط.

ثانيًا: المخاطر الإنسانية
1- نزع السيادة والوكالة من الفلسطينيين: الفلسطينيون لا يشاركون في إدارة أو تخطيط المساعدات، ما يرسخ نمط “الإغاثة بدون كرامة”.
2- إضعاف المجتمع المدني المحلي، والمؤسسات الدولية ومنعها من لعب دورها الإنساني والتمثيلي، ما يعمّق الاعتماد على الفاعلين الدوليين الخارجين عن السياق الوطني أو الأممي.
3- التمييز في الوصول للمساعدات: رغم الزعم بالحياد، فإن وجود تنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي (COGAT) يُخضع عملية التوزيع لقيود أمنية وسياسية قد تُمنع فيها مناطق أو فئات معينة من الاستفادة.

ثالثًا: الانتهاكات القانونية المتوقعة
1- انتهاك مبدأ الحياد والاستقلال: التنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، واعتماد مسارات محددة عبر موانئ مثل “أشدود” و”كرم أبو سالم”، يجعل المساعدات أداة بيد المحتل، ويُفقدها صفتها الإنسانية المحايدة.
2- خرق مبدأ “الاحتياجات كأساس للتوزيع”: الخطة تعتمد على “المراقبة الأمنية” والتحكم في مواقع التوزيع، وهو ما قد يُقصي من هم في أشد الحاجة للمساعدات إذا لم تتوفر فيهم شروط “الأمان”.
3- تقنين الحصار بدل رفعه: تقديم المساعدات ضمن آليات مشروطة وتحت رقابة الاحتلال يُشكل تطبيعًا مع الحصار، لا كسره أو إدانته، وهو ما يُخالف القانون الدولي الذي يُلزم قوة الاحتلال بتأمين حاجات السكان دون شروط.

ولخّص عفيفة شرحه للمخطط الأمريكي بالقول إنه: “رغم ما تُعلنه الخطة من أهداف إغاثية، إلا أن بنيتها التنفيذية، وتحييد الفلسطينيين عنها، واعتمادها الكامل على أطراف هجينة منسقة مع الاحتلال، يجعلها في جوهرها إعادة صياغة للحصار تحت غطاء إنساني. إنها خطة تُهدد بتجريد السكان من حقهم في تقرير مصيرهم الإنساني، وتحويل الغذاء إلى أداة إذلال سياسي وأمني، بما يتعارض بوضوح مع روح ونصوص القانون الدولي الإنساني”.

“مناورة لتغليف الحصار”

وبدوره قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأمريكية ‑ الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة في غزة إلى شركات دولية ليست مشروعًا إنسانيًا، بل مناورة مدروسة لإعادة تغليف الحصار، وتقنين التجويع، وتحويل الطعام إلى أداة قهر تمهّد لاقتلاع السكان من أرضهم.

وأوضح عبده في تعليق على حسابه على منصة “إكس”، الخميس، أن الخطة يُديرها عسكريون أمريكيون سابقون ومنظمات إغاثة خاضعة للرقابة المشددة، وتُنفَّذ من خلال مراكز توزيع في مواعيد محددة، دون أي دور للفلسطينيين أنفسهم، واصفًا ذلك بأنه “انتهاك صارخ لواجب إدخال المساعدات بشكل فوري وفعّال ودون عوائق، كما يُقرّه القانون الدولي”.

وتابع: “الهدف ليس الإغاثة، بل فرض السيطرة، وكسب الوقت لصالح إسرائيل، وتوسيع قبضتها العسكرية على الأرض، وإجبار السكان على النزوح عبر إنهاكهم وتجويعهم وتحويلهم إلى أرواح منهكة وبطون جائعة تنتظر وجبة أسبوعية”.

وطالب عبده بالسماح العاجل والفعّال بإدخال الاحتياجات المعيشية ومقومات النجاة بما يضمن حياة كريمة للسكان يستطيعون من خلالها بناء مستقبلهم على أرضهم، وهم أثبتوا على مدار التاريخ تميزهم وقدرتهم على صناعة الحياة وخدمة البشرية جمعاء.

وختم بقوله: “الشعب الفلسطيني ليس مشاريع شفقة. لا يريد صدقات مُذلّة، بل يطالب بحقه الكامل في الحياة والحرية والكرامة، والبقاء على أرضه”.

عسكرة المساعدات

بدوره قال الدكتور باسم نعيم، وزير الصحة الأسبق، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن الخطة الأمريكية المقترحة لتوزيع مساعدات غزة “ليست بعيدة عن التصور الإسرائيلي لعسكرة المساعدات”.

وأضاف نعيم، في تصريحات صحفية، أمس الجمعة، أن الإدارة الأمريكية معنية بأي خطوة لتحسين صورتها في المنطقة قبل زيارة ترامب للمنطقة، محذرًا الأطراف المحلية “من أن تتحول لأدوات في مخططات الاحتلال”.

وقال القيادي في “حماس” إن “حق شعبنا في الحصول على طعامه وشرابه ودوائه ليس محل تفاوض”.

وتابع: “على إسرائيل القيام بواجباتها باعتبارها دولة احتلال حتى لو تصرفت ككيان مارق”، مؤكدًا أن محاولات الاحتلال وداعميه لكسر إرادة شعبنا بالتجويع والحرمان من الدواء فشلت فشلًا ذريعًا.

وتفشت المجاعة في قطاع غزة بأبشع صورها، بعد 69 يومًا على إغلاق الاحتلال معابر غزة ومنعها إدخال المساعدات والبضائع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات