خطة احتلال غزة.. مغامرة إسرائيلية تواجه تحديات داخلية ومقاومة لا تستسلم

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
تصريحات عدة أصدرها مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بشأن خطة إسرائيلية جديدة لاحتلال قطاع غزة بالكامل، تمهيدًا لتنفيذ مخطط التهجير الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأصرّ حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية على ضرورة تبنيه والمُضيّ في تنفيذه.
هذه التصريحات لاقت جدلا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية، حول الجدوى من ورائها، وما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق أيٍّ من أهدافها العسكرية من خلال توسيع عدوانها على قطاع غزة، أم أن الأمر لا يتعدى تحقيق أهداف سياسية لصالح نتنياهو وحكومته اليمينية.
من ناحية أخرى شكك مراقبوان من إمكانية قدرة الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ ما اعلنته من مخطط احتلال غزة، مؤكدين أنه ربما يحقق أهدافًا جزئية من خلال تكثيف العدوان وتهجير عدد كبير من السكان، إلا أن المقاومة في غزة لا يمكن كسرها وأنها متجذرة في البنية الفلسطينية، وليس فقط في حركة حماس، ما يؤكد أن الفاتورة التي سيدفعها الاحتلال ستكون باهظة، وفي النهاية لن يبلغ شيئًا من أهدافه، حسب مراقبين.
وفي التفاصيل صدّق المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، بالإجماع، على خطط الجيش الإسرائيلي لتوسيع عمليته البرية في قطاع غزة تمهيدًا لاحتلاله، وذلك بالتزامن مع إعلان جيش الاحتلال استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، في مؤشر واضح على أن العملية المقبلة قد تكون الأوسع نطاقًا منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووفق تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فإن المرحلة المقبلة “تختلف عن سابقاتها”، إذ أشار إلى نية الجيش “الانتقال من أسلوب الاقتحامات إلى احتلال الأراضي والبقاء فيها”، ما يعكس تحولًا إستراتيجيًّا في مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
خطة احتلال
بحسب تسريبات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر سياسي في مكتب نتنياهو، فإن الخطة التي عرضها رئيس الأركان إيال زامير، تتضمن أهدافًا معلنة تشمل هزيمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستعادة الأسرى، والسيطرة الكاملة على القطاع.
ومن جهته قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أمس الثلاثاء، إن “غزة ستدمر بالكامل” بعد انتهاء الحرب الجارية منذ أكثر من عام ونصف، وإنه “بعد 6 أشهر لن يكون هناك حماس في القطاع”، مضيفًا أن سكان غزة سيبدأون “بالمغادرة بأعداد كبيرة نحو دولة ثالثة”، بعد أن يتم نقلهم إلى جنوب القطاع.
وزعم سموتريتش أنه بعد 6 أشهر “لن تكون هناك حماس في غزة، نقطة على السطر، لا ككيان فاعل لا عسكري ولا مدني ولا حكومي.. أعتقد أنه خلال بضعة أشهر سنكون قادرين على إعلان انتصارنا بشكل قاطع”.
وفي تصريحات سابقة، للقناة الـ12 الإسرائيلية، الاثنين الماضي، أكد الوزير اليميني المتطرف أن إسرائيل لن تنسحب من قطاع غزة حتى في حال التوصل إلى اتفاق آخر بشأن الرهائن، مضيفًا: “نحن سنحتل قطاع غزة أخيرًا.. سنتوقف عن الخوف من كلمة احتلال”.
كذلك علق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على قرار توسيع العملية البرية واحتلال قطاع غزة، “يجب فعل كل شيء من أجل المحتجزين باستثناء أمر واحد هو تعريض أمة بأكملها للخطر”، وفق وصفه.
وزعم أن احتمال عودة المحتجزين ستزيد إذا خاضت إسرائيل الحرب حتى تحقيق ما وصفه بالنصر المطلق، مضيفًا أن “المساعدة الوحيدة التي يمكن أن تقدم لقطاع غزة هي الهجرة الطوعية”، والتي روج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتبنتها إسرائيل في إطار عملها على تهجير الفلسطينيين.
لا جديد
لكن فعليا، لا تحمل هذه الخطة جديدا نوعيا، إذ تعيد تدوير أهداف الحرب المعلنة منذ 19 شهرا، والتي لم تتحقق رغم استخدام القوة القصوى والحصار، وفق ما أفاد به الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وتطرح الخطة أسئلة جدية عن مدى قدرة إسرائيل على تنفيذ احتلال بري شامل، خاصة مع ما يتطلبه ذلك من موارد بشرية هائلة، وسط تململ داخلي من طول أمد الحرب وارتفاع الخسائر، حسب ما ذكره الموقع الإلكتروني “واللا”.
وتساءل المراسل العسكري للموقع، أمير بوحبوط، “هل يمتلك الجيش الإسرائيلي العدد الكافي من الجنود لتنفيذ خطة بهذه التكلفة؟ وهل قوات الاحتياط، التي تستدعى من جديد، قادرة على الصمود في حرب استنزاف طويلة ومعقدة في بيئة حضرية كغزة؟”.
ويتابع، “التساؤل الأكثر حساسية هو بشأن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس: هل يشير التحول إلى الاحتلال والبقاء إلى أن نتنياهو مستعد للمجازفة بمصيرهم؟ خاصة أن مثل هذا السيناريو قد يدفع حماس إلى تبني خيارات قصوى، ما يعني احتمال التضحية بهم ضمن حسابات سياسية أوسع”.
خسائر فادحة
وعلى صعيد القوى البشرية، يعتقد المراسل العسكري بوحبوط أن السيطرة على كامل غزة تتطلب قوة برية هائلة، وخسائر محتملة في صفوف الجيش، لا سيما مع تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية واستخدامها أساليب حرب الشوارع والأنفاق، ما يجعل من القطاع “فخًّا متفجرًا” لأي قوات تحاول فرض سيطرة كاملة.
توسيع العملية البرية في غزة ليس مجرد تصعيد عسكري، بل هو محاولة سياسية لإعادة رسم واقع القطاع بالقوة، مع ما يحمله من مخاطر إنسانية وجيوسياسية هائلة، بحسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
ويرى محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، عاموس هرئيل، أن هذه الخطوة تصعيد مفتوح الأمد، يحمل أبعادًا تتجاوز الميدان العسكري، ويتقاطع مع مخططات التهجير القسري لغزة، سواء عبر الدفع نحو الجنوب أو عبر سيناريوهات ضغط على مصر لفتح معبر رفح لموجات نزوح.
وبينما يتحدث نتنياهو عن نصر حاسم، قدّر المحلل هرئيل، أن الخطة قد تنزلق نحو مأزق جديد؛ حيث لا نصر واضحًا ولا نهاية قريبة، بينما يدفع المدنيون الغزيون والجنود الإسرائيليون الثمن الأكبر.
في العمليات البرية المحدودة في قطاع غزة خلال 2023 و2024، قُتل أكثر من 600 جندي إسرائيلي، وأصيب الآلاف، وفي حال دخول بري شامل إلى المناطق المكتظة مثل غزة المدينة، والشجاعية، وخان يونس، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى احتمال سقوط آلاف القتلى من الجنود على الأمد الطويل.
تحديات في وجه الاحتلال
وحيال ذلك، أوضحت صحيفة “معاريف” أن جيش الاحتلال يواجه سلسلة من التحديات في حال توسيع عمليات التوغل البري واحتلال القطاع، تشمل تصاعد الهجمات المسلحة، والكمائن، وتفجيرات الأنفاق، و”هي بيئة غير مناسبة إطلاقًا للجيش النظامي، ولخطوط الإمداد، وحماية الآليات الثقيلة داخل المناطق المكتظة، وإدارة الأراضي المحتلة، والاحتكاك اليومي”.
كما أن الجيش الإسرائيلي يحتاج، وفق الصحيفة، إلى نظام حكم عسكري أو مدني بديل داخل غزة إذا ما تم البقاء فيها، وهو أمر لم يُعلن، ما يطرح تساؤلات عن الاستعداد الحقيقي لاحتلال القطاع.
أهداف سياسية أم عسكرية؟
وقال زعيم حزب الديمقراطيين في إسرائيل يائير غولان إنّ الحكومة قررت توسيع العملية العسكرية داخل قطاع غزة ليس للحفاظ على أمن إسرائيل بل لإنقاذ نتنياهو والحكومة المتطرفة، مضيفًا: “على الجيش الإسرائيلي حماية مواطني إسرائيل وليس خدمة أهداف سياسية”.
ومن جهته قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد تعقيبا على خطة إعادة احتلال القطاع، إن حكومة نتنياهو لا تستطيع إدارة أي شيء ولن تكون قادرة على إدارة غزة.
وأوضح لابيد، في مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية، أن نتنياهو زعم في ديسمبر/كانون الأول 2023 أنه على بعد خطوات قليلة من النصر، لكنه الآن يبدأ جولة جديدة من المفاوضات بنفس الحجة.
وحذر لابيد من قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع الحرب في غزة، مشيرًا إلى أن الكيان الإسرائيلي لا يملك ما يكفي من الجنود، وأن ثقة جنود الاحتياط في الكيان سوف تفقد مع مرور الوقت.
وأضاف أن “أحدًا لا يعرف أهداف الحرب ودوافع العودة إلى خانيونس ورفح ومخيمات وسط قطاع غزة، ولم يفشل الضغط العسكري في تحرير الأسرى الإسرائيليين فحسب، بل أدى أيضاً إلى حصرهم في فخ الموت، وهذا على الرغم من أن هناك العديد من المقترحات وأن التوصل إلى اتفاق أمر ممكن”.
عبث إسرائيل ومقاومة لا تُكسر
يقول الأكاديمي في الجامعة الإسلامية في قطاع غزة، الدكتور باسم بشناق: “في خطوة لا تخلو من السخرية، تعلن إسرائيل نيتها احتلال كامل قطاع غزة، وكأنها لم تكن تحتله فعليًّا منذ سنوات”، موضحًا أن “ما تسميه اليوم سيطرة رسمية، هو مجرد اعتراف متأخر بواقع قانوني يحمّلها، بموجب اتفاقيات جنيف، كامل المسؤولية عن حياة وحماية السكان المدنيين وحقوقهم الأساسية في مختلف المجالات”.
وأضاف بشناق في منشور له على حسابه الخاص في “فيسبوك”: “واهمةٌ إسرائيل إن اعتقدت أن مشكلتها تنحصر في حماس، فالمقاومة الفلسطينية لم تبدأ مع حماس ولن تنتهي بها، إنها فعلٌ متجذر في وعي هذا الشعب، ونتاج مباشر لواقع الاحتلال والحرمان من الكرامة والحرية، وطالما بقي الفلسطيني محروماً من حقه في تقرير مصيره والعيش الكريم، فإن المقاومة ستعود، بكل أشكالها: مسلحة، مدنية، أو شعبية”.
ويرى الأكاديمي الفلسطيني أنه “حتى إن نجحت إسرائيل في تفكيك البنية العسكرية وتهجير مئات الآلاف، فإنها ستواجه شعبًا يربو على المليون، يرفض الرضوخ، ويملك مناعة راسخة ضد الإخضاع، وكما فجّر أطفال الحجارة انتفاضة عام 1987، فإن من تبقّى في غزة سيجد طريقه للمقاومة من جديد”.
وأكد بشناق أن الاحتلال، مهما طال، زائل لا محالة، وأن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة هو حق ثابت، لا يُقهر ولا يُلغى، مهما توهمت آلة البطش.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...