غزة في “المجاعة الكاملة”.. عندما يضعف الجسد الهزيل عن صيحة الاستغاثة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
“نفسي أرجع زي ما كنت.. نفسي شعري يطول.. ونفسي أمشطه.. ونفسي أعيش عالمدرسة.. ونفسي أصلي وأنا واقفة”.. لم تخرج تلك الكلمات بسهولة من فم طفلة ذات اثني عشر عامًا، بل كانت كلمات متيبّسة ثقيلة لا تكاد تقدر على نطقها.. تقولها ذوقًا للإجابة على سائلها، إلا أن الأمل في إغاثتها لم يكن باديًا في عينيها.
رهف عياد، طفلة تسكن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، كانت ذات يومٍ مُفعمة بالحيوية والنشاط، وتلعب مع مثيلاتها ممن هم في مثل عمرها سواء في المدرسة أو الحي الذي تقطنه، لكن الحال تبدّل مع ويلات الحرب والنزوح والحصار، وانعدم القوت والغذاء، حتى باتت تعاني من مضاعفاتٍ لم يستطع الأطباء تشخيصها بعد، بسبب ضعف المنظومة الصحية التي أهلكتها آلة الحرب الصهيونية.
لم تكد رهف تُكمل حديثها حتى غلبتها العبرة التي أطلقها الشعور بالألم والجوع والخذلان معًا؛ حيث إن جسدها الذي نحل، وشعرها الذي تساقط، وقدميها اللتين لا تحملانها إلا بمساعدة آخرين، ومعدتها التي لم يدخلها طعامٌ -منذ شهرين- سوى الخبز، وبات العهد بينها وبين اللحم والخضراوات والفواكه والحليب والعسل بعيدًا لدرجة لا تتذكره.. آثار كل هذه مآسي ظلت محتبسة بين كلماتها حتى انفجرت من مآقيها دموعًا يكفي أن تُغرق العالم كله لو بقيت فيه مسحة إنسانية.
مأساة مليون طفل
رهف ليست الوحيدة في هذه البقعة الدامية من أرض فلسطين؛ بل يعاني مثلها أكثر من مليون طفل من سوء التغذية؛ حتى استشهد منهم العشرات جوعًا، بينما أطنان الغذاء معبّأة في شاحنات المساعدات على بعد عدة كيلو مترات، لا يمنع من دخولها إلا ان تجد في هذا العالم نخوة تواجه الاحتلال في جرائمه ولو حتى بتسهيل دخول الغذاء لنجدة من تبقى من الأطفال.
فمنذ الثاني من مارس/آذار المنصرم لم تدخل أية مساعدات لقطاع غزة، بسبب إغلاق المعابر، حيث نفدت مخازن الطعام والدواء، ولم يُشبع ذلك شهية الاحتلال في القضاء على سكان غزة، بل كثّف ضرباته على ما تبقى من المخازن ليضمن بذلك ألا تبقى حبة قمح يطعمها أيٌّ من هؤلاء المًحاصَرين.
ونُقل نحو 65 ألف طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، وفق بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي، فيما ارتقى أكثر من 30 طفلاً، بسبب سوء التغذية والجفاف في مستشفيات شمال غزة، وفق البيانات الرسمية المعلنة، بينما يبقى الواقع غير المعلن أشد من ذلك قساوة.
المجاعة الكاملة
يقول القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبد الرحمن شديد إن قطاع غزة دخل مرحلة المجاعة الكاملة وسوء التغذية الحاد، مؤكدًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم التجويع سلاح حرب ممنهجًا لإخضاع الشعب الفلسطيني.
وأضاف -في كلمة مسجلة أمس الجمعة- أن الاحتلال الإسرائيلي حوّل قطاع غزة إلى سجن كبير تموت فيه الحياة جوعًا ومرضًا في جريمة إبادة بطيئة تنفذ بدم بارد على مسمع ومرأى العالم”، مؤكدًا أن “الأطفال في غزة يُقتلون بنفاد الحليب لا بالقذائف فقط”.
واتهم شديد الاحتلال الإسرائيلي بانتهاك وبشكل صارخ اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، وقال إن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يكتفيان ببيانات الإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مشيرًا إلى وجود صمت مريب وعجز عن وقف الجريمة المتواصلة.
تجويع بدعم أمريكي
وتابع القيادي في حماس: “ورغم المناشدات الدولية، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول آلاف الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء والمساعدات العاجلة والمتوقفة منذ أسابيع عند معبر رفح”.
وأشار إلى أن “الحكومة الإسرائيلية تواصل ما اعتبره انقلابها الدموي على اتفاق وقف إطلاق النار، وتمعن في عدوانها وحربها من خلال القصف والتجويع والتعطيش بإشراف من مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وبغطاء أمريكي كامل”.
وبينما شدد على أن ما يجري في غزة هو جريمة إبادة جماعية وتجويع ممنهج، حمّل الإدارة الأمريكية والدول الداعمة لها مسؤولية المشاركة في الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين، كما وجه نداء إلى الدول العربية التي تمتلك أدوات ضغط لم تفعلها لوقف هذه الجرائم. وقال في السياق نفسه: “من المخجل أن تظل أعلام العدو ترفرف في عواصم عربية وهو يبيد شعبنا”.
أداة قتل لا ضغط
ويسعى الاحتلال بكل السبل إلى جعل الحصار ليس مجرد أداة للضغط على المقاومة كما يزعم، بل هو أداة للقتل المتعمد؛ حيث لم يكتف بإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة منذ شهرين، بل عمد إلى سد كل المنافذ التي يمكن أن تخفف شيئًا من آثار هذا الحصار؛ حيث استهدف ليلة الجمعة سفينة “الضمير” التي كانت تحمل مساعدات من تونس إلى غزة، ثم بعد ساعات استهدف مجموعة من عناصر الشرطة الذين كانوا يحرسون المساعدات من السرقة، داخل القطاع ما أدى إلى استشهاد بعضهم وإصابة آخرين.
واستهدف الاحتلال الإسرائيلي -في وقت متأخر من ليلة الجمعة- إحدى سفن أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، قرب مالطا، ما أدى إلى اندلاع حريق فيها.
وكانت سفينة “الضّمير” قادمة من تونس وعلى متنها 30 ناشطًا دوليًّا في مجال حقوق الإنسان، واستهدفها الطيران الإسرائيلي المسيّر في المياه الدولية بالقرب من سواحل مالطا، ما تسبب في ثقب السفينة واندلاع حريق فيها، دون إصابة الناشطين.
وقالت المسؤولة الإعلامية لأسطول الحرية إن السفينة أرسلت نداءات استغاثة ولم تستجب لها سوى السلطات في جنوب قبرص بإرسال سفينة للنجدة والمساعدة.
إشاعة الفوضى
القتل تجويعًا ليس له -عند الاحتلال- وسيلة منع المساعدات واستهدافها فحسب، بل يستخدم إشاعة الفوضى داخل القطاع لمنع أي محاولة لتنظيم توزيع أية مساعدات يمكن الحصول عليها، بل ويستهدف الاحتلال أي محاولة لمنع هذه الفوضى، من خلال اغتيال العاملين في مجالات التأمين، سواء كانوا عناصر شرطة نظامية، أو متطوعين من أي جهة كانت.
ففي مساء الجمعة استشهد وأصيب عدد من عناصر الشرطة الفلسطينية، إثر استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة لعناصر شرطية وشعبية أثناء تصديها لعصابات اللصوص التي تحاول سرقة محلات تجارية ومخازن تابعة لمؤسسات دولية وخيرية.
وأفادت مصادر محلية أن طائرات الاحتلال استهدفت مجموعة من قوات الشرطة الفلسطينية بعد أن أفشلت محاولات مجموعة من اللصوص سرقة مخازن تجارية في شارع الثورة وسط مدينة غزة، ما أدى لارتقاء شهيدين، مضيفة أن طائرات الاحتلال أعادت استهداف عناصر الشرطة في الشارع ذاته مرة ثانية، واستهدفت مجموعة شرطية في غارة ثالثة على شارع الوحدة وسط مدينة غزة.
ومن جانبه، أوضح رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إن مجموعات تأمين شعبية وفصائلية وعائلية في غزة عملت على فرض منع التجول في أهم شوارع مدينة غزة للحيلولة دون حدوث عمليات سرقة ونهب منظمة تقوم بها عصابات مسلحة، مضيفًا أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحركت واستهدفت مجموعة من هذه العناصر في شارع الثورة غرب مدينة غزة، وأوقعت فيهم شهـداء وجرحى.
شاحنات الحياة ممنوعة
في الوقت نفسه حذرت هيئة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) من استمرار تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة جراء حصار الاحتلال الإسرائيلي المفروض على القطاع.
وكشفت الوكالة -عبر حسابها الوكالة على منصة «X» مساء الخميس- عن أن 3 آلاف شاحنة محملة بإمدادات منقذة للحياة تنتظر خارج غزة لكن الحصار يمنع دخولها، مشيرة إلى أن حياة مليون طفل في غزة تعتمد على هذه المساعدات وبدونها فإن حياتهم في خطر.
ومن جهته قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن المنظمة الأممية تنظر للوضع في قطاع غزة بعين الفزع، مشيرًا إلى أن مليوني شخص في غزة بحاجة لطعام غير موجود.
ودعا دوجاريك -في مقابلة مع الجزيرة- إلى إقرار وقف فوري لإطلاق النار “حتى نتمكن من إعادة إدخال المساعدات” لغزة، مطالبًا إسرائيلَ (بصفتها قوة احتلال) تسهيل إيصال المساعدات، لكنه استدرك بالتأكيد على أنها لا تفعل ذلك، ومشددًا على أن لكل إنسان الحق في العيش بكرامة.
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة أن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة يجب ألا يكون خاضعًا لأي مفاوضات أو شروط، مشيرًا إلى تواصل الأمم المتحدة باستمرار مع السلطات الإسرائيلية لحثها على رفع حصارها عن غزة. لكنه في الوقت نفسه أقر بالعجز الأممي في التعامل مع هذا الوضع المأساوي، إذ قال “لا سلطة للأمين العام لمحاسبة البلدان على خرقها للقانون الدولي”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الكنيست تناقش فرض ضريبة على تمويل المنظمات الحقوقية الناقدة لإسرائيل
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام نددت منظمات حقوقية إسرائيلية، بمشروع قانون ناقشه الكنيست يفرض ضريبة بنسبة 80 % على التبرعات الأجنبية ويمنع...

الجبهة الشعبية تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير القائد أحمد سعدات
فلسطين المحتلة- المركز الفلسطيني للإعلامحملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاحتلال الصهيوني، ورئيس حكومته الفاشية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه إيتمار...

إصابة 3 مواطنين واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأُصيب ثلاثة مواطنين بكدمات وكسور، واعتُقل آخرون، خلال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، حملة...

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...