فراس وشاح.. فلسطيني مكلوم يستأنس بألعاب أطفال سحقتهم الإبادة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

على أطلال حي تحول إلى رماد في مخيم البريج وسط قطاع غزة، يعيش فراس وشاح مأساة مركبة لا يمكن للكلمات أن تصفها. ففي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فقد وشاح 18 فردا من عائلته في مجزرة مروعة ارتكبها الجيش الإسرائيلي، لم ينجُ منها سوى طفلين وزوجة مصابة.

لم يتبق لفراس من ذكريات من رحلوا سوى بضع ألعاب ممزقة وملابس مبعثرة انتشلها من تحت الأنقاض. فبين بين الحجارة المدمرة، نصب فراس خيمة صغيرة بالكاد تحميه من لهيب الشمس أو لسعات البرد، وقرب مدخلها مد حبل غسيل علق عليه ما تبقى من ممتلكات أحبته الراحلين.

كرة قدم مغبرة، رسومات ملونة، قارورة ماء زرقاء، ودمى ملطخة بالتراب والدماء تتراقص مع الريح كأنها أرواح الصغار الذين غادروا فجأة.

فراس أب لخمسة أطفال، قُتل منهم ثلاثة ونجا اثنان؛ أحدهما وُلد بعد المجزرة وكانت زوجته لا تزال حاملا حينها، والآخر انتُشل حيا من تحت الأنقاض. لم يفقد فقط أبناءه، بل والدته وإخوته وأبنائهم.. فزُرعت في قلبه ندوب لا تمحوها الأيام.

يقول فراس للأناضول وهو يحتضن إحدى ألعاب أطفاله بيد مرتجفة وصوت مُتعب: “كنت أعمل ليلا نهارا لأوفر لهم حياة متواضعة، بيتا دافئا وأحلاما صغيرة، لكن فجأة، كل شيء انتهى… بلا ذنب بلا سبب”.

ذكريات ممزقة

ويشير فراس إلى أنه يعمل منذ تعافيه من الإصابة على البحث تحت الأنقاض عما تبقى من ذكريات عائلته وجيرانه، وما يذكّره بأيام أطفاله الجميلة.

ويتابع: “تعرضنا لقصف عنيف استُشهد فيه جميع أفراد عائلتي ودُمرت حارتي بالكامل، عشنا أياما صعبة جدا، والآن بعد العلاج، أعيش فوق ركام منزلي، وطوال الوقت أبحث عما تبقى من ذكرياتهم”.

بينما يتحدث، كانت عيناه تجولان في المكان وكأنهما تفتشان عن ظل غائب. أصابعه تمسح الغبار عن قميص طفل صغير، يحتضنه تارة ويشمه تارة أخرى، محاولا سرقة لحظة دافئة من تحت برودة الموت.

ويضيف بصوت مختنق: “انتشلت ألعاب أولادي وألعاب أولاد إخوتي، مجرد للاستئناس بها… فأنا أشتاق لهم كثيرا”.

مقبرة مفتوحة

وحول خيمة فراس، يمتد مشهد الخراب بلا نهاية، حيث منازل بلا أسقف، وجدران ممزقة، وطرقات مفروشة بالأنقاض، وتحت كل حجر ربما توجد بقايا حياة كانت يوما ما تنبض بالضحك والصخب.

اليوم، يعيش فراس مع زوجته المصابة وطفليه، إضافة إلى ابنة أخيه التي فقدت والديها وإخوتها، محاولا الحفاظ على ما تبقى من عائلته على قيد الحياة، وسط المجاعة الخانقة التي تجتاح غزة، والتي حوّلت الأحياء إلى أشباح مدن جائعة.

على نار الحطب، يطهو فراس ما تيسّر له من طعام، بعد رحلة صعبة من الحصول عليه في ظل الحصار الشديد الذي يعاني منه الفلسطينيون في قطاع غزة.

ومنذ 2 مارس/آذار تغلق إسرائيل معابر قطاع غزة أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية، ما تسبب بتدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، وفق ما أكّدت تقارير حكومية وحقوقية ودولية.

ويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات، بعدما حوّلتهم الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 19 شهرًا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.

صرخة إلى العالم

وفي رسالة إلى العالم، يقول فراس: “كفى صمتا، انظروا إلينا، نحن محاصرون، نفتقد أبسط حقوقنا، فلا طعام ولا حتى ألعاب للأطفال. أوقفوا معنا لحماية ما تبقّى من أطفالنا”.

ويضيف بأسى: “أتمنى السلامة والأمان لأطفال غزة وأمهاتهم، فقد كانت نساء غزة الأكثر معاناة تحت هذه الظروف القاسية”.

وكثّفت إسرائيل منذ 18 مارس جرائم الإبادة في غزة بشن غارات عنيفة على نطاق واسع استهدفت معظمها مدنيين في منازل وخيام تؤوي نازحين.

ومطلع مارس انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة “حماس” وإسرائيل، بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي.

وبينما التزمت “حماس” ببنود المرحلة الأولى، تنصّل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء المرحلة الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام عبري.

وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت نحو 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.