الأربعاء 30/أبريل/2025

قرار العدل الدولية المرتقب.. سيفٌ غير قاطع وحُكمٌ غير رادع

قرار العدل الدولية المرتقب.. سيفٌ غير قاطع وحُكمٌ غير رادع

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

بين متفائل ومنتقد ومُرحّب، انطلقت أمس الاثنين أولى جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي، بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على رأي استشاري غير ملزم، حول استخدام كيان الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع في غزة.

فبعد أكثر من 50 يومًا على قرار الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر ومنع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة بشكل كامل، بدأت جلسات محكمة العدل الدولية لتستمع -على مدى أسبوع- مرافعات خطية وشفوية، تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية، بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية.

وفي حين رحّب البعض بشروع المحكمة الدولية في بدء هذه الجلسات، واعتبرها خطوة في اتجاه مطاردة الاحتلال وإضعاف سرديته أمام الرأي العام العالمي، رأى آخرون أن المحاكمة منعدمة الأثر، كون رأيها استشاريًّا وغير ملزم، ولأن القوى الدولية لا تتفاعل مع قراراتها بأي درجة من مستويات التنفيذ، فضلا عن عدم احترام كيان الاحتلال للقانون الدولي في الأساس.

حماس: خطوة لمحاسبة الاحتلال

ومن جهتها رحّبت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بانعقاد جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية المعنية بمناقشة التزامات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة.

وأكدت حركة “حماس”، في بيان لها أمس الاثنين، على أهمية هذه المداولات كخطوة نحو محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه المتواصلة في قطاع غزة منذ 18 شهرًا.

وثمنت الحركة إبراز المحكمة، عبر مداولاتها، خطورة منع دخول المساعدات الإنسانية، وفضح استخدام الاحتلال للتجويع كأداة حرب ضد المدنيين، في جريمة موثّقة تستوجب موقفًا دوليًا حازمًا.

وشددت “حماس”، على ضرورة متابعة قرارات وتدابير المحكمة السابقة، التي تجاهل الاحتلال كل قراراتها بشكل متعمّد، عبر استمراره في جريمة الإبادة الجماعية، وتصعيده لسياسات الحصار والتجويع، واستهداف البنية التحتية والحياة المدنية، مطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته واتخاذ خطوات عملية لمحاسبة الاحتلال ووقف جرائمه، تحقيقًا للعدالة وصونًا للقانون الدولي.

الجهاد: مماطلات قانونية

في المقابل، انتقدت حركة الجهاد الإسلامي، انعقاد المحكمة الدولية للنظر في هذا الشأن، معتبرة أن مبدأ الاستماع والمرافعة في هذه القضية، يوحي بأن الممارسات الإجرامية الإسرائيلية الممتدة منذ 19 شهرًا محل نقاش قانوني!.

وقالت الجهاد في بيان صحفي أمس الاثنين: “كان الأجدى بالمحكمة أن تطالب إسرائيل فورًا باحترام قرارها وبوقف فوري لسياسة الحصار والتجويع التي تستهدف إبادة المدنيين الأبرياء”، مشيرة إلى أن جلسات العدل الدولية جاءت بعد أن أصدرت المحكمة، خلال الأشهر الأولى من بداية العدوان، قرارًا يأمر الاحتلال باتخاذ تدابير فورية لمنع ارتكاب أعمال إبادة جماعية، “إلا أن الكيان لم يمتثل لذلك”.

وشددت الحركة على أن تعطيل إدخال الغذاء والدواء والوقود يشكل جريمة حرب صريحة وفقًا للقانون الدولي، تحت كل الظروف، والعدو ذاته لا ينكر أنه يستخدم الحصار كسلاح لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية.

وذكّرت الجهاد المحكمة بأن المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، مذكرة توقيف بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت لاتهامهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية عبر تجويع السكان، مشيرة إلى أن المحكمة أصدرت توصية تلزم الحكومات والدول بتنفيذ مذكرات الاعتقال، وتجريم كل الحكومات التي تتنصل من تنفيذها.

وأضافت: “إن المماطلات القانونية لن تطعم جائعاً، ولن تنقذ طفلاً، ولا قيمة لعدالة ينالها الأبرياء بعد فوات الأوان”، محملة جميع الحكومات والمؤسسات الصامتة على جرائم الاحتلال، وفي مقدمتها الحكومات العربية والإسلامية، مسؤولية تجويع شعبنا في غزة، جراء استمرار هذا الصمت بعدما تنكر العدو لكل الاتفاقات وخرق كل التفاهمات، بدعم علني وسافر من الإدارة الأمريكية التي تشجعه على الاستمرار في ارتكاب المزيد من الجرائم، وتمده بالسلاح والعتاد والغطاء السياسي.

تطبيق القرارات

واتفق مع هذا الطرح الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، الذي لفت إلى أن محكمة العدل أدلت برأي استشاري سابق قالت فيه إن الاحتلال القائم لفلسطين لا بد أن ينتهي، ودعت لإنهاء ما يتعرض له الفلسطينيون على يد إسرائيل، غير أن الدول لم تطبق هذا الرأي.

وأكد البرغوثي، خلال مشاركة له على شبكة الجزيرة، أن تطبيق الدول لقرار المحكمة هو المهم وليس مجرد صدوره، مبينًا أن الموقف الدولي الحالي لا يعكس استعدادًا من الدول الغربية تحديدًا لتطبيق أي قرارات جديدة تصدر عن المؤسسات الدولية، برأي البرغوثي، الذي أكد أن كل القرارات “لن تحدث أثرا دون تطبيق الدول لها”.

الأمين العام لحركة “المبادرة الوطنية الفلسطينية” مصطفى البرغوثي

وكان هذا أيضًا رأي المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس، الذي قال إن قرار المحكمة سيكون مهمًّا من الناحية الأخلاقية لكن الدول هي المخولة بتنفيذه وليست المحكمة.

اختبار للمنظومة الدولية

ويعتقد نايس في مداخلة له على الجزيرة، أن القانون الدولي “يخضع لاختبار حقيقي لأنه مطالب بإصدار قرار يدين إسرائيل بقوة لإجبار الدول على تطبيقه، وإلا فلن يكون هناك قانون وستفعل الدول ما تريده بطريقة إجرامية”.

لذلك، يقول نايس إن العدالة البطيئة محبطة وإن العالم ينتظر قرارات ستنقسم الدول بشأنها لأن الولايات المتحدة والمجر مثلا تريدان عالما بلا قانون.

ومع ذلك، فإن سلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه، “كان منفرًا بشكل كبير بحيث أدرك العالم أن عليه التحرك بعيدًا عنه”، كما يقول نايس.

ومن هذا المنطلق، فإن الأمل حاليا -برأي نايس- يكمن في قدرة الدول على مواجهة الولايات المتحدة بحقيقة أنها مخطئة في موقفها من قرارات المؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، لكن السؤال المهم حاليا، كما يقول المتحدث، هو: “هل بلد مثل بريطانيا التي عرفت تاريخيا بتبعيتها السياسية لأميركا تمتلك شجاعة القيام بهذا الأمر؟”.

وخلص المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، إلى أن هناك بارقة أمل في أن القوة المنحدرة لأميركا “ستدفع الدول الأخرى لاتخاذ مواقف أفضل لعزل الموقف الأميركي المجري”.

وربما يعطي إطلاق سراح بقية الأسرى الإسرائيليين -برأي نايس- مبررا لبعض الدول كي تحاسب إسرائيل على أي فعل تقوم به بعد استعادة أسراها، وقد يصل الأمر لطردها من الأمم المتحدة.

المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس
المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس

غطرسة إسرائيلية

في المقابل، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل تقلق من تداعيات ما يجري في المؤسسات القانونية الدولية لأنه ينال من سمعتها وقد ينهي سردية الضحية التي استفادت منها على مدار عقود، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالة غير مسبوقة من الغطرسة واحتقار القوانين الدولية.

واستشهد مصطفى-في لقاء له على الجزيرة- بأن إسرائيل حضرت أمام الجنائية الدولية قبل عام ولم تحضر اليوم أمام محكمة العدل، ما يعني أنها لا تتعامل مع أي قرار سيصدر عنها بجدية.

والأخطر من هذا برأي المتحدث، أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي تعتبر حامية لليبرالية أصدت قرارا في مارس/آذار الماضي، يقر عدم إدخال المساعدات لقطاع غزة، مما يعني أننا إزاء دولة تعاند القانون الدولي بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية والقضائية.

وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل بشكل عام تقف صفا واحدا عندما تكون في مواجهة مؤسسة دولية وهو ما حدث عندما أصدرت الجنائية الدولية قرارات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كما يقول مصطفى.

ويضيف الباحث مصطفى: “ليس أدل على هذا من أن التحريض على إبادة سكان القطاع أصبح أكبر مما كان عليه قبل عام من الآن عندما طالبت الجنائية الدولية حكومة إسرائيل بمنع كل هذه الدعوات”؛ مشيرًا إلى أن عضو الكنيست عن حزب الليكود موشي سعدة قال مؤخرا إن تجويع أهل غزة أمر أخلاقي، كما طالب كوبي بيرتس -وهو أحد أشهر المغنين في إسرائيل- بقتل كل سكان غزة من الطفل إلى العجوز، وتم وضع هذا التصريح في واجهة يديعوت أحرونوت كخبر عادي.

الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى
الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى

رأي بقوة القانون

ومع ذلك، يعتقد البرغوثي أن صدور قرار من العدل الدولية باعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية سيؤثر بشكل ما على هذه الغطرسة الإسرائيلية، خصوصًا وأن آخر الاستطلاعات “تظهر تأييد غالبية الأمريكيين للفلسطينيين لأول مرة في التاريخ”.

وخلص البرغوثي إلى أن الأمم المتحدة هي التي طلبت رأي “العدل الدولية”، ما يعني أنه سيكون رأيًا له قوة القانون، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنفيذه، وإلا فسيتم تدمير المنظومة الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كامل.

وتأتي جلسات محكمة العدل الدولية في وقت يشرف فيه نظام المساعدات الإنسانية في غزة على الانهيار، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وسائر الإمدادات الإنسانية منذ مطلع مارس/آذار الماضي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش أن الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني عبر منع الماء والغذاء...