أطفالٌ غزة يصارعون الحياة وسط الركام لكسب خبز أسرهم

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
منذ أن عاد محمد الشيخ (13 عامًا) من جنوب قطاع غزة، بعد تنفيذ وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووجد بيته في مدينة بيت حانون وقد صار ركامًا، قرر أن يبدأ رحلة البحث عن عمل.
تقول أمه: “بعد أن قُتل والده في إبريل/ 2024 برصاصة أطلقتها طائرة كواد كابتر، ومحمد صار رجل البيت”.
لمحمد ثلاثة أخوة أصغر منه سنًا، وكلهم التزموا بالتعلم عبر الإنترنت، وفي المبادرات التعليمية داخل بعض الخيام، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب قضائه يومه كاملًا في العمل خارج البيت.
يقول: “أخرج الساعة السادسة صباحًا، وأبحث عن الناس الذين يحاولون تنظيف ركام بيوتهم. أعرض خدماتي، ومن يوافق يدفع لي مبلع 10 شواقل عن كل يوم”.
ينتهي يوم محمد الساعة الخامسة مساءً، وبالإضافة إلى ما يحمله هذا العمل من أخطار بالنسبة لطفل، إلا أنه يحاول عدم التفكير بكل ذلك من أجل لقمة عيشه.
يضيف: “لو لم أعمل، لن يأكل أخوتي. ارتفعت الأسعار بشكل جنوني منذ أعلن الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعبر، وبالمبلغ الذي أحصل عليه يمكنني العودة بالخبز على الأقل”.
في الوضع الطبيعي، من المفترض أن يكون قاسم طالبا في المدرسة، إلا أن الحرب الحالية، أدخلت الطلبة في صراع مع الحياة، إذ دفعوا قسراً للعمل وسط ركام المنازل والمنشآت المدمرة، على الرغم من البرامج الطارئة التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” لاستئناف العملية التعليمية.
يعود محمد من عمله يوميًا -حسب أمه- متعبًا جدًا. يلقي نفسه على فراش الخيمة التي أقامتها عائلته على ركام بيتهم، وينام حتى الفجر.
تزيد أمه: “لا أراه، ولا أسمع صوته إلا في أوقات طويلة. قلبي يحترق من أجله، لكن ليس أمامنا خيار أبدًا. لو كان أطفالي في سن أكبر لتركت أنا البيت وذهبت للعمل، لكنهم يحتاجون لرعاية”.
أب مفقود وحياة على الكفاف
في مدينة جباليا أيضًا، تحاول الطفلة ميسون مازن (9 سنوات)، توفير مصروفها ومصروف إخوتها الشخصي، من خلال صناعة أساور الخرز. تقول: “قصفت طائرات الاحتلال منزلنا، وكل ما تمكنت من إخراجه من تحت الركام علبة الخرز التي قدمتها لي أمي هدية في يوم ميلادي قبل بدء الحرب”.
والد ميسون مفقود، لا تعرف عائلته إذا كان استشهد خلال الهجمات الإسرائيلية، أو أنه أسير في سجون الاحتلال. “وأمي توفر طعامنا بمساعدة أهلها وبعض المساعدات. ليس لدينا فرصة لطلب مصروف من أجل أن نشتري قطعة حلوى مثلًا”.
تفرش ميسون صباحًا الأساور التي تصنعها على قماشة، وتنادي الطفلات حتى يشتروا منها. تضيف: “أحيانًا يشترون مني، وأحيانًا ترفض أمهاتهن، لأن شراء احتياجات البيت أولى”.
تبيع ميسون قطعتين من الأساور أو القلائد التي تصنعها في أحسن الأحوال يوميًا، بإجمالي لا يتجاوز 10 شواقل عن كل ما تبيعه، “وفي أحيان أخرى لا أستطيع بيع شيء” تتابع.
تتمنى الطفلة التي لا تلتزم بحضور دروسها التعليمية، وتكتفي بالمراجعة الشخصية قبل الامتحان، أن تعود الأحوال إلى ما كانت عليه، “حين كان بابا يجلب لنا الحلويات وهو عائد من العمل، وكانت ماما تعد لنا أطيب الطعام في بيتنا الدافئ” تقول.
وتقول وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن جيش الاحتلال استهدف بصورة مباشرة أكثر من 400 مدرسة في قطاع غزة، منذ بدئه حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولفتت إلى أن 88 بالمئة من المدارس في غزة تحتاج إلى ترميم أو إعادة تأهيل كاملة.
ليسوا مجرد ضحايا عابرين
وبسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدأت ظاهرة عمالة الأطفال تستشري في قطاع غزة، حيث وجد الأطفال أنفسهم فجأة مسؤولين عن حياةٍ لا تليق بهم، يحملون جالونات المياه الكبيرة، ويتشاجرون على طعام التكية في طابورها الطويل، وأخيرًا في سوق العمل يبحثون عن لقمة العيش، في ظل فقدان البيت والمعيل.
ويعد تأثير عمالة الأطفال خلال الحرب على تكوينهم النفسي والاجتماعي من القضايا العميقة والمعقدة، والتي تتطلب تحليلاً متعدد الأبعاد، وفقاً للاختصاصية الاجتماعية النفسية ليلى علي.
وتبين أن الآثار النفسية تتمثل في تعرض أطفال الحرب لصدمات نفسية متكررة (مثل العنف، الفقدان، التشرد)، ما يُضعف قدرتهم على معالجة المشاعر بشكل صحي، وقد تظهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، الاكتئاب، أو حتى الانفصال عن الواقع.
وتشير علي كذلك إلى تأخر النمو العاطفي نتيجة انشغال الطفل بالعمل القسري أو الخطير ما يحرمه من التفاعلات العاطفية الأساسية (مثل اللعب، التعلق بالأهل)، ويؤخر تطور مهارات مثل التعاطف، الثقة، وإدارة المشاعر.
وتضيف عاملاً ثالثا يتمثل في تشويه الهوية الذاتية، نتيجة اندماج هوية الطفل دمع أدوار البقاء (مُعيل الأسرة)، ما يُضعف إحساسه بقيمته الذاتية ويُعزز مشاعر العجز أو الذنب، إلى جانب التطبيع مع العنف بفعل اعتياد بعض الأطفال على البيئة العدائية، فيتبنون سلوكيات عدوانية أو ينغلقون عاطفيًا كآلية دفاعية.
أما عن الأثر الاجتماعي فتوضح علي أن الحرمان من التعليم يأت في مقدمة الأضرار التي تلحق بالطفل العامل، مما يُحد من فرصهم المستقبلية ويعزز دائرة الفقر والتبعية. وتلف إلى أن الأطفال قد يصبحوا ضحايا وأدوات لأعمال غير أخلاقية من قبل الاحتلال كالدفع بهم إلى أعمال التخابر بشكل غير مباشر.
وتحدثت الأخصائية النفسة عن تعرض الطفل للإجهاد النفسي والعصبي نتيجة لساعات العمل الطويلة وانعدام التغذية السليمة ما يؤهلهم للإصابة بالأمراض أو الانهيار الصحي أثناء العمل، مبينة أن الأطفال العاملون لا يستطيعون غالبًا التوفيق بين المدرسة والعمل، وهو ما يؤثر على نفسياتهم، ويجعلهم على الدوام يشعرون بتوتر لأن هناك شيئًا مهمًا يضيع منهم، بينما هم غير قادرين على تحصيله.
وتشدد علي على أن الأطفال في الحروب ليسوا مجرد ضحايا عابرين، بل هم النواة الأكثر هشاشة في بناء المجتمع المستقبلي، “ولا تقتصر تداعيات عمالتهم على المرحلة الراهنة، بل تمتد لتهدد استقرارهم كبالغين وقدرتهم على الإسهام الإيجابي في المجتمع”.
ودعت المؤسسات المختصة بشؤون الطفل في قطاع غزة، والحكومة الفلسطينية إلى جعل قضية “عمالة الأطفال” في أولوية الخطط، “كي لا نجد أنفسنا بعد ذلك أمام ظاهرة من الصعب السيطرة عليها. وكل هذا من أجل مصلحة أطفالنا” تقول.
أرقام صادمة
وتفيد وزارة التربية والتعليم العالي، بأن 14.784 طالبا استُشهدوا و24.766 أصيبوا بجروح منذ بدء حرب الإبادة على غزة والضفة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأوضحت التربية في بيان اليوم الثلاثاء، أن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 14.649، والذين أصيبوا إلى 23.936، فيما استُشهد في الضفة 135 طالبا وأصيب 830 آخرون، إضافة إلى اعتقال 724.
وأشارت إلى أن 880 معلما وإداريا استُشهدوا وأصيب 4.247 بجروح في قطاع غزة والضفة، واعتُقل أكثر من 193 في الضفة.
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لم يتمكن نحو 80 ألفا و568 من طلبة الجامعات والكليات بغزة، من الالتحاق بمؤسساتهم التعليمية، فيما افتتح مؤخرا عدد قليل من جامعات غزة الدراسة إلكترونيا ولمساقات محدودة.
كما لم يستطع نحو 620 ألف طالب الانتظام في مدارسهم بغزة، بحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فيما يصف بعضهم مصيرهم بـ”المجهول”، جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع.
وبحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي، فإن الجيش الإسرائيلي دمّر 122 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و334 مدرسة وجامعة بشكل جزئي.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 169 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، ودمار هائل في البنية التحتية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

القائد عبد الله البرغوثي يواجه محاولة تصفية ممنهجة من سجاني الاحتلال بسجن جلبوع
المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب إعلام الأسرى أن الأسير القائد عبد الله البرغوثي يواجه محاولة تصفية ممنهجة داخل سجن "جلبوع" الإسرائيلي، حيث وصلت...

6 شهداء منهم طفلان بقصف إسرائيلي على مواصي خانيونس
خانيونس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد ستة مواطنين، بينهم طفلان، مساء الثلاثاء، في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي خانيونس، ما يرفع...

حماس تطالب بالضغط على الاحتلال لإنهاء جريمة التجويع الممنهج في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن استمرار حكومة نتنياهو في استخدام التجويع كسلاح في قطاع غزة؛ جريمة حرب، واستخفافٌ بالمجتمع الدولي، وتحدٍّ...

حكومة الاحتلال تتراجع عن إقالة رئيس الشاباك
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام تراجعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، عن قرار إقالة رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، رونين بار، وذلك...

49 صحفيا في سجون الاحتلال.. آخرهم علي السمودي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أفاد نادي الأسير الفلسطيني، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل في سجونها 49 صحفيا فلسطينيا. اعتقلت قوات...

سلطات الاحتلال تغلق مؤسسة وقفية في القدس المحتلة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرارا بإغلاق مؤسسة وقفية فلسطينية في مدينة القدس المحتلة بدعوى ارتباطها بالسلطة...

الاحتلال يفرج عن 10 أسرى بينهم المسعف الناجي من مجزرة تل السلطان
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، عدد من أسرى قطاع غزة، من بينهم المسعف أسعد النصاصرة، الناجي من...