الجمعة في غزة.. ذكريات من الماضي

غزة- المركز الفلسطيني للإعلام

لم تعد الجمعة في قطاع غزة كما كانت؛ يومًا كان الناس ينتظرونه للراحة، وللجمعة العائلية، وللزيارات، وللطعام الطيب الذي يُطهى بمحبة.

أما اليوم، فقد صارت الجمعة عبئًا جديدًا يُضاف إلى كاهل الفقراء، ذكرى لما كان، ونذيرًا لما لن يكون.

في صباح أمس، تجول مراسل المركز الفلسطيني للإعلام بين الأزقة والسوق، يقول: بحثت عن رائحة شواءٍ أو حتى بصيص فرح، فلم أجد سوى الصمت، والوجوه المُنهكة، والجيوب الخاوية، البسطات فارغة إلا من القليل، الكل ينظر، القليل يشتري، والأغلب يكتفي بالسؤال.

رجلٌ سبعيني يهمس للبائع: “بكم الدجاج اليوم؟”، يرد الآخر: “ثمانون”. يتنهد العجوز ويقول: “الله يهون، كنا نشتري اثنين، اليوم لا نقدر على نصف واحدة”، يمضي وفي عينيه وجع لا يُقال، وخيبة ترافق خطواته الثقيلة.

قربه، تقف أم لخمسة أطفال، تعد النقود في يدها كأنها تفتش عن معجزة.

عيناها تائهتان، تنظر إلى الخضار ثم إلى أولادها، تختار أقلها سعرًا، وأكثرها قدرةً على إشباع بطونهم.

تقول: “لم أعد أعد الطبخات، بل أعد اللقم… أي طعام يملأ المعدة والسلام”.

حتى العدس، الذي كان يُعتبر ملاذ الفقراء، صار غاليًا، الزيت، السكر، الأرز، كل شيء بات يُشترى بنَفَسٍ ثقيل، البعض استبدل اللحوم بالخبز، والبعض الآخر استبدل الخبز بالصبر.

وفي السوق، لا صوت يعلو على صوت الغلاء، لا حديث يمر دون أن يبدأ بـ”زمان كنا نشتري…” وينتهي بـ”هل نأكل اليوم؟”. الناس تعبوا، والوجوه باتت تشبه بعضها: شاحبة، مرهقة، ومعلقة بانتظار فرجٍ لا يأتي.

الجمعة، التي كانت عيدًا صغيرًا، تحوّلت إلى ذكرى من الماضي، لا لحوم، لا دجاج، لا مائدة تجمع الأحبة حولها. فقط صمت ثقيل، ووجع يلبس ثوب الكرامة، وقلوب ترتجف خوفًا من الغد.

أحدهم قال: “لم أعد أشتاق للجمعة، لأن وجعي يتجدد معها. هي تذكرني بما لا أملكه، وبما لا أستطيع أن أقدّمه لأطفالي”. كلمات قليلة، لكنها تحمل كل الحكاية.

في هذه الزاوية المنسية من العالم، الجوع لم يعد حالة طارئة، بل صار واقعًا مقيمًا. الفقر ليس في الجيوب فقط، بل في الأرواح، في نظرات الأطفال، في يأس الأمهات، وفي عجز الآباء عن قول: “اليوم سنأكل”.