نقص الأدوية في غزة.. آلام لا تسكن وحياة مهددة بالخطر

لا تنحصر المعاناة الصحية لسكان غزة في فقدان المستشفيات والمراكز الصحية فحسب، بل إن هناك أزمة أكثر انتشارًا وأشد إلحاحًا بشكل يومي لكل سكان القطاع المحاصر، تتمثل في النقص الحاد في الأدوية، مما يهدد حياة البعض ويهدد كذلك مستقبل القدرة الإنتاجية للأهالي الذين يعانون من أمراضٍ لا يمكن معها التعايش اليومي دون أدوية، كمرضى الضغط والسكري والقلب والحساسية وغيرها.
بصعوبة كبيرة، كان محمد مخيمر (13 عامًا) عامًا، يحاول أن يتنفس، إذ يعاني من مرض الربو، لكنه لم يتمكن من الحصول على علاجه المناسب بسبب أزمة نقص الأدوية الناتجة عن استمرار إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمعابر قطاع غزة، ومنعها إدخال المستلزمات الطبية اللازمة للسكان.
ازدادت معاناة مخيمر مع تفاقم أزمته الصحية، ولا سيما مع انتشار الغبار والهواء المحمل بالدخان الناجم عن حرق النفايات المتراكمة في شوارع مخيم خانيونس جنوب قطاع غزة، وتحديدًا بالقرب من منزله.
كل صباح، تخرج والدة مخيمر، “أم محمد”، متجهة سيرًا على الأقدام إلى عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الموجودة في الحي الياباني شمال مخيم خانيونس، بحثًا عن أدوية ابنها، لكن، في كل مرة، تواجه الرد ذاته من الصيدلي هناك: “المعبر مغلق، ولم تدخل الأدوية بعد”.
لم تيأس الأم، فكانت تتنقل بين الصيدليات والمستشفيات بحثًا عن دواء “السالبوتامول”، الذي يعمل على فتح مجاري الهواء في رئتي صغيرها محمد، لكن الأزمة كانت أصعب من مجرد دعوات أم قلقة؛ فقد اختفى دواء ابنها من الرفوف منذ إعلان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إغلاق معابر قطاع غزة ووقف إدخال البضائع، ليبقى المرضى وحدهم في مواجهة مصيرهم المجهول.
لم يكن أمام والدة محمد سوى التوجه يوميًا إلى مجمع ناصر الطبي؛ حيث يتوفر جهاز “التبخيرة” الذي يحتاجه ابنها بشدة، نظرًا لانقطاع الكهرباء في منزلهم لساعات طويلة، لكن حتى هناك، كانت تواجه صعوبات أخرى؛ حيث كانت قاعات المستشفى مكتظة بالمرضى الذين يعانون من الأعراض ذاتها. وأطلقت أم محمد مناشدة عاجلة للمجتمع الدولي من أجل التدخل الفوري لإدخال الأدوية لإنقاذ حياة أصحاب الأمراض المزمنة.
“حمودة” عاد مشولاً
أما الطفل حمودة فارس حمودة فقد خرج من خيمته ثم عاد إليها يصرخ لوالديه بأنه لم يعد قادرًا على المشي، فحمله والداه إلى المستشفى ليكتشفوا أن طلقات إسرائيلية اخترقت جسده واستقرت في النخاع الشوكي، ما تسبب بإصابته بشلل نصفي لا يمكنه معه القدرة على الوقوف على قدميه.
يقول والده إنهم يعانون من حالة حمودة التي تستوجب رعاية طبية؛ حيث إنه يظل طوال الليل يصرخ بسبب الآلام التي في جسده، وقد أصيب بفقدان السيطرة على الجهاز البولي، وهو ما يجعلهم مضطرين لشراء الحفاضات التي لا يستغني عنها الطفل، وهو مالا تستطيع العائلة توفير العبوة البالغة 150 شيقل.
وناشد والد حمودة المنظمات الحقوقية والإغاثية بتوفير العلاج اللازم لابنه وكذلك كرسي متحرك لكي يتحقق الحد الأدنى من القدرة على التعايش مع وضع الطفل بعد إصابته بالشلل.
أمراض مزمنة
معاناة المرضى في غزة لا تقتصر على الأطفال فقط، فالمسن محمود قنن (60 عامًا)، الذي يعاني من أمراض الضغط والسكري، وجد نفسه في مواجهة الخطر ذاته، فهو بحاجة إلى كميات يومية من الأدوية للحفاظ على استقرار حالته الصحية، ولكن الحصار منعه من الحصول على أدويته المعتادة.
وفي لقاء له مع صحيفة “فلسطين” قال قنن: “كانت عيادة الأونروا في مخيم خانيونس توفر لي أدويتي شهريًا، لكن منذ عودتنا إلى المخيم في مايو 2024، لم تعد العيادة تعمل بسبب وجود النازحين فيها، ولم يعد بإمكاننا الحصول على العلاج منها، أما الصيدليات، فالأدوية المتوفرة فيها بديلة وغالية الثمن”.
وأضاف أن فقدانه لأدويته الأساسية أجبره على اللجوء إلى بعض المستشفيات الميدانية الدولية والصيدليات التجارية، وهو ما شكل عبئًا ماليًا إضافيًا عليه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أهالي القطاع نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر، مشيرًا إلى أنه في الأيام الأخيرة، بدأ يتعرض لوعكات صحية مفاجئة بسبب عدم توفر الكثير من أدوية الضغط والسكري، ما زاد من معاناته وخوفه من حدوث انتكاسة صحية خطيرة في أي لحظة.
وحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية فإن 350 ألف مواطن في قطاع غزة يعانون من أمراض مزمنة؛ حيث إن الآلاف منهم كانوا يتلقون الرعاية الطبية من مستشفيات تابعة للوزارة، ومراكز تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، وذلك قبل أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتدميرها جزئيًّا أو كليًّا وإخراج معظمها من الخدمة.
توقف الخدمات الطبية
وتجدر الإشارة إلى أن ثمانية مراكز طبية من أصل 14 مركزًا تابعة للأونروا، خرجت من الخدمة بسبب فقد الإمكانات الطبية ونقص الأدوية، التي كانت تقدم للمواطنين في قطاع غزة، بينما قام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير وحرق 35 مستشفى في كافة التخصصات الطبية.
ويقول المدير العام لمستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية، إن إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعابر قطاع غزة قد أدى إلى تفاقم الأوضاع الصحية وزاد من أزمة القطاع الطبي المدمر أصلا، ومنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة أدى إلى نقص الأدوية الأساسية وأجهزة الأكسجين وأجهزة الأشعة وأدوات الجراحة.
أما الدكتور علاء حلس، مدير دائرة الرعاية الصيدلانية بوزارة الصحة، فيؤكد أن القطاع الطبي يعاني كثيرًا بسبب نقص الأدوية والمستهلكات الطبية، مشيرًا إلى النقص الحاد في أصناف مهمة جدًّا من الأدوية، وكذلك مستلزمات الجراحة لأمراض الكلى والقلب، مناشدًا كل المؤسسات الطبية الدولية لاتخاذ كافة الإجراءات لإدخال المستلزمات الطبية إلى القطاع للتخفيف من معاناة سكان غزة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إغلاق مدارس الأونروا في القدس يهدد حق 800 طفل بالتعليم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إغلاق سلطات الاحتلال مدارس المؤسسة الأممية في...

مستشفيات غزة تستقبل 145 شهيدا وجريحا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 35 شهيدا، و109 إصابات وذلك خلال 24 الساعة الماضية جراء تواصل حرب...

برنامج الغذاء العالمي: غزة تواجه المجاعة و700 ألف بلا طعام
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد برنامج الغذاء العالمي أن الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مرحلة حرجة للغاية، مبينا أن مخزون البرنامج من المساعدات...

العفو الدولي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة وانتهاك واسع للقانون الدولي بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام اتهمت منظمة العفو الدولية، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب "أعمال ترقى إلى الإبادة الجماعية" في قطاع غزة،...

حماس تدعو لحراك عمالي عالمي تضامناً مع غزة ورفضاً للإبادة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت حركة حماس المنظمات الحقوقية والإنسانية عبر العالم إلى الوقوف عند مسؤولياتها في فضح جرائم وانتهاكات الاحتلال...

لليوم الـ94.. الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ94 على التوالي، ولليوم الـ81 على مخيم...

عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ويؤدون طقوسًا تلمودية
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم مستوطنون متطرفون، صباح يوم الأربعاء، المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة، تحت حماية مشددة من قوات...