بعد دمار القطاع الصحي في غزة.. سواعد البناء تحيي الأمل من جديد

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لا تزال معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة تواجه المصاعب في شتى مناحي الحياة على المستويات الأساسية من المعيشة، فيما يتعلق بفقدان الأمن والغذاء وتدمير القطاع الصحي والمؤسسات الخدمية، وغير ذلك مما لا يمكن التعايش مع فقدانه، وذلك بعد حرب دامية استمرت أكثر من 15 شهرًا وخلّفت وراءها دمارًا شاملاً في كل شبر من القطاع فضلًا عن استشهاد وإصابة زهاء 170 ألفًا، بينما لا يزال الحصار مستمرًّا.
ومن أبرز تلك المعاناة اليومية لأهالي غزة، ما أسفرت عنه آلة الحرب الإسرائيلية من دمار شبه كامل للمؤسسات الصحية في القطاع، فلا توجد خدمة طبية للمرضى -على اختلاف أعمارهم وتفاوت حالاتهم الصحية-، كما يعاني الجرحى الذين أصيبوا خلال الحرب من خطورة على حياتهم أو على الأقل من تعرضهم لفقدان وظائف حيوية في أجسادهم، خاصة في ظل إغلاق المعابر بقرار من الاحتلال الإسرائيلي، ما يمنع حتى من فرص انتقالهم إلى خارج غزة للعلاج.
حياة على أنقاض الدمار
ومنذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار يحاول سكان غزة ترميم ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الهمجي خلال الحرب، وذلك ضمن جهود إغاثية يشترك فيها العديد من الشخصيات والقطاعات الحكومية والخدمية، بالإضافة إلى مجهودات خارجية تعمل جاهدة على إسناد سكان غزة في محنة ما بعد الحرب.
الصحفي أنس الشريف ينقل ما حلّ بمستشفى النصر بمدينة غزة الواقعة شمال القطاع، من دمار وتجريف، ما أدى إلى خروج المستشفى بالكامل من الخدمة؛ حيث كان المستشفى خاصًّا برعاية الأطفال، الأمر الذي أثّر على الأوضاع الصحية للأطفال الذين اجتمعت عليهم الأمراض والجوع وسوء التغذية فضلًا عمن أصيب منهم خلال العدوان الإسرائيلي.
يقول أحد أطباء مستشفى النصر، إن الاحتلال الإسرائيلي عمد إلى تدمير مستشفيات الأطفال على وجه الخصوص، فاستهدف مستشفى النصر ومستشفى الرنتيسي ومستشفى كمال عدوان ومستشفى الدرة، مشيرًا إلى أن مستشفى النصر كان هو المستشفى الرئيسي في قطاع غزة، وكان يخدم أكثر من 150 ألف طفل سنويًّا، ويحتوي على أكثر من 150 سرير وبه عناية مركزة كبيرة، وحضّانة للأطفال.
وفي إطار الحملة التي يقوم بها سكان غزة لإعادة إعمار القطاع المدمر أشار الطبيب إلى أن هناك حملة تقودها الجمعية الكويتية للإغاثة، بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية وعدد من المبادرين، لإعادة بناء مستشفى النصر لخدمة الأطفال وإقامة كافة التخصصات فيها، لافتًا إلى الإعلان عن بدء حملة لجمع التبرعات الموجهة لهذا الشأن.
ومن جهته قال الناشط صالح الجعفري إن الحملة التي تستهدف إعادة بناء مستشفى النصر للأطفال تقوم برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية الكويتية بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الحملة نجحت في جمع تبرعات لبناء المستشفى بلغت 3 ملايين دولار في يوم واحد بفضل الله ثم المبادرين من أهل الخير، وذلك ضمن الميزانية التي رصدتها وزارة الصحة الفلسطينية لبناء المستشفى والتي قدّرتها بـ 10 ملايين دولار.
جهود إغاثية
ويحاول القطاع الصحي النهوض من خلال تنفيذ عدد من المشاريع الصغيرة بتمويل من مؤسسات وجمعيات عربية وإسلامية في الخارج؛ حيث يقول الوكيل المساعد في وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الطبيب ماهر شامية، إن محاولات ترميم النظام الصحي في القطاع تجري على قدم وساق، ويَصل العاملون في المنظومة الصحية الليل بالنهار، من أجل تقديم الخدمات المناسبة والملائمة لكل مواطن فلسطيني.
ويُعدد شامية في تصريح سابق لـ “العربي الجديد” بعض المشاريع التي جرى العمل عليها خلال الفترة الراهنة، وقد أُعيد تشغيل قسم الطوارئ في مجمع الشفاء الطبي في شهر سبتمبر الماضي، بعدما دمّره الاحتلال وأحرقه خلال العملية العسكرية التي شنها ضد المجمع في الثامن عشر من مارس/ آذار 2024، واستمرت أسبوعين وأخرجته عن الخدمة بالكامل. ويشير إلى إنشاء غرفتين لإجراء العمليات الجراحية، وصالة ضخمة تتسع لـ 40 سريراً. كما تم تشغيل قسم غسيل الكلى بقدرة 30 جهازاً، مشيراً إلى إمكانية استضافة مستشفى ميداني كبير في المنطقة الغربية لمجمع الشفاء الطبي في حال استمرت حالة الهدوء عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
ويبين أن مجمع الشفاء الطبي لا يزال يحتاج إلى مواد خاصة وضخمة لإعادة تأهيل الأقسام الأخرى، مثل مبنى التخصصات والجراحات، فضلاً عن الحاجة إلى إدخال أجهزة ومعدات طبية. ويلفت إلى أنّ الوزارة نجحت في تشغيل مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة شمالي القطاع في مرحلته الأولى، وهناك مشروع آخر لاستكمال التأهيل لكامل مبنى المستشفى. كما جرى تشغيل مستشفى العيون التخصصي الوحيد بقدرة تصل إلى 90%.
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، افتتحت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، بالتعاون مع جمعية البركة الجزائرية، مستشفى العيون التخصصي الوحيد في مدينة غزة، الذي جرى إعادة ترميمه بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي أجزاءً كبيرة منه خلال العدوان على القطاع.
ويؤكد أن هناك مشروعاً لإعادة تشغيل مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال، شرقي مدينة غزة، وقد أصبح جاهزًا بانتظار عودة الكوادر الطبية المتخصصة من الجنوب إلى شمال القطاع، واتخذت الوزارة قراراً بتشغيل مستشفى الإندونيسي شمالاً خلال الأيام المقبلة.
ويشار إلى أن هناك وتيرة متسارعة للعمل على إصلاح بعض ما دمّره الاحتلال، وتمكنت وزارة الصحة من تشغيل مستشفى أصدقاء المريض بمدينة غزة، إضافة إلى وجود وعود من جهات مختلفة بتنفيذ مشاريع كبيرة في المنظومة الصحية.
ويفيد شامية بأن الاحتلال دمّر كل منظومة الرعاية الأولية بالكامل في محافظة شمال القطاع، لذلك، تلجأ الوزارة إلى المراكز الميدانية التي تموّلها مؤسسات دولية بدلاً منها.
تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المراكز الصحية والعيادات الخاصة التي فتحت أبوابها من جديد، واستقبلت المرضى وفق الإمكانيات المتاحة لها، في محاولة للنهوض من جديد وعدم الاستسلام للواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي.
مهمة معقدة
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد حذّر من أن إعادة بناء النظام الصحي في قطاع غزة ستكون “مهمة معقدة وصعبة” بعد عدوان إسرائيلي مدمر انطلق قبل أكثر من 15 شهرًا.
وقال غيبريسوس في تصريح له عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الـ 19 من يناير/ كانون أول الماضي،: “ستكون تلبية الاحتياجات الصحية الهائلة وإعادة بناء النظام الصحي في غزة مهمة معقدة وصعبة، نظرا إلى حجم الدمار والتعقيدات التشغيلية والقيود الموجودة”.
وقدرت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا أن ثمة حاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لإعادة بناء النظام الصحي في القطاع الفلسطيني الذي تعرض لعدوان إسرائيلي لا هوادة فيه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرة إلى أن نصف مستشفيات غزة فقط، البالغ عددها 36 مستشفى، لا يزال يعمل جزئيًّا، مضيفة أن 38% فقط من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل.
وقالت المنظمة إنها ستنفذ مع شركائها خطة مدتها 60 يومًا تركز على علاج الصدمات والرعاية الطارئة والخدمات الصحية الأولية وصحة الأطفال والأمراض غير المعدية وغيرها من جوانب صحية، (وذلك حسب ما كان متوقعًا من تنفيذ بنود الاتفاق بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس).
وكشف الدكتور غيبريسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، والدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أنهما وضعا خارطة طريق لإعادة بناء النظام الصحي المنكوب في قطاع غزة.
وقال المسؤولان بالمنظمة، إنه ينبغي أن تركز الجهود العاجلة على عدد من الأولويات، وفي مقدمتها إعادة بناء المستشفيات والبنية التحتية لتحسين النتائج الصحية، وتوسيع خدمات الصحة النفسية لمعالجة الصدمات النفسية، وإدارة الأمراض المزمنة الأخرى والنهوض بجهود الوقاية وتوفير الرعاية للحالات الصحية الأخرى، والدفع نحو تحريك الدعم الدولي لرفع الحصار وتمويل التعافي من الرعاية الصحية وضمان الاستقرار على المدى الطويل.
وأضافا أن الجهود المستهدفة على المدى القصير ينبغي توجيهها إلى توسيع خدمات العيادات المتنقلة والاستشارات عن بعد وإخلاء المرضى الذين يعانون من أمراض حرجة حتى يشفى النظام الصحي، مشددين على ضرورة تأمين وقف دائم لإطلاق النار لتمكين إعادة البناء المستدام والاستعادة الكاملة للرعاية الصحية.
ضرورة الدعم المالي
وفي هذا السياق، يقول مدير عام مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، إن الاحتلال لا يزال يتلكأ في تنفيذ التزاماته التي وقع عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، من خلال منع إدخال المواد اللازمة لترميم المستشفيات والمراكز الطبية.
ويؤكد الثوابتة في لقاء تلفزيوني سابق، أن المنظومة الصحية في قطاع غزة متهالكة عقب تدميرها بشكل ممنهج من الاحتلال خلال حربه المسعورة على القطاع، التي لم يفرق فيها بين البشر والحجر والشجر.
ويضيف أن هناك عمليات جارية لتهيئة المستشفيات والمراكز الصحية، استعداداً لوصول الدعم المالي وتنفيذ المشاريع اللازمة، لافتاً إلى أن الأولوية الكبرى هي لإعادة إنعاش الواقع الصحي وترميم المستشفيات وإعادتها للخدمة.
ويطالب المجتمع الدولي بالتدخل والضغط على الاحتلال لتنفيذ البروتوكول الإنساني الذي ينص على فتح المعابر وإدخال المعدات الطبية والمواد المساعدة في استنهاض الواقع الإنساني في قطاع غزة، ولا سيّما المنظومة الصحية.
ووفق تصريحات سابقة لمسؤولين في القطاع الصحي، فإن جميع مستشفيات القطاع تعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والمستلزمات الطبية، ووصلت نسبة العجز في الأدوية إلى 85%، خصوصاً تلك اللازمة لمرضى الأمراض المزمنة، فيما بلغ العجز في المستلزمات الطبية 75%.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تدعو لحراك عمالي عالمي تضامناً مع غزة ورفضاً للإبادة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت حركة حماس المنظمات الحقوقية والإنسانية عبر العالم إلى الوقوف عند مسؤولياتها في فضح جرائم وانتهاكات الاحتلال...

لليوم الـ94.. الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ94 على التوالي، ولليوم الـ81 على مخيم...

عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ويؤدون طقوسًا تلمودية
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم مستوطنون متطرفون، صباح يوم الأربعاء، المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة، تحت حماية مشددة من قوات...

حملة دهم واعتقالات في الضفة
الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأربعاء، حملة اقتحامات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، تخللتها اعتقالات بعد...

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش أن الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني عبر منع الماء والغذاء...

القائد عبد الله البرغوثي يواجه محاولة تصفية ممنهجة من سجاني الاحتلال بسجن جلبوع
المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب إعلام الأسرى أن الأسير القائد عبد الله البرغوثي يواجه محاولة تصفية ممنهجة داخل سجن "جلبوع" الإسرائيلي، حيث وصلت...

6 شهداء منهم طفلان بقصف إسرائيلي على مواصي خانيونس
خانيونس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد ستة مواطنين، بينهم طفلان، مساء الثلاثاء، في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي خانيونس، ما يرفع...