مبتورو الأطراف في غزة يكافحون من أجل استعادة حياة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
يناضل الفتى عبدالرحمن مصلح كل يوم لتلبية احتياجاته اليومية بالاعتماد على كرسي متحرك، بعد أن فقد ساقيه في مجزرة إسرائيلية بمخيم النصيرات قبل 8 أشهر.
كل ما يذكره مصلح عن الحادث أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن هجوماً كبيراً على المخيم الواقع وسط قطاع غزة، ليجد نفسه من بين نحو 300 شهيد وجريح.
لم يدري مصلح 15 عاما ما الذي جرى معه بعد دوي انفجارات متتالية يوم طرحته إحداها أراضا بعدما غطت سماء المنطقة سحب فطرية بيضاء وسوداء. دخل الفتى في غيبوبة لأيام ليستيقظ على سرير الاستشفاء لا يقوى على الحركة بعدما فقد كلتا ساقيه.
لم تكن تلك المأساة لفتى يسابق الرياح بمثل عمره، الصدمة الوحيدة التي عاشها إذ علم لاحقا أنه فقد معظم أفراد عائلته. أمضى عبدالرحمن شهران في المستشفى للعلاج ثم غادره إلى منزل عمته ليبدأ حياة جديدة صعبة بدون أطراف سفلية تعينه على تلبية احتياجاته.
يصف عبدالرحمن شعور العيش بدون أطراف بأنه أقسى شعور يمكن أن يعيشه المرء، “ليس سهلاً أن تقود كرسيك المتحرك بمفردك وسط طرقات مليئة بالمنازل المهدمة، وليس سهلاً أن تدخل المرحاض لتقضي حاجتك””، لكن الفتى يقول إنه لا خيار أمامه سوى الكفاح بكل ما أوتي من قوة من أجل الاعتياد على وضعه الصحي الجديد، بانتظار أن يحصل على أطراف اصطناعية تعينه على نوائب غزة.
ويعيش الأطفال المبتورة أطرافهم واقعًا مأساويًا لا تنتهي فصوله حتى بعد انتهاء الحرب، فالأزمة الصحية في القطاع المحاصر تجعل الحصول على العلاج شبه مستحيل، فمن جهة، نقص المستلزمات الطبية والمسكنات يزيد الألم، ومن جهة أخرى، أصبح السفر للخارج للحصول على أطراف صناعية حلمًا بعيد المنال، مع استمرار الحصار، ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة.
ويطالب من يحتاجون إلى أطراف صناعية المنظمات الصحية الدولية ووزارة الصحة في القطاع بضرورة النظر إلى أوضاعهم الصحية، والعمل على تسهيل سفرهم لتلقي العلاج في الخارج، مقدمة لاستعادة حياتهم الطبيعية، خاصة بعد الأشهر المريرة التي عاشوها خلال الحرب.
أحمد فقد حلمه
ويقول محمد أبو ابطيحان، والدة الطفل أحمد، إن نجله فقد جزءًا من قدمه في قصف إسرائيلي، وأنه يعمل الآن من أجل تعويض طفله بطرف صناعي بدلًا من قدمه المبتورة”، لافتًا إلى أن ذلك من أصعب المهام في غزة.
ويوضح أبو ابطيحان، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “طفلي حُرم من حياته وأحلامه، وهو الآن لا يستطيع ممارسة لعبة كرة القدم التي تمثل هوايته المفضلة، علاوة على أنه ليس بمقدوره ممارسة أبسط مهام حياته اليومية”.
وتساءل “ما الذنب الذي اقترفه طفلي ذو التسعة أعوام لكي تنتهي حياته قبل أن تبدأ، وما يزيد معاناته هو افتقار غزة لأدنى الأساسيات المتعلقة بتركيب الأطراف الصناعية”، مشددًا على ضرورة تدخل دولي عاجل من أجل هذه الفئة من المصابين.
وبحسب دائرة نظم المعلومات بوزارة الصحة في غزة، بلغ عدد حالات البتر منذ بداية الحرب نحو 4500 حالة، لكن ما جرى تسجيله لا يتجاوز 1302 حالة بتر، من بينها 1041 لذكور و261 لإناث، في حين تبلغ نسبة الأطفال 15%، ونسبة البتر في الأطراف السفلية 83% من الإجمالي.
كما أن هناك 14500 إصابة شديدة بحاجة إلى تأهيل طويل، ويتزامن ذلك مع شح كبير في المستلزمات الطبية والأدوية، ومع تدمير غالبية مستشفيات القطاع، وإنهاك المنظومة الصحية، نتيجة استهداف جيش الاحتلال المراكز الصحية والكوادر الطبية.
وضع كارثي
ويصف زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات الصحية في وزارة الصحة، وضع مبتوري الأطراف بأنه كارثي، ليس فقط بسبب عدد الإصابات، بل أيضًا بسبب غياب الرعاية اللازمة لاسيما للأطفال المبتورين، فمعظمهم بحاجة إلى أطراف صناعية، وإعادة تأهيل جسدي ونفسي، لكن الحصار يجعل كل ذلك شبه مستحيل”.
وفي وقت سابق أكدت الأمم المتحدة أن قطاع غزة أصبح موطنا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، حيث فقد 10 أطفال من بين مصابين الحرب البالغ عددهم 11780 جريحا، إحدى الساقين أو كليهما.
ووفق معطيات نشرتها منظمة الصحة العالمية قبل شهر من إعلان وقف النار في غزة فإن 1 من كل 4 أشخاص أصيبوا في حرب غزة يحتاجون إلى خدمات إعادة تأهيل بما فيها الرعاية بعد بتر الأطراف وإصابات الحبل الشوكي.
ويكافح مبتوري الأطراف من أجل المضي حياتهم المثقلة بذكريات الحرب الأليمة، وسط تحديات شح الموارد الطبية وعدم توفر الأطراف الصناعية الملائمة لجميع الحالات، وصعوبة إدخالها إلى قطاع غزة.
وتدير بلدية غزة مركزاً للأطراف الصناعية، يزوره يومياً عشرات المصابين الساعين للحصول على طرف صناعي، ويقدم كذلك خدمات التأهيل الفيزيائي من خلال تمارين علاج طبيعي في تدريب قد يستغرق فترة 3 شهور، لتكييف أجساد المصابين مع الطرف الاصطناعي.
واستأنف المركز عمله-بعدما توقف في بداية الحرب-بشكل جزئي في 22 يوليو/تموز الماضي، بتمويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ثم توسع العمل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب نيفين الغصين، القائمة بإدارة أعمال رئيس المركز.
وتقول الغصين إن الاحتياج كبير والمورد شحيحة، مشيرة إلى أن 10 تسلموا أطرافهم الصناعية بشكل فعلي، بينهم 5 أطفال، كما ينتظر 20 آخرون دورهم بعد انتهاء عملية التأهيل، بينما يواجه المركز صعوبات جراء عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولد الكهرباء الذي يغذي آلاته.
ورغم الدور المهم الذي يلعبه المركز، فإن خدماته تبقى محدودة في ظل عدم قدرة الجرحى في جنوبي قطاع غزة-حيث الغالبية العظمى من السكان- على الوصول إليه.
ولا توجد معلومات دقيقة عن أعداد الأشخاص الذين بُترت أطرافهم خلال حرب الإبادة، لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 5 إلى 6 آلاف شخص، بحسب الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا.
ويضيف أن الصليب الأحمر أطلق برنامجا لمساعدة هذه الفئة، سجّل فيه نحو 5 آلاف جريح بغرض توفير أطراف صناعية لهم، موضحا أن تنفيذ البرنامج لا يخلو من تحديات، أهمها قلة الدعم الإنساني الذي يسمح الاحتلال بإدخاله لقطاع غزة، بما فيه الأجهزة المساعدة والأدوات اللازمة لتجهيز وتركيب الأطراف الصناعية، بالإضافة إلى صعوبة التنقل بين محافظات القطاع.
معدلات بتر كبيرة
ويقول مدير عام المستشفيات الميدانية في غزة، مروان الهمص، إن “قطاع غزة سجل أعلى معدلات في حالات البتر والتشوهات بسبب الحرب في غزة”، لافتًا إلى أن نوعية الأسلحة التي استخدماها إسرائيل كانت خطيرة.
ويوضح الهمص أن الإصابات التي وصلت للمستشفيات خلال الحرب كانت ذات طبيعة مختلفة، حيث أن حالات البتر تظهر قطع الأطراف بآلة حادة للغاية، كما أن الحروق والتشوهات كانت شديدة “ما يعني استخدام مواد غير معروفة وربما سرية”.
ولم يستبعد المسؤول الطبي، إمكانية استخدام إسرائيل لأسلحة وأدوات محرمة دوليا من أجل رفع حالات التشوه والبتر في صفوف سكان غزة”، لافتًا إلى أن النسبة الأكبر من المصابين إما تشوهات بسبب الحروق والإصابات أو حالات بتر.
وأضاف أن الضحايا كان يصل معظمهم للمستشفيات عبارة عن أشلاء مقطعة، “وللأسف بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق لم يكن هناك قدرة على التعامل مع تلك الحالات بالشكل السليم على المستويين الطبي والنفسي”.
وتابع “نواجه صعوبة في الوقت الحالي في توفير أطراف صناعية بديلة لآلاف مبتوري الأطراف، كما أنه لا يوجد لدينا قدرة على إجراء الجراحات التجميلية لم تشوهت وجوههم وأجسادهم بسبب الصواريخ والقذائف الإسرائيلية.
ولفت إلى أن “غزة بمحافظاتها الخمس لا تملك إلا مركزًا واحدًا للأطراف الصناعية، وبالرغم من استئناف العمل فيه مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة؛ لكن المركز يفتقر للكثير من المعدات والاحتياجات اللازمة لتلبية متطلبات مبتوري الأطراف، في حين يفتقد القطاع لمقومات إجراء العمليات التجميلية”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

السجن 53 عاماً لأميركي طعن طفلاً فلسطينياً حتى الموت في جريمة كراهية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قضت محكمة أمريكية بسجن جوزيف تشوبا لمدة 53 عاماً، لإدانته بقتل الطفل الفلسطيني الأميركي وديع الفيومي (6 سنوات)،...

استشهاد رضيعة في غزة بسبب سوء التغذية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مصادر طبية عن استشهاد طفلة، اليوم السبت، بسبب سوء التغذية وعدم توفر الحليب والمكملات الغذائية جراء الحصار الذي...

جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ باليستي أطلق من اليمن
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم السبت، أنه اعترض صاروخاً أُطلق من اليمن، في الوقت الذي تكثف فيه الولايات...

الداخلية بغزة تتوعد العملاء والعابثين بالأمن “بيد من حديد مهما كلف الثمن”
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام توعدت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، عملاء الاحتلال الإسرائيلي ومن يهدد أمن المواطنين وممتلكاتهم بالضرب بيد من...

الإعلام الحكومي: صحفيو غزة يحيون اليوم العالمي لحركة الصحافة بالدماء والدموع
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن صحفيي القطاع يحيون اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق الثالث من مايو/...

الطيران الحربي الإسرائيلي يشن غارات عنيفة على سوريا
دمشق - المركز الفلسطيني للإعلام شنت الطائرات الحربية الإسرائيلي مساء الجمعة- السبت سلسلة غارات جوية واسعة في محيط العاصمة دمشق وفي حماة وسط سورية...

الاحتلال يستهدف مجموعات شرطية أثناء ملاحقتها عصابات لصوص بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد وأصيب عدد من عناصر الشرطة الفلسطينية، مساء اليوم الجمعة، إثر استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة...