الأحد 04/مايو/2025

الشيخ الدرديسي وعائلته.. أبطال في الحروب ورموز في مجالدة الاحتلال

الشيخ الدرديسي وعائلته.. أبطال في الحروب ورموز في مجالدة الاحتلال

خانيونس – المركز الفلسطيني للإعلام

في مشهد مؤثر ومهيب ضمن مشاهد تسليم جثامين أسرى الاحتلال في خانيونس أمس الخميس، خرجت امرأة غزّية في كلمةٍ نقلتها وسائل الإعلام المختلفة لتُؤكّد أن الاحتلال فشل فشلاً ذريعًا في انتزاع أسراه بالقوة، وأنه لم يستطع أخذ “شعرة” منهم، وبدلاً من تحريرهم قام بقتلهم، مضيفة أنها حضرت لتشدد على أنهم (الفلسطينيون) “أقوى وأذكى من الاحتلال الذي عاث في هذه الأرض فسادًا”.

هذه الكلمات قد تبدو عادية في ظل حالة الصمود الفلسطيني منذ اندلاع ملحمة طوفان الأقصى، لكنّ وقْعها قد يأخذ طابعًا متميزًا عندما يُعرف أن قائلتها هي السيدة “أم عبد الله الدرديسي” زوجة الشيخ الفلسطيني “زكي الدرديسي” الذَين قدّما لفلسطين والقدس سبعة أبناء شهداء في عدة حروب.

نضال وتضحية

في مدينة خانيونس.. ما من أحد إلا ويعرف من هو الشيخ زكي الدرديسي (أبو عبد الله)، فهو شخصية بارزة في المدينة، ويُعدُّ مختارًا ورجل إصلاح، ومشهود له بالأخلاق الحميدة ومحبوب بين أهله وأبناء بلدته، وقد شارك في العديد من الجهود الاجتماعية والإصلاحية، وكان له دور فعّال في حل النزاعات وتعزيز الوحدة بين أفراد المجتمع.

للشيخ الدرديسي عدد من الأبناء، لم يسع يومًا لادّخارهم لدنياه أو لرعايته وقد مضى به العمر، بل قدّم سبعة منهم شهداء في معارك بطولية مقبلين غير مدبرين، وسجّلوا جميعًا أسماءهم بحروف من نور في ملاحم الجهاد والتضحية في الدفاع عن الأرض والمقدسات.

يزداد المشهد جلالاً بمعرفة أن رحلة عطاء وجهاد الشيخ الدرديسي قديمة وعميقة؛ حيث استُشهد أول أبنائه عبد الله، ثم عبد الرحمن أثناء تصديه لاجتياح إسرائيلي في منطقة عبسان الكبيرة عام 2004؛ وكان الشيخ زكي نفسه متقدمًا صفوف المجاهدين، واستمر في القتال حتى انسحاب القوات الإسرائيلية، مؤكدًا على التزامه بالمقاومة والدفاع عن أرضه، بينما في عام 2006، تعرض منزله للاستهداف، مما يعكس التحديات التي واجهها نتيجة لمواقفه ونشاطاته.

سبعة شهداء

وفي معركة طوفان الأقصى، كان الثمن الأفدح الذي قدمه الشيخ الدرديسي؛ حيث استشهد أربعة من أبنائه في معارك بطولية أثناء مواجهات مع قوات الاحتلال، فيما فقد الشيخ أملاكه وأرضه ومعظم مصدر رزقه، وعلى إثر ذلك ومع تشييع جنازة ابنه السابع شهيدًا، وقف بين الجموع في سكينة ورضا، مكررًا الكلمة التي أطلقها عند رأس شهيده الأول، وبصوته الجهوري المعتاد، قال: “أنا وأولادي وأحفادي فداء للمقاومة”.

الشهداء السبعة للشيخ الدرديسي سطروا بطولاتهم في معارك متعاقبة، إلا أن أحد أبنائه كان له من البطولة ما لن ينساه الاحتلال حتى يندحر من سائر تراب فلسطين، ألا وهو الشهيد البطل سالم الدرديسي بطل عملية “الزنة” والتي على إثرها قرر جيش الاحتلال الانسحاب من محافظة خانيونس.

ففي السادس من أبريل 2024 الموافق ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، استطاع مقاتلو كتائب القسام بتنفيذ كمين محكم في منطقة الزنة شرق خانيونس جنوبي قطاع غزة، فيما أطلق عليه “كمين الأبرار”، وقد أعلن المجاهدون أن هذه العملية كانت عبارة عن كمين مُركّب، وكان المستهدف فيها قوة صهيونية مكونة من 30 جنديًّا من لواء جفعاتي؛ حيث استخدموا في البداية عبوتين ناسفتين هما: “الرعدية” والتلفزيونية”، وقاموا بزرعها في المسار المتوقع لمرور القوة الصهيونية ثم تفجيرها فيهم.

كمين الأبرار

ثم يأتي الجانب الآخر من العملية والذي استمر عدة ساعات؛ حيث استهدف تمركز المجاهدون في أماكنهم للاشتباك مع القوات الصهيونية التي جاءت لإخلاء المكان وإجلاء القتلى، وكلما استُهدفت قوة أتت أخرى لتجد المجاهدين بانتظارها موقعين أفرادها بين قتيل وجريح.

وقالت كتائب القسام إن العملية تم التجهيز والإعداد لها قبل تنفيذها بـ 50 يومًا وفق معلومات استخباراتية دقيقة لرصد أماكن قوات الاحتلال ورصد مخططات تنقلاتهم بين منطقة وأخرى، وقد أسفرت العملية عن مقتل مالا يقل عن 9 أفراد بين ضباط وجنود بينما أصيب آخرون، إلا أن الاحتلال لم يعترف سوى بمقتل 4 منهم لإخفاء فشله وإخفاقاته في معاركه أمام أبطال المقاومة، الذين انسحبوا بعد المعركة البطولية بسلام، والتي كان قائدها “جزار الآليات”.. فمن هو ذلكم البطل؟.

سالم.. “جزار الآليات”

أًطلق عليه لقب “جزار الآليات” لقدرته الفائقة على تدمير آليات الاحتلال وإيلام العدو بإيقاع الخسائر الفادحة في دباباته وجرافاته وناقلات جنده، إنه البطل المجاهد، مهندس كمين الأبرار في منطقة الزنة، سالم الدرديسي، والذي أذاق الاحتلال الويلات في خانيونس قبل أن يكون أحد أهم أسباب انسحاب الجيش الذي لم يجن من عدوانه على المدينة إلا الخيبة والهزيمة.

لم تنته بطولة سالم الدرديسي باستشهاده، بل كان له بعد ذلك ما أذل جبروت الاحتلال وأرغم أنفه أمام مجتمعه وجمهوره؛ حيث فوجئ قادة الاحتلال أمس أثناء عملية تسليم جثامين أسرى الاحتلال، ظهور قائد المنطقة الشرقية لخانيونس، والذي ادّعى الاحتلال أنه قتله قبل انسحاب جنوده من المدينة، ليظهر القائد أمس في عملية التسليم، مُكذّبًا رواية الاحتلال وفاضحًا ادعاءاته، وكان ذلك إحدى الثمار التي غرسها الشهيد سالم الدرديسي ببطولاتهم في مواجهة الاحتلال والتي تُوّجت بكمين الأبرار.

عجائب عائلة الدرديسي في تضحياتهم وبطولاتهم عبّرت عنها الأم الصابرة المحتسبة أمس في كلمتها أثناء مراسم تسليم الجثامين، وذلك بعد عدة أيام عدة أيام من إقامة زوجها الشيخ زكي الدرديسي مأدبة طعام كبيرة، دعا إليها الأسرى المحررين والمبعدين من الضفة والأردن إلى غزة، خطب فيهم خطبة عصماء، وقال: “نحن أهلكم إن عزّ الأهل، وسندكم إن عزّ السند، وظهركم إن عزّ الظهير”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات