الأربعاء 30/أبريل/2025

من النزوح إلى العودة.. هكذا اختلطت دموع الألم والفرحة في عيون الغزيين

من النزوح إلى العودة.. هكذا اختلطت دموع الألم والفرحة في عيون الغزيين

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

درةٌ جديدة تَجمّل بها تاج معركة طوفان الأقصى، صباح اليوم، ومشهدٌ مهيبٌ ربما يكون أعظم مما تخيله أبطاله؛ تمثّل في عودة النازحين الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله؛ حاملين معهم قليلًا من الأمتعة، وكثيرًا من المعاني المختلطة التي جمعت بين ألم فقدان الأهل والتهجير بعيدًا عن موطنهم والبحث عن بقايا البيوت المدمرة، من جهة، ومن جهة أخرى مشاعر فرحة العودة إلى الديار، وإفشال مخطط التهجير، والتلويح بالنصر على العدو الذي عاد خاسئًا حسيرًا، والأهم من كل هذا، تجدد الأمل في حق عودة النازحين من شتى بقاع الأرض منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، إلى الديار الفلسطينية، بعد أن يندحر المحتل عن الأرض، ويعود الوطن لأصحابه.

الثّمن الباهظ الذي دفعه سكان غزة لـ 470 يومًا، والدماء التي سالت من جثامين الشهداء من كل العائلات، والبيوت التي هُدّمت، والأواصر التي تشتتت.. كل ذلك لم يغب عن مشهد العودة اليوم؛ حيث انطلق أهل الشمال يعدّون خطواتهم عدًّا للبحث عن جثامين مفقوديهم، وتوديع شهدائهم، وتقبيل الأرض التي تغطّت بركام ديارهم المقصوفة، لكنهم يحملون في أيديهم رايات النصر رغم تلك الآلام؛ إذ طُويت صفحة الحرب، بينما بقيت الأرض لأهلها رغم أنف قوى العالم الذي تآمر عليهم.

ما لا يقل عن عشرة كيلومترات قطعها سكان الشمال سيرًا على الأقدام، لا فرق فيهم بين من أعانته قوته على ذلك الجهد، ومن أعياه ضعف جسده أو كِبَرُ سِنِّه عن تحمل تلك المشقة، فالكل كان مسرعًا يحثّ الخطى نحو الذكريات القديمة، ويحمله الشوق إلى ما خلّفه وراءه من بيت وأهل وأصحاب، حتى أصاب الإعياء العديد من النازحين، ووقعت بعض الإصابات بسبب التدافع، كما صرح بذلك الدفاع المدني.

غير مكترثين بالحال التي سيكونون عليها فور وصولهم، من حيث لا ديار لهم ولا حتى خيام تكفيهم، نزح الغزيون لا يحسبون لشيء حسابًا إلا أن تطأ أقدامهم تراب مدينتهم، يتحدثون عن ركام بيوتهم كما لو أنها قصر مشيد يتشوقون للمكوث فيه، وذلك رغم صعوبة الوضاع وانعدام الإمكانات التي تعينهم على معاشهم لفترة ليست بالقليلة.

وتضيف “هيئة الدفاع المدني” في تصريح للتلفزيون العربي، أن مئات الآلاف نزحوا باتجاه شمال القطاع في ظل محدودية التجهيزات والخيام لإيوائهم؛ حيث قطعوا 10 كيلومترات على الأقل سيرا على الأقدام، بينما يبقى نحو 10 آلاف شهيد لا يزالون تحت الأنقاض ولا نملك معدات لانتشالهم، مؤكدة أن خدماتها أخرجت عن الخدمة بالكامل في محافظات شمال غزة.

لوحة من العشق الصادق والانتماء العميق، اكتملت اليوم بعودة النازحين، بعد أن بدأها القابعون في الشمال الذين فضّلوا الموت في دورهم على النزوح، حتى وإن كان نزوحًا داخل قطاع غزة، فلا يلاحظ فرقٌ اليوم بين من تشبث بالإقامة في داره ودفع الثمن من دمه، وبين من هُجّر قسرًا إلى جنوب القطاع، فكلاهما أثبت أن في تلك الأرض محياه ومماته مهما حال دون ذلك المتآمرون.

وخلال تغطيته لمشهد عودة النازحين، أكد الصحفي أنس الشريف أن مئات الآلاف نزحوا من الجنوب إلى الشمال، وفيهم الشباب والشيوخ والمرضى، سيرًا على الأقدام عبر شارع الرشيد الذي دمره جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث كان هذا الشارع أحد المعالم الرئيسية لمدينة غزة.

“هذا بوم الزحف العظيم بعد معاناة النزوح والخيام والعذاب والقصف.. احنا اليوم بدنا نرجع على ركام بيوتنا، بس رجعتنا هذه هي نصر لنا وعزة وفخر إن شاء الله”.. كانت هذه كلمات أحد العائدين اليوم إلى شمال غزة.

مصطحبًا طفلَيه على دراجته، يقول غزيٌّ آخر -متحدثًا للجزيرة-: “احنا كنا رافضين انا نطلع.. طلعنا غصب عنا وراجعين رافعين الروس والحمد لله رجعنا رغم كل الدمار هنرجع وغصبًا عن نتنياهو وغصبًا عن أمريكا كمان.. احنا لا نهاب الموت.. شعب الجبارين..”، ويشير إلى طفله الصغير قائلا: “هذا الطفل جاء في الجنوب.. رحنا بواحد وجينا باتنين”.

وفي المقابل، غادر جنود الاحتلال محور نتساريم، بعد استمرار عدوانهم على القطاع طوال فترة الحرب؛ حيث أريد لهذا المحور أن يفصل شمال القطاع عن جنوبه، بينما ظلت تصريحات قادة الاحتلال تؤكد أن البقاء في هذا المحور ضمن الخطط الاستراتيجية لجيش الاحتلال، إلا أنه اليوم عاد فلسطينيًّا خالصًا ولم يبلغ الاحتلال منه شيئًا إلا التدمير كما هي عادته.

وقالت القناة الـ 14 الإسرائيلية، إن “جنود الاحتلال غادروا محور نتساريم وهم يذرفون الدموع، ويشعرون أن ما فعلوه لأكثر من عام بغزة يذهب هباءً”.

وهناك؛ حيث الشمال الصامد المرابط الذي قدّم أهله أعظم الأمثلة في الارتباط بالأرض والديار، يستقبل المقيمون النازحين بالأحضان والترحاب والزغاريد، وهم يهنئون بعضهم باللقاء بعد الفراق، وبالعودة بعد النزوح، ويقبلون الأرض ويسجدون على ترابها.

وعرفانًا بدور الأبطال البواسل من قادة المقاومة، شهد شمال القطاع إرسال المواطنين باقة من الحب والاعتزاز بالمقاومة والمجاهدين، ووضعوا على أنقاض منزل القائد الشهيد إسماعيل هنية -الرئيس الأسبق للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والذي اغتاله جيش الاحتلال في العاصمة الإيرانية طهران في يوليو/تموز الماضي.

وتزداد البشرى لدى الغزيين بتزامن يوم عودتهم مع تواريخ هامة ومحطات مفصلية في تاريخ الأمة والقدس؛ حيث يوافق اليوم الـ 27 من شهر رجب، ذكرى معجزة الإسراء والمعراج، التي أُسري فيها بالنبي محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلّى بالأنبياء تحت قبة الصخرة، كما يوافق اليوم ذكرى موقعة حطين التي خاضها القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين بعد احتلالهم القدس لأكثر من 90 عامًا.

ويأتي يوم عودة أهل الشمال إلى ديارهم في ذات التاريخ، ليجدد الأمل بأن هذه الأمة لا موات لها، وأن عناصر الحياة والكرامة والنصر والاتصال بالسماء متأصلة فيها ومتوارثة بين أجيالها، لا ينال من ذلك محتل غاصب، أو خائنٌ منبطح.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

قصف إسرائيلي على صحنايا بريف دمشق

قصف إسرائيلي على صحنايا بريف دمشق

دمشق - المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي -اليوم الأربعاء - عدة غارات على صحنايا في ريف دمشق، بالتزامن مع عملية أمنية ضد...