الأربعاء 30/أبريل/2025

علاقة السلطة المضطربة مع الجزيرة… من ليس معي فهو ضدي

علاقة السلطة المضطربة مع الجزيرة… من ليس معي فهو ضدي

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام

شهدت العلاقة بين السلطة الفلسطينية وقناة الجزيرة توترات متكررة، توجت بقرار وقف عملها في الأراضي الفلسطينية في غمرة تصعيد وقمع حريات بلغ ذروته في حصار مخيم جنين واعتقال مدونين عبروا عن آراءهم وإجبارهم على نشر مقاطع فيديو اعتذارية، مع بث فيديوهات لقمعهم في مشاهد أثارت غضبا فلسطينيا واسعًا.

وجاء قرار تجميد أعمال الجزيرة في الأول من يناير 2025، بعد تغطية الشبكة لمواجهات بين قوات أمن السلطة والمقاومة في مخيم جنين، تحت مزاعم أن تغطيتها تحريضية لكونها استضافت عددًا من الشهود الذين كشفوا رواية السلطة التي اضطر الناطق باسم أجهزتها الأمنية للانسحاب من مقابلة صحفية مع قناة الجزيرة مباشر، بمواجهة والدة الصحفية شذا صباغ التي قتلتها أجهزة أمن السلطة وحاولت السلطة التنصل من المسؤولية عن الجريمة واتهام المقاومة بها.

وأثار القرار انتقادات فلسطينية وحقوقية، حيث قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إنه يتماهى مع قرار مشابه اتخذته حكومة الاحتلال على خلفية تغطية جرائم الاحتلال، حيث قامت قوات كبيرة بمحاصرة مكاتب الجزيرة وإغلاقها، وبالمثل فعلت أجهزة أمن السلطة.

تبادل لأدوار الاحتلال

وأضافت المنظمة، في بيان لها، “إن حكومة الاحتلال ساءها ما تقوم به قناة الجزيرة من نقل للحقائق في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى وجه الخصوص ما يجري في قطاع غزة. وبالمثل، اليوم، السلطة تقوم بإغلاق مكتب الجزيرة لأن السلطة لا تريد أن تقوم وسائل الإعلام بتغطية انتهاكات أجهزتها الأمنية ولا حتى جرائم الاحتلال”.

وأكدت المنظمة أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وحكومته وأجهزته الأمنية ذهبوا بعيدًا في تداول الأدوار مع قوات الاحتلال، من الاعتقالات والتعذيب إلى القتل، وصولًا إلى قمع حرية التعبير والاعتداء على مهنة الصحافة.

وبينت المنظمة أن أجهزة السلطة والمحسوبين عليها يقومون بشكل منهجي بشن حملات دعائية وشيطنة ضد كل وسيلة إعلام أو صحفي ينشر تقريرًا أو خبرًا يكشف أي انتهاكات لهذه الأجهزة، هذا فضلًا عن الاعتداء الميداني على الصحفيين واعتقالهم.

وأشارت المنظمة إلى أن المنفذ الوحيد للعالم الذي بقي للفلسطينيين لنقل معاناتهم هو الصحافة والإعلام، بعد أن أغلقت في وجههم كل الأبواب بحيث لم يستطع أحد وضع حد لجرائم الاحتلال أو انتهاكات أجهزة أمن السلطة المتواصلة.

وشددت المنظمة على أن هذا الانحدار الخطير من قبل السلطة الفلسطينية في التعاطي مع الإعلام، والتعامل معه على أنه مجرد وسيلة لنقل روايتها ورواية الاحتلال وبث دعايتهما المضللة، يوجب من كافة المعنيين من منظمات ومجتمع مدني التصدي لمثل هذا القرار التعسفي.

وأضافت: “إن الصحفيين عمومًا وشبكة الجزيرة خصوصًا قدموا الكثير في سبيل نقل حقيقة ما يجري بشكل مهني ومحايد، ومن أجل ذلك استُهدف صحفيوها وعائلاتهم بعمليات تصفية جبانة ومركزة في إطار الإبادة المستمرة في قطاع غزة”.

وأكدت المنظمة، أن الواجب يقتضي تكريم هؤلاء الصحفيين على ما قدموه، وتوفير كافة الوسائل للقيام بعملهم، لا اقتحام مكاتبهم وترويعهم كما يفعل الاحتلال. يكفيهم ما يتكبدون من مخاطر وعناء أثناء تغطيتهم للأحداث.

ودعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، الرئيس عباس إلى إلغاء هذا القرار بشكل فوري نظرًا لتداعياته الخطيرة في تعطيل نقل حقيقة ما يرتكبه الاحتلال وقطعان المستوطنين من جرائم بحق الفلسطينيين.

وطال قرار الصادر عن اللجنة الوزارية المختصة المكونة من وزارات الثقافة والداخلية والاتصالات، تجميد أعمال الجزيرة كافة الصحفيين والعاملين معها والطواقم والقنوات التابعة لها “بشكل مؤقت إلى حين تصويب وضعها القانوني؛ وذلك لمخالفة فضائية الجزيرة القوانين والأنظمة المعمول بها في فلسطين”.

وجاء في القرار أن الجزيرة “تصر على بث مواد تحريضية وتقارير تتسم بالتضليل وإثارة الفتنة والعبث والتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية”.

سلوك قمعي

ونددت فصائل فلسطينية بشدة بقرار السلطة الفلسطينية وقف بث قناة الجزيرة وإغلاق مكتبها في رام الله بالضفة الغربية ودعتها للتراجع عنه.

واستنكرت حركة حماس بشدة القرار، وعدته “انتهاكا صارخا لحرية الإعلام وسلوكا قمعيا يهدف إلى تكميم الأفواه”.

ووصفت حماس في بيان القرار “بغير القانوني ويمثل إساءة مباشرة لمهنة الصحافة والإعلام في مرحلة حرجة تتطلب تسليط الضوء على جرائم الاحتلال في غزة والضفة الغربية”.

ودعت الحركة السلطة الفلسطينية إلى التراجع الفوري عن هذه الخطوة، ودعت المؤسسات الحقوقية والإعلامية للوقوف بحزم في وجه ما وصفتها بالممارسات القمعية التي تتعارض مع قيم الحرية والديمقراطية.

ذرائع سياسية

من جانبها، نددت حركة الجهاد الإسلامي بقرار تجميد عمل قناة الجزيرة وإغلاق مكتبها في الضفة الغربية.

وعبرت الحركة في بيان، عن استهجانها لإقدام السلطة الفلسطينية على إغلاق مكتب قناة الجزيرة في وقت أحوج ما يكون فيه الشعب الفلسطيني وقضيته إلى صوت مسموع يوصل معاناته إلى العالم.

ورأت حركة الجهاد الإسلامي أن الإقدام على مثل هذه الخطوة لأسباب وذرائع وصفتها بالسياسية، لا يفيد القضية، لا سيما في هذا الوقت الحساس والحرج الذي يمر به الشعب الفلسطيني، وفق تعبير البيان.

ودعت الحركة السلطة في رام الله إلى التراجع عن قرارها وتسهيل عمل جميع الأطقم الإعلامية التي قالت إنها داعمة لقضية فلسطين وشعبها.

كما نددت لجان المقاومة في فلسطين بقرار السلطة إغلاق مكتب الجزيرة ووصفته بأنه جائر ومخالف للدستور الفلسطيني الذي يكفل حرية وحماية العمل الصحفي والصحفيين، ودعت للتراجع الفوري عنه.

قرار جائر

وفي الإطار نفسه، وصفت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية قرار السلطة بأنه لا يفيد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ودعتها الى التراجع عنه، ووصفت الحركة قناة الجزيرة بأنها أكثر من يغطي نضال الشعب الفلسطيني ويعري جرائم الاحتلال بكل اللغات.

كما قالت إن الجزيرة هي القناة الأكثر مشاهدة في فلسطين والمنطقة ويتعرض مراسلوها الفلسطينيون لاعتداءات لا تتوقف من جانب الاحتلال.

دعاوى واهية

من جانبه، حذر منتدى الإعلاميين الفلسطينيين من مغبة المساس بحرية الرأي والتعبير وحق الجمهور بالوصول للمعلومات من خلال صحافة حرة. ووصف مبررات السلطة لإغلاق مكتب الجزيرة بأنها “دعاوى واهية، ومحاولة مفضوحة للتأثير على التغطية المهنية المشهودة للقناة وطواقمها للأحداث لاسيما العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة. وخطوة بعيدة كل البعد عن مصالح شعبنا الفلسطيني”.

وأعرب المنتدى في بيان، عن أسفه لانسجام القرار مع قرار إسرائيلي سابق بإغلاق مكتب القناة في رام الله، مؤكدا أنه ينذر بخطورة بالغة على عمل الصحفيين في الضفة الغربية ويهدد بشكل صارخ حرية الصحافة.

وشدد على أن قرار إغلاق مكتب الجزيرة في رام الله يعد تنكراً لدماء الزميلة شيرين أبو عاقلة مراسلة القناة التي قضت برصاص الاحتلال في الضفة الغربية، ورفاقها سامر أبو دقة وحمزة الدحدوح وأحمد اللوح الذين قضوا بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

وطالب منتدى الإعلاميين الفلسطينيين السلطة الفلسطينية بالعدول فورا عن قرار وقف بثها وتجميد عملها في فلسطين، ودعا “الأسرة الإعلامية الفلسطينية للوقوف في وجه التعدي الصارخ على الحريات الإعلامية، وفضح أي محاولة للمس بحرية الصحافة”

وكانت شبكة الجزيرة عبرت عن أسفها لأن قرار السلطة الفلسطينية يأتي متناغما مع قرار حكومة الاحتلال إغلاق مكتبها في رام الله، وقالت إن قرار الإغلاق يأتي في أعقاب حملة تحريض وترهيب مستمرة من جهات ترعاها السلطة الفلسطينية ضد صحفيي الشبكة.

وأكدت الجزيرة في بيان رسمي، أن هذا الإجراء يُعد محاولةً لثنيها عن تغطية الأحداث في الضفة الغربية، في وقت تتعرض فيه غزة لحرب شرسة، مشددةً على التزامها بنقل الحقيقة ومواصلة تغطيتها المهنية للأحداث في فلسطين.

يذكر أن مكتب قناة “الجزيرة” في الضفة الغربية مغلق بقرار من جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 22 سبتمبر/ أيلول 2024، حيث اقتحم الجيش مكتبها وسلم طاقمها قرار الإغلاق لمدة 45 يوما، وعملت على تجديده أكثر من مرة، وأثارت الخطوة تنديدا دوليا واسعا.

حساسية السلطة للنقد

ويعد قرار إغلاق مكتب الجزيرة في رام الله جزءًا من سياق أوسع للتوترات المستمرة بين السلطة الفلسطينية وبعض وسائل الإعلام، خاصة تلك التي تتناول القضايا الحساسة المتعلقة بالوضع الداخلي الفلسطيني.

وعُرفت الجزيرة بتغطيتها الشاملة للشأن الفلسطيني، بما في ذلك قضايا الانقسام الداخلي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وعادة ما ركزت القناة على انتقاد السلوك السياسي للسلطة في رام الله في مقابل دعمها الإعلامي لشرعية المقاومة الفلسطينية بمختلف وسائل بما في ذلك المسلحة. كما أبرزت القناة في تغطياتها وبرامج قضايا مثل التنسيق الأمني مع إسرائيل، وقمع الحريات، والفساد، وهو ما تعتبره السلطة تحريضًا ضدها.

وتزعم السلطة الفلسطينية أن الجزيرة تميل إلى تغطية تعكس موقفًا إيجابيًا تجاه حماس في تغطيتها للخلافات معها، حيث تُبرز انتقادات الحركة للسلطة وأجهزتها الأمنية وتسلط الضوء على سياساتها القمعية. وهي تغطية تقول السلطة إنها تعزز استقطاب الجمهور الفلسطيني المكتوي بنار سياساتها.

تاريخ من الشد والجذب

وقرار إغلاق مكتب الجزيرة ليس الأول في العلاقة التي شابها شد وجذب بين القناة والسلطة الفلسطينية منذ أحداث الانقسام الداخلي في يونيو/ حزيران 2007، بشكل يعكس حساسية السلطة المفرطة تجاه النقد الإعلامي.

ففي عام 2007، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، قدمت الجزيرة تغطية موسعة للأحداث، مما أثار انتقادات من السلطة الفلسطينية التي اعتبرت التغطية منحازة وتساهم في تعميق الانقسام. وهو العام نفسه الذي نشرت فيه الجزيرة وثائق رسمية عن مساعي مندوبية فلسطين لدى الأمم المتحدة لاستصدار قرار يصف حركة حماس بأنها “مليشيا خارجة على القانون”.

وفي يوليو 2009 أغلقت السلطة مكتب قناة الجزيرة في الضفة على خلفية اتهامات “بالانحياز”. واعتبرت السلطة أن الجزيرة تروج لصورة سلبية لكيفية أداء السلطة لمهامها.

وجاء إغلاق مكتب القناة أيام من إدلاء فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية العليا لحركة فتح بحديث أشار فيه إلى صحة وثيقة تحدثت عن تواطؤ رئيس السلطة محمود عباس ومحمد دحلان مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي باغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

وفي يناير 2011، نشرت اتهمت السلطة بمخالفة “المهنية الإعلامية” بنشرها ما عُرف باسم “وثائق فلسطين”، التي تضمنت تفاصيل عن مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بين عامي 2000 و2010، وقد أثار هذا النشر غضب السلطة، حيث اعتبرته محاولة لتقويض موقفها وإحراجها أمام الرأي العام.

وكشفت الوثائق البالغ عددها 16076 وثيقة ما بين محاضر اجتماعات ورسائل إلكترونية ومراسلات تبادلها مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون وأمريكيون، أن المفاوضين الفلسطينيين وافقوا على احتفاظ الاحتلال بأجزاء واسعة من شرقي مدينة القدس المحتلة. وأن المسؤولين الفلسطينيين اقترحوا إنشاء لجنة مشتركة تشرف على إدارة شرقي القدس.

وفي سبتمبر 2012، رأت السلطة في تغطية الجزيرة للاحتجاجات الشعبية ضد حكومة سلام فياض، للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الضفة الغربية بسبب غلاء المواد الأساسية والوقود “تحريضًا وتأجيجًا للشارع الفلسطيني ضدها”.

وارتبطت زيادة الأسعار فيه حينه برفع سلطات الاحتلال أسعار المحروقات لتقليص عجز الميزانية العامة، وهو ما دفع السلطة الفلسطينية لرفع أسعارها في الضفة الغربية كما نص على ذلك بروتوكول باريس الاقتصادي الذي قيدها بغلاف جمركي واحد مع إسرائيل. وفي حين أن إسرائيل عملت على رفع الحد الأدنى للأجور لمواجهة الغلاء، وهو ما لم تفعله حكومة سلام فياض.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش أن الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني عبر منع الماء والغذاء...