الخميس 07/نوفمبر/2024

مقابر الأرقام.. شهداءُ أسرى يتوقون إلى تشييع يليق بهم ويريح قلوب ذويهم

مقابر الأرقام.. شهداءُ أسرى يتوقون إلى تشييع يليق بهم ويريح قلوب ذويهم

فلسطين المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام

لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي باعتقال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الأحياء، بل امتدّ حقده إلى الشهداء والأموات؛ فيأسر جثامينهم في مقابر الأرقام.

وتحتجز سلطات الاحتلال جثامين عشرات الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا أثناء مقاومتهم للاحتلال، أو داخل السجون والمعتقلات، ولا تزال الكثير من الأُسَر المكلومة تنتظر استلام جثامين أبنائها الشهداء منذ أكثر من أربعة عقود.

وتعمّدت قوات الاحتلال دفن أولئك الشهداء في مقابر سرية، محاطة بالحجارة دون شواهد سوى لوحة تحمل رقماً، سميت “مقابر الأرقام”. وفي الوقت ذاته، تحتجر سلطات الاحتلال جثث العديد من الشهداء في ثلاجات.

سياسة ممنهجة

تعدّ سياسة احتجاز جثامين الشهداء واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية والدينية والقانونية والأخلاقية، ومنافية لكافة الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، التي تنص على حق الموتى في التكريم، وأن يدفنوا وفقاً لمعتقداتهم، وحقّ ذويهم في الوصول إلى قبورهم.

وتشير المؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى إنّ “مقابر الأرقام” تعود إلى بداية تأسيس دولة الاحتلال، إلا أنها تكرّست منذ انطلاق العمل الفلسطيني المسلح بعد عام 1967، قبل أن تصل سياسة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين إلى ذروتها في العام 2015، عندما أجيزت رسمياً من قبل ما تسمّى “المحكمة العليا الإسرائيلية”، وهي أعلى مرجع قضائي في دولة الاحتلال، رغم عدم وجود قانونٍ محلي أو عالمي يسمح بذلك.

ووفقاً لمعطيات الصحافة الإسرائيلية إلى إن تلك المقابر تفتقد إلى الحد الأدنى من المواصفات التي تصلح لدفن الأموات من البشر، حتى أن بعضها ربما يكون قد أزيل تماماً بفعل انجرافات التربة، كما أن الطريقة التي يجري فيها التعامل مع جثامين الشهداء الذين يدفنون فيها مهينة، إذ يجري في أغلبية الأحيان طمر الشهيد بالرمال والطين، من دون وضع عازل إسمنتي، كذلك أحياناً يدفن أكثر من شهيد في الحفرة نفسها، وربما تضم الحفر شهداء من الرجال والنساء.

أعداد المقابر

مع أنّ العدد الحقيقي لمقابر الأرقام غير معروف، فقد كشفت مصادر صحفيّة إسرائيلية وأجنبية في السنوات الأخيرة معلومات عن 6 مقابر أرقام هي:

1. مقبرة الأرقام المجاورة لجسر ” بنات يعقوب “، وتقع في منطقة “عميعاد” العسكرية عند ملتقى الحدود الفلسطينية السورية اللبنانية، وتفيد بعض المصادر عن وجود ما يقرب من 500 قبر فيها لشهداء فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم ممن استشهدوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.

2. مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية ” مقبرة لضحايا العدو” ويوجد فيها أكثر من مائة قبر.

4. مقبرة “شحيطة”، وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا. غالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965-1975.

3. مقبرة ” ريفيديم ” وتقع في غور الأردن.

5. مقبرة “منوحا نخونا” في بئر السبع.

6. مقبرة عسقلان.

الطفلة ميلاد وليد دقة على أكتاف والدتها في فعالية تطالب بالإفراج عن جثمان والدها

أسباب احتجاز الجثامين

بالرغم من أنّ سلطات الاحتلال لا تذكر سبباً محدّداً لاحتفاظها بتلك الجثث، فوفقاً لكثير من المحلّلين والحقوقيين، فإنّها تستخدم انتقاماً من الشهداء وردعاً لغيرهم، أو كورقة تفاوض، أو للاستفادة من أعضائهم وفقاً لبعض التقارير.

انتزاع الأعضاء

كشف ممثل الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء عصام العاروري عن قيام السلطات الإسرائيلية بانتزاع أعضاء الشهداء الأسرى، وبيع أجسادهم لمراكز طبية معنية بهذه الأمور، ومبادلة أعضاء الشهداء الأسرى من قبل معهد أبو كبير للطب الشرعي مقابل الحصول على أجهزة طبية.

وفي 17 أغسطس 2009، شنَّ الكيان الصهيوني هجوماً قويّاً على الإعلام السويدي، حيث قام الصحفي “دونالد بوتسروم” بكتابة مقالة يؤكد فيها على أن دولة الاحتلال وعصاباتها تقوم بعمليات الإتجار بأعضاء الشهداء.

ويزيد من تأكيد هذا الأمر الصور التي نُشرت خلال السنوات الماضية لشهداء تم الاحتفاظ بجثامينهم في ثلاجات، وبعد تسليم تلك الجثامين ظهر واضحاً أنها تفتقد لبعض الأعضاء، كما تكون مخيطة بشكل يوحي أنه جرى شقها من أجل إخراج بعض الأعضاء، وروى أهالي بعض الشهداء أنهم دفنوا أبناءهم دون أعين أو أعضاء أخرى، غير أنّهم يمتنعون عن توثيق إكراماً لحرمة الشهيد، خاصة بعد غياب دام لأشهر أو سنوات في ثلاجات أو مقابر الأرقام.

ورقة تفاوض

تمتنع سلطات الاحتلال عن إعطاء أي معلومات حول عدد جثامين الشهداء المحتجزة، أو أماكن احتجازها، وترفض إصدار شهادات وفاة بأسماء الشهداء.

وعلى الرغم من أن محكمة الاحتلال أصدرت قانوناً عام 2017، باعتبار حجز جثامين الشهداء غير قانوني، فإنه لم تصدر قراراً بإطلاق الجثامين، بذرائع واهية، كان آخرها استخدام الجثامين ورقة للتفاوض حول الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة لدى حركة حماس، رغم أن سياسة احتجاز جثامين الشهداء سابقة لولادة الحركة، ما يؤكد أن هذا النهج يضرب بجذوره في عمق السياسة العنصرية الإسرائيلية، التي تنتقم من الأشخاص حتى بعد استشهادهم.

عمداء الأسرى الشهداء

يطلق لقب “عميد الأسرى” على الأسير الحيّ الأقدم في سجون الاحتلال، وهو حالياً الأسير نائل البرغوثي الذي قضى نحو 45 عاماً من عمره في سجون الاحتلال تخللها حرية مؤقتة لم تتجاوز 32 شهراً في صفقة وفاء الأحرار.

وفي المقابل، فإنّ هناك العديد من الشهداء، الذين قد يصحّ أن يطلق عليهم “عمداء الأسرى الشهداء”، حيث احتجزت جثامينهم لسنوات عديدة، أو ما زالت قيد الأسر مدفونة في “مقابر الأرقام”، أو رهينة في “ثلاجات الانتقام”.

الشهيد أنيس دولة

ولد الشهيد أنيس في قلقيلية في العام 1944، وانضم لصفوف الثورة الفلسطينية في العام 1966، واشترك مع أفراد مجموعته في تفجير مقر الحاكم العسكري في نابلس أواخر 1968، حيث اشتبك أنيس مع جيش الاحتلال للتغطية على انسحاب أفراد المجموعة التي عادت إلى الأردن، وأصيب برصاصة في ساقه واعتقل بعد مطاردته لعدة ساعات. ثمّ صدر بحقه حكم بالسجن أربع مؤبدات.

تعرّض أنيس لأبشع أنواع التعذيب من ضرب وحرمان من النوم وصدمات كهربائية، نتج عنها إصابته بضعف في عضلة القلب. وبالرغم من ذلك، فقد شارك في إضراب تموز 1980 الذي استمر 33 يوماً، حيث هوجم الأسرى بقسوة وعنف من سلطات السجن لإجبارهم على فكّ إضرابهم، حيث استشهد ثلاثة من الأسرى، ثمّ ما لبث أنيس أن لحق بهم في الشهر التالي في 31 أغسطس 1980 عن عمر يناهز 36 عاماً.

وقد تقدمت عائلته بشكوى لمركز القدس للمساعدة القانونية، لتبقى قضيته حية، وقام المركز بنقل ملفه إلى ما تسمّى “المحكمة العليا الإسرائيلية” التي ردّت في جلسة عقدت عام 2010 بأن “الجثمان مفقود”، ثم أُغلق الملف من قبل المحكمة نفسها عام 2011، بحجة استنفاد كافة الوسائل لإيجاد الجثمان، وأصبح من الجثامين التي لا تعترف إسرائيل بوجودها.

الشهيد مشهور العاروري

ولد الشهيد مشهور في بلدة عارورة بمحافظة رام الله في العام 1944، والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية أثناء دراسته في لبنان.

وفي عام 1976، قاد مجموعة فدائية تنتمي للجبهة الديمقراطية ضد هدف إسرائيلي في الأغوار الفلسطينية ليستشهد عن عمر يناهز 22 عاماً.

وقد احتجزت إسرائيل جثمان الشهيد في مقابر الأرقام مدة 34 عاماً، قبل أن تستردّه عائلته في العام 2010 بعد إجراء فحوص طبية للجثة لإثبات هويّته، وقد شيعه آلاف الفلسطينيين من مستشفى رام الله إلى بلدته عارورة.

ويعدّ العاروري أول شهيد يسترد الفلسطينيون جثمانه ممن غيبهم الاحتلال في مقابر الأرقام.

الشهيد علي الجعفري

ولد الشهيد علي في قرية رافات سنة 1946، وهاجرت أسرته منها بعد النكبة إلى مخيم عقبة جبر في أريحا، ثم انتقلت للعيش في مخيم الدهيشة.

التحق الشهيد بصفوف الثورة الفلسطينية بعد عام 1967، واشتبك مع قوات الاحتلال في منطقة وادي القلط بأريحا بتاريخ 8 يناير 1968، الأمر الذي أدّى إلى إصابته واعتقاله، فيما استشهد رفاقه.

وقد حكم على الجعفري بالسجن المؤبد، وهو ينتمي إلى عائلة مناضلة إذ استشهد أخوه محمد ومازال رفاته محجوزاً في مقابر الأرقام العسكرية الإسرائيلية، واستشهد أخوه إبراهيم خلال إحداث أيلول عام 1970.

وقد استشهد الجعفري في إضراب سجن نفحة في تموز 1980، وقد احتجزت سلطات الاحتلال جثمان الشهيد مدة 13 عاماً في مقابر الأرقام، قبل تسليمه لعائلته عام 1993 حيث جرت له جنازة مهيبة في محافظة بيت لحم.

شهيدات في مقابر وثلاجات الاحتلال

ومن الجدير ذكره أنّ سياسة احتجاز جثامين الشهداء تصاعدت من قبل دولة الاحتلال بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لاستخدامهم كورقة مساومة في ظل وجود أسرى إسرائيليين لدى المقاومة.

ومن الواجب الوطني والإنساني أن تسعى جميع القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية لاستعادة جثامين أولئك الشهداء الذي يأسرهم الاحتلال في المقابر أو الثلاجات، من أجل لتمكين ذويهم من تشييعهم وإعادة دفنهم بما يليق بهم وبما قدموا من تضحيات.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات