الإثنين 12/أغسطس/2024

تعرض لتعذيبٍ وحشيٍ.. تفاصيل جديدة حول استشهاد القيادي أبو عرة بسجون الاحتلال

تعرض لتعذيبٍ وحشيٍ.. تفاصيل جديدة حول استشهاد القيادي أبو عرة بسجون الاحتلال

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام

كشف أسير خرج حديثا من سجون الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة، تفاصيل عملية الاغتيال والقتل المقصود الذي تعرض له القيادي في حركة حماس الشيخ الأسير مصطفى أبو عرة على أيدي وحدات خاصة إسرائيلية اقتحمت عليه الغرفة التي كان يتواجد بها مع مجموعة من الأسرى في سجن “ريمون” وضربه ضربا مبرحا وفي مناطق حساسة، الأمر الذي أفضى إلى وفاته بعد نحو أسبوع على الحادثة. 

وقال الأسير المحرر -الذي طلب عدم ذكر اسمه إن الحادثة -التي وقعت قبل خمسة أيام من اعلان استشهاد الشيخ في 26-7 الماضي-كانت على مرأى ومسمع كل من تواجد في تلك الغرفة وعددهم 12 أسيرا، حيث اقتحمت قوة القمع المكونة من نحو عشرين جنديا مدججا بالسلاح والعتاد الغرفة، واعتدوا علينا جميعا، لكنهم سرعان ما تركونا وركزوا هجومهم على الشيخ، فيما كنت على مسافة لا تبعد عنه سوى ثلاثة أمتار، واستطيع رؤيته بوضوح، بحسب قدس برس.

يتابع “احاط بالشيخ مصطفى ما لا يقل عن عشرة جنود، وانهالوا عليه بالضرب والركل المتواصل على كافة انحاء جسمه، وبالكاد استطاع أن يحمي رأسه بعد أن وضعه بين أقدامه بوضعية السجود، وكان يصرخ من شدة الألم، لكنهم كانوا يزيدون من عدوانهم كلما استنجد بالله، حيث كان يكرر “يا الله… يا الله”… وفي لحظة حمله أحدهم ورفعه للأعلى ثم رماه بكل قوته على الأرض، ليهجم عليه الآخرون بالركل وهم يلبسون البساطير العسكرية -المصنوعة مقدمتها من الحديد- على وجهه ورأسه وصدره”.

يصف الأسير المحرر المشهد أنه وحشي بامتياز: “اعتقلت لمدة 11 سنة في سجون الاحتلال على فترات متباينة، وتعرضنا لهجمات مرعبة واصيب منا العشرات، لكن كل ذلك يهون أمام ما جرى للشيخ أبو عرة. كان يضربونه بكل حقد بهدف القتل أو على أقلها إحداث عاهة مستديمة له. لا يمكن أن ينجو الشيخ من هكذا هجوم”.

مرت الدقائق ثقيلة جدا وبطيئة، ولم يتمكن أحد من الأسرى أن يتفوه بكلمة واحدة، بل أن معظمهم جلس القرفصاء ووجهه للحائط، وكان هناك عناصر يقفون فوق رؤوسهم، وأي حركة تصدر من أي أسير تعني أنه سيلقى مصيرا مشابها.

في لحظة ما، رفع الراوي رأسه ينظر تجاه الشيخ، الذي قارب على فقدان الوعي، يقول “حمله ثلاثة من الجنود وقذفوه تجاهي، وأنا بشكل عفوي، رفعت يدي لمحاولة لقفه. لكنهم وبشكل فوري عاجلوني بالضرب الجنوني على رأسي وعيني اليمنى، فوقعت على الأرض إلى جانب الشيخ الذي كانت انفاسه ونبضات قلبه تتسارع.

بعد نحو خمس ساعات على الاعتداء، تحامل الشيخ على نفسه وحاول الوقوف للوضوء، لكنه فجأة صرخ صرخة تشي بألم كبير، وقال لي إنه يشعر بنغزة شديدة في خاصرته وأخرى من جهة القلب. فلما رفعت عنه ملابسه لأفحص إن كان هناك أي جرح أو ما شابه، صعقت مما رأيت، فقد كان جسده أزرقا وهناك تجمعات دموية في أكثر من مكان، وكاد يفقد الوعي من جديد. “هنا استجمعنا قوانا وحاولنا الحديث مع أحد السجانين، فهذا يعد ضربا من الجنون، ويعرض الأسير أو الأسرى في الغرفة أو حتى في القسم جميعه للعقاب. وبعد أخذ ورد استمر لأكثر من ساعتين، وافقوا على نقله للمستشفى. خرج الشيخ وهو يودعنا وكأنه كان يعلم أنه لن يعود. طبعت قبلة على رأسه، فأصر أن يقبلني هو وبالفعل قبّل رأسي وعيني التي كانت منتفخة جدا من شدة الضرب، وخرج يجر نفسه جرا.

طيلة الأيام التالية انقطعت أخبار اشيخ تماما، حتى وصل الخبر المشؤوم فجر الجمعة باستشهاده. يقول الأسير المحرر “جن جنوني، وبقيت حتى الإفراج عني لا أتكلم مع من حولي إلا للضرورة، فالفراق كان صعبا والحدث جلل، لكننا نترحم على رجل قل نظيره، فقد شبّ على الجهاد والدعوة وشاب عليهما، وفارق هذه الدنيا وهو على البيعة لله ورسوله”.

نقطة مهمة، يؤكد عليها الأسير المحرر وهي دحض رواية الاحتلال أن الشيخ مات بسبب الاهمال الطبي. يقول “صحيح أن الشيخ يملك سجلا مرضيا، فهو متقدم في السن. لكن الشهادة لله أنه كان رياضيا ويمارس التمارين السويدية يوميا، حتى أنه كان احيانا يمازحني بقوله “إذا بدك بحملك وبركض فيك”.

ويختم بقوله “قد يعتقد البعض أنني أقص عليه قصة فيلم شاهدته أو كتاب قرأته. لكنها الحقيقة المرة التي يعيشها أسرانا. ارتقاء 22 شهيدا في السجون ليس أمرا عفويا أو صدفة، بل سياسة ممنهجة تركز على قتل واغتيال الرموز السياسية والأسرى المؤثرين والبارزين.

قصته مع الاعتقالات

واعتقلت قوات الاحتلال الشيخ في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقبلها كان مقرراً له جولة علاجية لأمراض في الدم والجلد، إضافة لكونه يعاني أمراضاً مزمنة في القلب والغضروف وتضخماً في الطحال، وهذا جعله يتردد كثيراً على الأطباء والمستشفيات، لكنه عندما اعتقل تعرض كما الأسرى كافة لممارسات وانتهاكات فظيعة، منها الضرب والإهانة من دون الالتفات إلى سنه ومرضه.

كل هذا كان ضمن مشروع مخطط ومدروس من الاحتلال لاغتيال الشيخ، تقول عائلته “لم نكن نعلم عنه شيئاً، سواء عن مكان احتجازه في أي سجن، أو عن وضعه الصحي لأكثر من شهرين بعد اعتقاله، وكانت كل المعلومات تصل إلينا من أسرى محررين رافقوه المعاناة والمكابدة، وكلهم كانوا يعلموننا أن وضعه الصحي في تراجع، وأن إدارة السجون لا تهتم له ولا لغيره”.

وسرقت سجون الاحتلال من الشيخ سنين طويلة، على مدار تسعة اعتقالات في العقود الثلاثة الماضية، وفي إحداها جرى إبعاده إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني برفقة 415 من قيادات حركتي حماس والجهاد الاسلامي عام 1992.

وبدأت رحلة الاعتقالات عام 1990، ثم الإبعاد إلى مرج الزهور، وتتالت بعدها الأحداث، حيث اعتقل مرات عديدة، وللأسف اعتقل مرات عدة أيضاً في سجون السلطة الفلسطينية، آخرها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، لدى جهاز الأمن الوقائي، ولم يفرج عنه إلا بعد نقله إلى المستشفى. وحورب الشيخ في رزقه وعمله وجرى التضييق عليه كثيراً، لكن ذلك كله لم يثنه عن العمل الدعوي وعن الجهر بآرائه الوحدوية ودفاعه عن نهج المقاومة وتمسكه به حتى مات على ما هو عليه.

وبرز اسم الشيخ مصطفى أبو عرة خلال العقدين الأخيرين بصفته أحد أبرز قياديي حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة، وقد كان أحد الناطقين باسمها، خاصة في شمال الضفة الغربية، وكان من المتصدرين دوماً في جنازات الشهداء ومسيرات الأسرى.

وبدأ أبو عرة حياته متديناً، وانتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين أثناء دراسته الجامعية، وشارك في نشاطاتها الطلابية التوعوية والدعوية، وبعد عودته إلى فلسطين عام 1985 مارس العمل الدعوي والتربوي والاجتماعي مع الجماعة، وهذا ما جعله من أوائل المنتمين إلى حركة حماس فور تأسيسها، ليشارك في تأسيس فرعها في منطقته وبلدته عقابا تحديداً.

ونظراً لقربها من مدينة جنين، فقد كان حاضراً وبقوة في إعداد وتنفيذ العديد من فعالياتها هناك، وكان عضواً في لجنة طوارئ شكلتها الحركة لمتابعة العمل الدعوي والحركي فيها بين عامي (1996-1998)، كما أنَّه انخرط في العمل المؤسساتي؛ فكان رئيساً للجمعية العلمية الثقافية في عقابا في تسعينيات القرن الماضي، وعضواً في جمعية البر والإحسان في جنين ورئيساً لمكتبها بين عامي (2000-2007)، ومديراً لمكتب رابطة علماء فلسطين في محافظة جنين لعدة سنوات.

وانتخب أبو عرة رئيساً لمجلس شورى حركة حماس في محافظة جنين لدورتين متتابعتين (1998-2007)، كما انتخب عضواً في بلدية عقابا عن قائمة الإصلاح والتغيير المحسوبة على حركة حماس في انتخابات عام 2005، وأصبح رئيساً للبلدية عام 2007.

سيرة حافلة

والشهيد من مواليد 28 من إبريل/نيسان عام 1961، درس المرحلة الأساسية في مدرسة عقابا، والثانوية في مدرسة طوباس الثانوية، حيث حصل منها على الثانوية العامة في الفرع العلمي عام 1981، ونال درجة البكالوريوس في أصول الدين والدعوة من الجامعة الأردنية عام 1984.

عمل أبو عرة إماماً وخطيباً بحي المدينة الرياضية في عمان بين عامي (1982-1984)، وإماماً وخطيباً لمسجد تابع لـ”عرب الشبلي” في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1986، وإماماً وخطيباً في أحد مساجد جنين لسنوات، ثمَّ عُيِّن واعظاً وخطيباً في محافظة جنين بعقد من رابطة العالم الإسلامي بين عامي (1992-1996)، وانتقل بعدها للعمل مديراً لمكتب زكاة جنين، وكان مدرساً للتربية الإسلامية في وزارة التربية والتعليم، كما عمل مأذوناً شرعياً بين عامي (1999-2018).

عانى أبو عرة أثناء مسيرته النضالية؛ فقد منعه الاحتلال من السفر ومن دخول الأراضي المحتلة عام 1948 منذ الثمانينيات، واستدعته مخابراته عدة مرات، واغتالت شقيقه علان (من كوادر كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس) عام 1996 بالقرب من بلدة الجلمة شمال جنين شمالي الضفة الغربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات