الإثنين 12/أغسطس/2024

المقاومة بالضفة.. تصاعد رغم استهدافات الاحتلال وكوابح السلطة

المقاومة بالضفة.. تصاعد رغم استهدافات الاحتلال وكوابح السلطة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام

تشهد عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة تصاعداً ملحوظاً محاولة تجاوز القيود التي تفرضها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية على المقاومة هناك، بالاعتقال السياسي وتصفية عمليات المقاومة في مهدها، رغم مواصلة الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

ورصد مركز معلومات فلسطين “معطى” تنفيذ المقاومة في الضفة 28 عملًا مقاومًا خلال الـ24 ساعة الماضية.

وأوضح المركز في تقرير له اليوم الاثنين، أنه وثّق 5 عمليات إطلاق نار واشتباكات مسلحة، إلى جانب تفجير 4 عبوات ناسفة، وعمليتي إلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية، والتصدي لاعتداء من المستوطنين، وتحطيم مركبتين لهم وإعطاب آلية عسكرية.

وأشار إلى اندلاع مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال في 11 نقطة متفرقة بالضفة الغربية، كما خرجت مظاهرتين تنديداً بجرائم الاحتلال.

ونفذ المقاومون 687 عملية إطلاق نارٍ واشتباكٍ مسلح في الضفة الغربية منذ بداية العام الحالي وحتى الثاني من أغسطس/ آب 2024، أسفرت تلك العمليات عن مقتل 10 جنود ومستوطنين وإصابة 61 آخرين.

ومنذ السابع من أكتوبر رصد مركز معلومات فلسطين “معطى” بأن عمليات المقاومة في الضفة والقدس المحتلة والداخل المحتل أسفرت عن مقتل 39 إسرائيليًا وإصابة 443 آخرين منذ السابع من أكتوبر.

وتؤكد مصادر عسكرية في جيش الاحتلال أن عمليات إطلاق النار في الضفة الغربية تضاعفت خلال العام 2023 ثلاث مرات مقارنة بالأعوام السابقة، إذ سجل الجيش في العام 2021 ما يقارب 50 عملية إطلاق نار وسجل 350 حادث مماثل في عام 2023.

وتظهر استطلاعات أعدها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية أن أكثر من 58% من الفلسطينيين يؤيدون العمل المسلح لإنهاء الاحتلال وكسر الجمود السياسي الحالي.

وتوسعت دائرة الكتائب المسلحة في الضفة الغربية بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وازدادت أعداد المسلحين من فئة الشباب، بالرغم من ارتفاع أعداد الشهداء والمعتقلين٬ وقصفهم بالطائرات المسيرة وتدمير منازل المطلوبين.

وتفيد معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأنّ عدد الشهداء في الضفة الغربية المحتلة وصل إلى 620 فلسطينياً، 75% منهم من الشبّان والأطفال.

وينتهج جيش الاحتلال سياسة “جز العشب” لمنع تنامي المقاومة في الضفة، إذ خلفت عشرات العمليات العسكرية الإسرائيلية دماراً كبيراً في البنية التحتية لمدينتي جنين ومخيمها وطولكرم ومخيميها، بما في ذلك أعمال حفر وتخريب لشبكات الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي.

وتستهدف هذه السياسة منع المقاومة من التقاط الأنفاس، أو حتى محاولة تنفيذ عمليات ذات طابع هجومي كبير كالتي حدثت إبان انتفاضة الأقصى الثانية، باتجاه ترسيخ فكرة الندم وأن الثمن المدفوع فلسطينياً كان أكبر بكثير من النتائج التي عادت عليه بالفائدة جرّاء استمرار المقاومة.

يأتي ذلك وسط تصاعد عمليات الاعتقال، حيث وثقت تقرير مشترك أصدرته هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ونادي الأسير الفلسطيني، اعتقال الاحتلال حتى بداية أغسطس/آب 2024 9900 فلسطينياً، من بينهم 3432 معتقلا إداريا، وما لا يقل عن 250 طفلا، و86 امرأة منهن 23 معتقلة إداريا.

ووسط هذا كله، تستمر أجهزة أمن السلطة في رام الله، العاجزة عن حماية المواطنين الفلسطينيين من هجمات المستوطنين اليومية، بملاحقة المعارضين وشن حملات الاعتقال السياسي، وهي التي لطالما نادت بالمقاومة الشعبية لمواجهة التغول الاستيطاني.

وبالرغم من مواصلة الاحتلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على غزة، اعتقل الأجهزة الأمنية العشرات من الشبان بعد مشاركتهم بمسيرات غاضبة على اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.

ووفق بيانات حقوقية تعتقل أجهزة السلطة في الضفة المحتلة أكثر من 150 مواطنا فلسطينيا، بينهم مقاومون ومطاردون من قبل الاحتلال وطلبة جامعات وأسرى محررون ودعاة وكتاب وصحفيون، وترفض الأجهزة الإفراج عنهم، رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنهم أكثر من مرة.

ويقول مصدر-لم تسمه الصحيفة-إن الاعتقالات السياسية الأخيرة تمت عقب المسيرة التي رفعت فيها أعلام حركة حماس لأول مرة في المدينة منذ سنوات طويلة، حيث تمت ملاحقة من تعتقد الأجهزة الامنية أنهم من كوادر حماس الذين أشرفوا على تنظيم المسيرة، ومن الناشطين الذين برزوا خلالها، سواء بالهتاف أو رفع الرايات الخضراء.

ويضيف: “لدينا قائمة مكونة من عشرة أشخاص اعتقلوا لدى جهاز الأمن الوقائي تحديدا، وجرى عرضهم على النيابة العامة وتم تمديد اعتقالهم لفترات متفاوتة، ووجهت لهم للأسف التهم المعتادة، مثل الانضمام لتنظيم محظور، أو إثارة النعرات الطائفية، لكن التحقيق الذي خضعوا له كان يتركز على مشاركتهم الفعالة بمسيرة التنديد باغتيال إسماعيل هنية واتهامهم بالوقوف وراء الدعوة لها وتنظيمها”.

ويؤكد المصدر أن كل فعل موجه ضد الاحتلال سواء كان مقاومة عسكرية أو دعوة للانتفاض والخروج في مسيرات، أو غيرها، مدعاة للاعتقال والملاحقة من الأمن الفلسطيني.

ولكن الأخطر من الاعتقال السياسي، هو ملاحقة المقاومين وإطلاق النار عليهم واعتقالهم، كما جرى مع أحدهم في مدينة نابلس قبل يومين، ومساومة المسلحين على تسليم أنفسهم وتفكيك العبوات الناسفة التي تزرعها المجموعات المقاومة في طريق آليات الاحتلال التي تقتحم المناطق الفلسطينية.

فقد أصيب المطارد من قبل قوات الاحتلال إسماعيل عوكل بالرصاص الذي أطلقته عليه أجهزة أمن السلطة في البلدة القديمة في مدينة نابلس الخميس الماضي، وأظهرت صور بقعا من الدماء متناثرة على مسافات متباعدة خلال عملية جر المصاب على الأرض، وفق شهود عيان رفضوا الإعلان عن هويتهم.

ويقول أحدهم، إن “عوكل شك باقتراب أشخاص مسلحين منه يرتدون الزي المدني، حيث اعتقد للوهلة الأولى أنهم (مستعربون) يتبعون قوات الاحتلال، غير أن أحدهم أطلق عليه الرصاص من مسافة قصيرة، قبل أن يحيطوا به ويجروه على الأرض وهو ينزف، ومن خلال حديثهم تبين لنا أنهم يتبعون لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني”.

وعوكل (28 عاما)، أسير محرر مقرب من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اعتقل عدة مرات، أولها وهو قاصر عام 2010، وأمضى 20 شهرا وأُطلق سراحه بـ”صفقة وفاء الأحرار”، وأُعيد اعتقاله خلال عام 2012، وأمضى 15 شهرا، وتم اعتقاله مرة ثالثة في عام 2014، ليقضي محكومية لمدة 28 شهرا، وأعيد اعتقاله بتاريخ 6/10/2021 وأمضى نحو عامين في سجون الاحتلال.

ويعاني عوكل من وضع صحي صعب، فهو بحاجة لرعاية خاصة لحالته، كونه لا يرى بعينه اليسرى، ولديه شُعر بالجمجمة وقد سبق وزُرع له “بلاتين” في رجليه، كما يعاني من ضعف عام في عضلة القلب إثر دهسه من جيب عسكري إسرائيلي أثناء طفولته.

وهذه ليست المحاولة الأولى التي تتم فيها ملاحقة مطارد بهدف اعتقاله والسيطرة على سلاحه، إذ حاولت السلطة خلال الأشهر الماضية اعتقال مطاردين بارزين، كما جرى مع المقاومة محمد أبو شجاع من داخل مستشفى ثابت ثابت في طولكرم، وأحمد أبو دواس أحد أفراد كتيبة طوباس والمطارد لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وترتفع وتيرة الملاحقة الأمنية مع ارتفاع كم ونوع أعمال المقاومة ضد الاحتلال، وتنخفض مع تراجع الفعل المقاوم. ويقول أحد أفراد كتبة طوباس، إن المرحلة الحالية تشهد تنوعاً في طرق استهداف قوات الاحتلال، عبر إطلاق النار المباشر، وزرع العبوات، وطريقة جديدة في تفخيخ المركبات التي تقترب منها قوات الاحتلال.

ويشير إلى أن ملاحقة أجهزة أمن السلطة للمقاومين تجعل العمل المقاوم في دائرة ضيقة، “وهذه الملاحقات أصعب من ملاحقة الاحتلال كونهم ينصبون الحواجز، ويقطعون الطرق على تحركات الكتيبة، بينما اقتحامات الاحتلال قد ترصد مسبقاً ويتدارك الأمر باللجوء إلى أماكن سرية ومتاحة للمواجهة، تجعل عملية اعتقال الشبان بعيدة عن أيادي الاحتلال”.

وتزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة إفشال الأجهزة الأمنية وإحباطها للعديد من العمليات التي تخطط لها المقاومة في الضفة الغربية، ومن خلال وسائل مختلفة، أبرزها اعتقال المخططين أو المنفذين لتلك العمليات، كما جرى مع عوكل وقبله العشرات.

كما تمكنت أجهزة أمن السلطة من انتزاع اعترافات بأماكن زرع العبوات الناسفة محلية الصنع التي يضعها مقاومون لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وإرسال فرق متخصصة من وحدة الهندسة والمتفجرات في الأمن الفلسطيني لانتشال العبوات وإبطال مفعولها، ومن ثم العمل على تفجيرها في أراضٍ فارغة.

ويؤكد المحامي إبراهيم العامر، أن الاعتقالات السياسية لم تتوقف منذ اندلاع الحرب على غزة، وأن العديد من الملفات تصنف أنها “أمنية، وبالتالي حتى قرارات القضاء بالإفراج عنهم لا تنفذ دون أي مبرر قانوني أو حكم قضائي”.

ويقول في تصريحات صحفية: “في بعض الأحيان يتم إلغاء قرارات الإفراج دون مسوغات حقيقية أو مبررات قانونية سليمة كما جرى ويجري مع العديد من المعتقلين السياسيين بشكل مستمر وبدون توقف”.

ويشير إلى أن تحديد السبب الفعلي للاعتقال ليس سهلا، فالتحقيق يدور حول قضايا سياسية معينة بشكل أساسي، ولكن في المحكمة والقضاء توجه لهم تهم مغايرة تأخذ الطابع القانوني دون أي أدلة حقيقية تقدم للقضاء تثبت ولو بشكل مبدئي إدانة المعتقل السياسي بالتهم المسندة إليه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات