الجمعة 09/أغسطس/2024

تقرير يكشف كيف ساهمت شركات التخزين السحابي في قتل الغزيين

تقرير يكشف كيف ساهمت شركات التخزين السحابي في قتل الغزيين

نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام

كشف موقع “سيحا ميكوميت” الإسرائيلي في تحقيق حصري عن التعاون الوثيق في الحرب على غزة بين الجيش الإسرائيلي وشركات تخزين سحابي شهيرة بينها غوغل ومايكروسوفت وأمازون، شملت تزويد جيش الاحتلال بخدمات الذكاء الاصطناعي لتطوير قدراته العملياتية في قطاع غزة، وتمكينه من تخزين كميات غير متناهية من البيانات لاستخدامها في الحرب.

وفي تحقيق مطول تحت عنوان “طلبية من أمازون.. هكذا تساعد شركات خدمات التخزين السحابي الجيش في غزة” ذكّر الموقع الاستقصائي بمحاضرة للعقيد راشيلي دمبينسكي مسؤولة نظم المعلومات في الجيش الإسرائيلي قبل شهر تناولت خدمات التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي التي قدمتها الشركات الثلاث للجيش منذ بداية الحرب، لتكون أول اعتراف علني بهذا التعاون يدلي به مسؤول عسكري، وذلك على خلفية تظاهر موظفين في عمالقة التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، احتجوا على بيع خدمات سحابية ونظم ذكاء اصطناعي لإسرائيل استُخدمت ضد مدنيي غزة.

وكتب الموقع أن ما ذكرته العقيد دمبينسكي يؤكد ما توصل إليه تحقيق سابق له، بناء على لقاءات مع مسؤولين عسكريين كبار وآخرين في قطاع صناعة السلاح ومسؤولين في شركات التخزين السحابي ووكالات استخباراتية.

السحابة العملياتية

ورغم أن دمبينسكي لم تحدد طبيعة الخدمات التي تلقاها الجيش، ورغم تأكيد مصادر أمنية أنه لم تُنقل بيانات عملياتية إلى هذه الشركات، فإن تحقيق “سيحا ميكوميت” يكشف أن بيانات استخبارية جُمعت عن سكان غزة خُزنت في الخدمة السحابية لأمازون، وأن الشركات الثلاث وفرت للجيش قدرات ذكاء اصطناعي وخدمات أخرى على مستوى غير مسبوق منذ بداية الحرب.

وتحدث 7 مسؤولين استخباريين عملوا في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول عن تعاون وثيق جدا بين الجيش و”سحابة أمازون” -بدأ حتى قبل الحرب- حيث يوفر عملاق التخزين السحابي للجيش ما يشبه المستودع الضخم الذي تخزن فيه بيانات تخدمه في حربه ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وقالت مصادر عسكرية إن حجم البيانات الاستخباراتية التي جمعت من مراقبة كل سكان القطاع من الضخامة بحيث يستحيل تخزينها على خوادم الجيش، وقال بعضها إنه يشهد على أن البيانات المخزنة في المستودع السحابي ساعدت في إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ اغتيالات تمت من الجو خلال الحرب الحالية.

وفي محاضرتها في 10 يوليو/تموز الماضي، قالت دمبينسكي إن الحرب شكلت عبئا على ما سمته “السحابة العملياتية” للجيش، بسبب العدد الهائل للمستخدمين الذين أضيفوا إليها بحيث لم تعد تكفي مع انطلاق الغزو البري، ناهيك عن تقلص قدرة المعالجة، فتقرر اللجوء إلى الشركات الخاصة التي “سمحت للجيش خلال الحرب بشراء خوادم تخزين وقدرات معالجة غير محدودة، وبكبسة زر وحسب الضرورة، دون الحاجة إلى تخزين البيانات، ماديا، على خوادم الجيش”.

وتشغل هذه السحابةَ العملياتية إدارةُ نظم المعلومات في الجيش، وهي حسب مصادر عسكرية والناطق العسكري لا تخزن على الخوادم السحابية للشركات الخاصة، بل على خوادم الجيش المستقلة، وتحتوي فيما تحتوي -حسب دمبينسكي- على تطبيقات تسمح بتحديد الأهداف الواجب قصفها، وقد توفر متابعة “حية” لما تلتقطه المسيرات في سماء غزة، ومن ثم إطلاق النار.

ورغم أن دمبينسكي لم تذكر أسماء شركات التخزين السحابي الثلاث الشهيرة، ظهرت شعارات “خدمات أمازون ويب” (AWS) و”غوغل كلاود” و”مايكروسوفت أزور” مرتين على الأقل في العرض التي قدمته. كما ظهر أيضا شعار غوغل لوقت قصير بين الجهات الراعية ثم أزيل قبل انطلاق الفعالية.

وقالت دمبينسكي إن أهم خدمة توفرها شركات الخدمات السحابية الثلاث هي الذكاء الاصطناعي المتقدم بما سمح للجيش بأن يزيد كثيرا فعاليته العملياتية، لكن دون تحديد طبيعة الخدمات التي تم شراؤها، أو كيف عززت عمليات الجيش.

محمي بخدمة reCAPTCHA

وذكرت مصادر عسكرية أيضا أن النظم السرية ونظم إطلاق النار، بما فيها بنك الأهداف، لم تنقل إلى التخزين السحابي العام، لكن تحقيق “سيحا ميكوميت” كشف كيف نُقلت فعلا إلى خادمات هذه الشركات الخاصة نظمٌ ساعدت الجيش في حربه، وبينها على الأقل منظومة استخبارات تشغّلها الاستخبارات العسكرية.

وكشف التحقيق أيضا أن خدمات الذكاء الاصطناعي التي توفرها الشركات الثلاث بيعت، ومنذ بداية الحرب، على نطاق غير مسبوق لوحدات في الجيش، بعضها سري.

وفي تعليق له، قال متحدث عسكري إنه لم يُذكَر إطلاقا خلال الفعالية آنفة الذكر أن البيانات تنقل من السحابة العملياتية إلى السحابة العامة، وإن الجيش يتعاون مع الشركات الثلاث في إطار اتفاق “نيمبوس” وإن المعلومات السرية الخاصة لا تنقل إلى مزودي خدمة التخزين السحابي وتبقى محفوظة على “السحابة” الخاصة بالجيش.

مشروع “نيمبوس”

وكانت “خدمات أمازون ويب” (AWS) وغوغل كلاود فازتا بمناقصة عام 2021 قيمتها 1.2 مليار دولار لمساعدة الوزارات الإسرائيلية على نقل نُظُم بياناتها إلى خوادم سحابية عامة، وتتلقى منها أيضا خدمات متقدمة فيما عرف بـ “مشروع نيمبوس”.

ورغم أن التقارير الإعلامية الإسرائيلية تقول إن الجيش ووزارة الدفاع لن ينقلا إلى خوادم الشركات إلا البيانات غير المصنفة في خانة السرية، فإن هذه الشركات -وحسب مصادر عسكرية- تبيع عمليا، ومنذ أكتوبر/تشرين الأول على الأقل، وحدات سرية في الجيش خدماتِ ذكاء اصطناعي.

وقال مصدر استخباري لسيحا ميكوميت إنه عندما بدأت النقاشات وطُرح سؤال عن الإشكال الأمني الذي قد يسببه نقل البيانات إلى شركة تتبع طرفا ثالثا، كانت الأجوبة تهون من الإشكال بحجة أن إيجابيات التعاون مع شركات التخزين السحابي تفوق السلبيات.

وكشف مصدر أمني آخر كيف أن الجيش بحث بداية الحرب نقل منظومة استخبارات، تستخدم قاعدة لشن كثير من الهجمات في غزة، إلى خوادم شركات عامة، بعدما ارتفع عدد المستخدمين، وكان البديل مغريا “فأنت في السحابة تكبس زرا لا غير، وتدفع ألفي دولار إضافية فتحصل على 10 خوادم شهريا وتُمنح ألفا أخرى بمليون دولار شهريا إن اندلعت الحرب. هذا مكمنُ قوة السحابة الذي جعل الجيش يدفع نحو العمل مع مزودي الخدمات السحابية”.

وبدأ هذا التغير الدراماتيكي حتى قبل الحرب، لكنه تسارع بشكل كبير بعد نشوبها.

ويقول أناتولي كوشنر -وهو مؤسس شركة تقنيات رفيعة تساعد منذ أكتوبر/تشرين الأول وحدات الجيش في “الانتقال” إلى الخدمة السحابية- لموقع سيحا ميكوميت “في الماضي كان الجيش يعتمد على نظم يطورها بذاته، لكن إن احتاج خدمة ما، فعليه الانتظار أشهرا وحتى سنوات لتطويرها. أما في السحابة، فإن الأمر متاح بشكل أبسط كثيرا”.

ورغم أن كوشنر يقول إن المعلومات الفعلية والسرية للغاية والتي تشكل جزءا من الدائرة العملياتية لا تخزن عند شركات التخزين السحابي العامة، فإنه توجد على السحابة أمور استخبارية لبعضها جوانبُ عملياتية.

بيانات غزة

إحدى هذه المنظومات التي تشغلها الاستخبارات العسكرية محفوظة في الخدمة السحابية العامة لأمازون، وتحتوي -حسب 3 مسؤولين أمنيين استخدموها- على “كم لا متناهٍ” من البيانات، بعضها، بحسب شهادة عدد منهم- يُستعان به عملياتيا.

وقالت تلك المصادر إن الجيش يستخدم هذه المنظومة في غزة منذ نهاية 2022 على الأقل، لكن لم يقدّر قبل الحرب أنها ذات أهمية عملياتية خاصة.

وصوّر مصدر أمني -شارك في اجتماعات بحثت نقل المنظومة إلى نظام السحابة العامة- المزاج العام السائد حينها قائلا إنه يميل إلى وصف الخدمة بالممتازة، فيتساءل أحدهم مثلا “لمَ تطوير كل شيء على مستوى الوحدة إذ كانت هذه القدرة متاحة أصلا”؟

وحسب خبراء استخباراتيين، فإن ما يصعب تخزينه ليس البيانات النصية وإنما الملفات الصوتية التي تقدر بالمليارات ويحتاج حفظها ومعالجتها الانتقال إلى خدمة السحاب.

وقالت مصادر عسكرية إن سحابة أمازون ما زالت ومنذ بداية الحرب تعد مصدر معلومات “هامشيا جدا” بالنسبة للجيش، لكن 3 من هذه المصادر ممن شاركت في تنفيذ هجمات استخدمت فيها بيانات السحابة، أكدت أن المعطيات استُعملت مرات عديدة كـ “بيانات إضافية” لتنفيذ غارات جوية ضد مسلحين، قتل في بعضها مدنيون كثيرون.

استخدام عملياتي

وكما كشفه موقع سيحا ميكوميت، كان الجيش أقر بدايةَ الحرب سياسة تقضي بالمضي قدما في اغتيال قادة حماس الكبار حتى لو ترتب عنها مقتل 100 فما فوق من المدنيين ممن لا علاقة لهم بالهجمات، وقالت المصادر الأمنية إن سحابة أمازون كانت حينها في بعض الحالات تستخدم لأغراض عملياتية.

وشرح مصدر أمني آخر -شارك في الحرب الحالية- كيف كان يستخدم شاشتين إحداهما موصولة بمنظومة الجيش وأخرى بالسحابة، وينفذ من خلالها “طلبيات من أمازون”.

ويشرح كتاب يوسي شاريل، قائد وحدة 8200 الإسرائيلية الشهيرة منذ 2021، كيف تستطيع السحابة الخاصة بالجيش الاستفادة بأمان من حجم التخزين الهائل والفعال الذي تتيحه الشركات العامة للتخزين السحابي فـ”الأمر ضروري، لأن كم البيانات الذي تخزنه الاستخبارات من الضخامة بحيث يستحيل أن تخزنه بشكل ناجع إلا شركات مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت”.

أما نائب قائد الوحدة لشؤون الرقمنة فشرح -في مقال نشر عام 2021- كيف يمكن للحيش الاستفادة هو الآخر من التعاون فـ”جهاز الاستخبارات العسكرية يحتفظ بأغلب البيانات التي يخزنها الجيش، بما فيها بيانات عن الأعداء جُمعت من طيف واسع من المصادر، وهي معلومات تستطيع الشركات المدنية دفع مبالغ هائلة للحصول عليها”.

ويضرب مصدر استخباراتي -استخدم النظام الذي تخزنه المستودعات السحابية- مثلا على أحد أشكال التعاون بشخصٍ ما اكتسب أهمية خلال العملية الاستخبارية، لكن لا تتوافر معلومات عنه (لأنه لم يحدد سابقا كهدف جدير بالمتابعة) وهنا يأتي دور السحابة التي تستطيع تقديم البيانات عنه لأنها تتوفر على كل شيء.

ويلجأ الجيش عادة إلى محو المعلومات التي تتراكم في قواعد بياناته لتخفيف الضغط، لكن دمبينسكي قالت في محاضرتها إنه بات يعمل منذ أكتوبر/تشرين الأول على حفظ وتخزين ومراكمة كل المواد المتعلقة بالحرب، وهو ما أكده مصدر أمني عزا الزيادة في حجم الحفظ إلى خدمات التخزين السحابي العامة.

منصة تسويق

وتقول مصادر في قطاع التقنية العالية إن الشركات الثلاث تنظر إلى وزارة الدفاع على أنها زبون “إستراتيجي” ليس فحسب بسبب هامش الربح، لكن أيضا لأنها تساعد في تكوين رأي إيجابي عن هذه الشركات لدى وكالات استخباراتية أخرى من حول العالم، وتكرس “نزعات” قد تتبعها أجهزة أخرى.

وتحدث موقع سيحا ميكوميت للعقيد آفي دادون الذي أدار قسم المقتنيات في وزارة الدفاع الإسرائيلية حتى 2023 وكان مسؤولا عن مشتريات تقدر بـ 2.6 مليار دولار سنويا.

يقول دادون إن الجيش الإسرائيلي بالنسبة لشركات التخزين السحابي أقوى منصة تسويق وهو بمثابة مختبر.

وكان هذا العقيد بين من تواصلوا مع عمالقة التخزين السحابي لتجسيد مشروع سري وأكثر حساسية من “نيمبوس” عرف باسم “سيريوس”.

وهدف المشروع -الذي لم يكتمل بعد- لإقامة سحابة خاصة بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية (مجتمعة) على خوادم الشركات التي توفر خدمة التخزين السحابي العام.

ويشرح دادون كيف أن “سيريوس” سحابة خاصة معزولة وموجهة حصرا للجيش ووزارة الدفاع، غير موصولة بشبكة الإنترنت، وتُبنى باستخدام بنية شركات الحوسبة السحابية الكبرى للسماح للوكالات الأمنية الإسرائيلية باستخدامها من أجل نظمها السرية.

ويقدم دادون أحد جوانب النجاعة في الخدمة السحابية فـ”عندما تريد القضاء على أحدهم مثلا، تتاح أمامك مليارات التفاصيل التي لا تبدو مهمة، لكن عليك تخزينها رغم ذلك.. وفي اللحظة التي تريد فيها معالجتها فإنك تمزج كل شيء في مُنتج واحد يقول لك إليك الهدف في ساعة معينة، وأمامك حينها 5 دقائق لا اليوم كله، إذن أنت حتما تحتاج إلى البيانات”.

ويضيف “ولأنك لا تستطيع التخزين في خوادمك، تلجأ باستمرار إلى محو ما تراه غير ضروري، لكن ما يُضيرك إن أتيح لك كل شيء مضافا إليه تاريخه؟”.

تطبيق “لافندر”

وكان تحقيق سابق أظهر كيف أن هجمات سابقة في غزة نُفذت بناء على توصيات تطبيق اسمه “لافندر” يعالج بيانات أغلب سكان القطاع ويحدد -لأهداف التصفية وباستخدام الذكاء الاصطناعي- قائمة للنشطاء العسكريين بمن فيهم صغار الرتب، قبل البدء في تنفيذ هجمات منتظمة طالت بيوت المدنيين وانتهت بقتل عائلات بكاملها، وهو نمط هيمن خلال الأسابيع الأولى للحرب، قبل أن يتراجع الجيش عن استخدام التطبيق لأنه قدّر أنه “ليس موثوقا كفاية” ويلجأ إلى تطبيقات أخرى.

ولا يعرف بعد إن كان “لافندر” قد طُور بمساعدة شركات مدنية تشمل شركات التخزين السحابي العام.

ورغم أن الحرب الحالية حتما ليست أول حرب رقمية شاملة كما ذكرت دمبينسكي، فإنها عرفت تسارعا كبيرا في عملية الرقمة داخل الجيش الإسرائيلي، حيث يُرى قادة عسكريون يتحركون في ميدان القتال حاملين هواتفهم الخلوية المشفرة، أو يكتبون في مجموعات نقاش عملياتية تشبه واتساب، ويستخدمون تطبيقات لا تعد ولا تحصى.

وقال ضابط خدم في غزة “أنت تحارب من حاسوبك.. في الماضي كنت ترى بياض عيني هدفك، وتنظر من خلال المنظار لتراها تنفجر.. أما اليوم فإنك تقول لهم اقصفوا بالدبابة وأنت تعمل من حاسوبك”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات