الإثنين 05/أغسطس/2024

مستشفيات مدمرة والسفر ممنوع .. ماذا يعني أن تكون مريضًا ولا تجد علاجًا في غزة؟

مستشفيات مدمرة والسفر ممنوع .. ماذا يعني أن تكون مريضًا ولا تجد علاجًا في غزة؟

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

على مدار أسابيع بقيت عائلة الفلسطيني إسحاق نائل مشتهى توجه المناشدات لتمكين نجلها من السفر للعلاج في الخارج بعد تدهور حالته الصحية نتيجة عدم توفر علاج ملائم في قطاع غزة، ولكن روحه فاضت لبارئها ليكون شاهدًا جديدًا على مأساة المرضى في القطاع المحاصر.

وتوفي “إسحاق نائل مشتهى” (29 عامًا) السبت بعد معاناة مع سوء التغذية وعدم تمكينه من السفر لتلقي العلاج.

وقال طالب مشتهى: إن شقيق المريض المتوفى كان يعاني من قبل الحرب على غزة من أعراض مثل مغص وألم في البطن، وفي بداية الحرب، بدأ المرض يشتد وازداد وضعه سوءًا بعد إجراء عملية له في الأمعاء في 2 مايو/أيار الماضي.

وأشار إلى استئصال 30 سم من أمعائه وانخفض وزنه من 75 إلى 39 كيلو غرامًا، ونتيجة إغلاق المعبرـ بقيت مناشدات “مشتهى” بالسفر للعلاج بلا إجابة حتى توفي، وفق شهادة أوردها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

وفيات يومية

ويسجل قطاع غزة يوميًّا العديد من حالات الوفاة نتيجة الحصار التعسفي الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، ومنعها المتواصل لإدخال المستلزمات الطبية، بما في ذلك الأجهزة الطبية والأدوية الضرورية، بعد أن دمرت بشكل منهجي وواسع النطاق القطاع الصحي طوال الأشهر العشر الماضية.

وأكد الأورومتوسطي أنه يتلقى عشرات الشكاوى يوميًّا من فلسطينيين بحاجة لسفرهم أو سفر ذويهم لتلقي العلاج المنقذ للحياة خارج قطاع غزة، بسبب عدم توفر العلاج الملائم أو الأدوية والأجهزة الطبية وخروج غالبية المستشفيات عن الخدمة، بفعل الحصار والاستهداف الإسرائيلي.

وأغلقت إسرائيل معبر رفح البري مع مصر، وهو المنفذ الوحيد خلال الحرب للسفر في قطاع غزة، منذ إعادة نشر قواتها العسكرية والتمركز فيه وتدمير أجزاء واسعة منه في 7 مايو/أيار الماضي، وهو ما حرم آلاف المصابين والمرضى من السفر لتلقي العلاج، ما أدى إلى وفاة المئات منهم حتى الآن.

وتشير معطيات وزارة الصحة في غزة إلى وجود أكثر من 12 ألف مصاب و14 ألف مريض بحاجة إلى تحويل خارجي عاجل لإنقاذ الحياة، مؤكدًا أن هؤلاء جزء من عشرات الآلاف بحاجة ماسة للسفر من أجل استكمال علاج أو تلقي خدمات صحية ضرورية وتأهيلية غير متوفرة في قطاع غزة.

وأكد الأورومتوسطي -في بيان الاثنين تلقى المركز الفلسطيني للإعلام نسخة منه- أن عشرات حالات الوفاة تسجل يوميًّا لمرضى وكبار سن غالبيتهم نتيجة غياب الأدوية أو العلاج أو عدم توفر رعاية صحية ملائمة، وهؤلاء لا يتم احتسابهم رسميًّا ضمن ضحايا الهجوم الإسرائيلي المستمر.

وقال: إن معطيات وزارة الصحة تشير إلى ارتفاع نسبة الوفاة في قطاع غزة بشكل كبير خلال الأشهر الماضية مقارنة بالفترة نفسها من العامين السابقين، وأنه لوحظ وجود علاقة بين ارتفاع حالات الوفاة وخروج المستشفيات عن الخدمة وانهيار النظام الصحي نتيجة الاستهداف الإسرائيلي الممنهج.

من ينقذ طفلي؟

والدة الطفل “يوسف باسل الأدهم” (عامان ونصف) من شمال غزة تقول: إن طفلها تعرض لإصابة في قصف منزل وخرج من تحت الأنقاض بشلل دماغي، والآن يعاني مع سوء التغذية وتقرحات في جسده.

وأضافت: حاول الأطباء معالجته وأجريت له عمليات عدة، ولكن لم يجد ذلك نفعًا لدمار المقدرات الطبية بسبب الهجوم العسكري وعدم توفر الرعاية الصحية المناسبة.

وتتابع “يحتاج طفلي للسفر للعلاج بالخارج لأراه يستطيع الجلوس مرة أخرى على الأقل كما أخبرني الطبيب ولكن رغم تسجيله لتحويلة للخارج حال إغلاق المعبر دون ذلك.”

معاناة مرضى السرطان

ويواجه الآلاف من مرضى السرطان معاناة شديدة ومهددون بالموت نتيجة عدم توفر العلاج وحاجتهم للتحويل للسفر لتلقي الجرعات الكيماوية.

“ميساء عليان كامل عليوة” مريضة سرطان لم تتلق العلاج بسبب ظروف الحرب، تقول لفريق الأورومتوسطي: “أنا مريضة سرطان منذ 2018، حياتنا كانت صعبة في الحرب وغير القصف الإسرائيلي كان الماء مشكلة لنا لصعوبة توفيره، وكنا نذهب لمكان بعيد لنحصل على الماء … عانيت من النزوح والقصف”.

تضيف: قضينا ليال تحت قصف الطائرات والقذائف المدفعية العشوائية وقد قُصف مكان خلفنا ونجونا من الموت بأعجوبة ونزحنا لخان يونس دون أن يكون معنا أي مقومات الحياة التي أقلها الماء والطعام. وخلال فترة نزوحي، كنت بدون علاج أو متابعة حالتي، وكنت أخفف ألمي بمسكنات بسيطة لا تأثير لها، والمستشفيات بعيدة ونذهب مشيًا وبدون أن أحصل على الرعاية الطبية اللازمة في ظل انهيار المستشفيات. كل يوم أشعر أني أقترب من الموت أكثر”.

الفشل الكلوي

والدة الطفل “عبد الله محمد اكريم” (9 أعوام) تروي هي الأخرى مأساة طفلها الذي بحاجة لعلاج غير متوفر في قطاع غزة: “نزحنا إلى مدرسة بعد قصف منزلنا شمال غزة، تعب ابني فجأة ونقلناه إلى مستشفى كمال عدوان الوحيدة التي ما تزال تعمل في وقت تمر فيه المنظومة الصحية في شمال غزة بحالة الانهيار، أُدخل إلى العناية المكثفة 3 أيام وبعدها شخّص الأطباء حالته بأنه فشل كلوي وحاجته إلى غسيل كلى، وأرجح ذلك إلى الاعتماد على المعلبات كغذاء منذ أشهر ونقص المعادن والفيتامينات، وهذا غير متاح بسبب عدم توفر الفواكه والأغذية والعلاج والمكملات في شمال غزة”.

تزايد الأمراض ولا علاج

طبيب أطفال في مستشفى كمال عدوان، ساهر نصر، يؤكد أن الحالات المرضية منتشرة بكثرة بين الأطفال في شمال غزة خلال الأيام الأخيرة بسبب سوء التغذية وضعف المناعة.

وأضاف: “انتشرت في ظل الحرب العديد من الأمراض الجلدية بين الأطفال أغلبها لم نسجل حالات إصابة بها سابقًا أغلبها بسبب بكتيري وفيروسي، بالإضافة للفطريات التي لا تأتي إلا لأصحاب المناعة الضعيفة.

وتابع: هذه الأمراض معدية وتزيد الحالات بسبب تكدس السكان في مراكز الإيواء، بالإضافة لانعدام سبل النظافة وتلوث المياه، ولقلة الغذاء وسوء التغذية بسبب اعتماد المعلبات التي تحوى مواد حافظة وعدم وجود البروتينات في الغذاء.

وأشار إلى أن ذلك سبّب تأخر شفاء الجروح وحدوث التهابات فيها، والعلاج غير موجود في الوقت الحالي من مراهم أو مضادات حيوية، وقال: نحن في المستشفى نتعامل مع الأعراض دون قدرة على علاج المرض أو السيطرة عليه. إذا ما استمر الوضع الحالي على ما هو فستزداد الأعداد أكثر وسنرى حالات أصعب”.

إعدام جماعي

ويحذر الأورومتوسطي أن ما يجري من حصار وإغلاق المعابر، بعد تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات والمرافق الصحية في قطاع غزة وإخراج غالبيتها عن العمل، يعني قرارًا إسرائيليًّا بتنفيذ إعدام جماعي للمرضى والمصابين وقتلهم عمدًا.

وقال الأورومتوسطي إن تدمير المستشفيات والمرافق ووسائل النقل الطبية ومنع إدخال الأدوية والأجهزة الطبية وقتل واعتقال الكوادر الطبية يأتي في مقدمة جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، لتقتل على نحو بطيء من لم تقتله الهجمات على نحو مباشر، من خلال الحرمان من العلاج والغذاء الضروريين، والمواد الأخرى التي لا غنى عنها للبقاء.

ويشدد على أن تدمير القطاع الصحي هو ركن أساسي للخطة المنهجية والمنظمة وواسعة النطاق التي تنفذها إسرائيل لتدمير حياة الفلسطينيين في القطاع، والقضاء عليهم، وتحويل وطنهم إلى مكان غير قابل للحياة والسكن ويفتقد لأبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية، من خلال جرائم متكاملة، أخطرها الاستهداف المنهجي وواسع النطاق للقطاع الصحي وإخراجه عن الخدمة بالتدمير والحصار، وإيصاله إلى نقطة اللاعودة، وحرمان الفلسطينيين من فرص النجاة والحياة والاستشفاء، وحتى من المأوى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات