عاجل

الخميس 01/أغسطس/2024

هنية القائد الإنسان.. لمحات من مسيرة حياته

هنية القائد الإنسان.. لمحات من مسيرة حياته

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

رحل القائد الوطني الكبير إسماعيل هنية، لكنّه سيرته ستبقى ملهمة للأجيال من بعده، فقد كان الشهيد من القلّة الذين جمعوا بين الشخصية السياسية والاجتماعية، ليكسب حبّ المقربين من عائلته وجيرانه وأبناء حركته، واحترام المنصفين من أبناء شعبه وأمّته وأحرار العالم.

فلم يكن هنية قائداً سياسياً فحسب، بل كان إنساناً متواضعاً، ورياضياً نشيطاً، محبّاً لعائلته، محسناً إلى جيرانه، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم. وصاحب قلب كبير جعله متسامحاً، يؤثر المصلحة العامة على مصلحته الخاصة.

علاقته بأهله والجيران

كان الشهيد إسماعيل هنية رمزاً للأب العطوف، والجدّ الحنون، والجار الصالح. ففي مقطع متداول، ظهرت زوجة ابن القائد الشهيد إسماعيل هنية لترثي حماها وتستذكر ابنتيها الشهيدتين.

تقول وعيناها تغرورقان بالدموع إنّ ابنتيها آمال ومنى كانتا تلحّان على الخروج والسفر خارج غزة هرباً من ويلات الحرب، ولتلتقيا بجدّيهما “أبو العبد”. لكن الأمّ الصابرة كانت تهدّئ من روعهما وتقول: “نحن نعيش مع الناس، ونموت مع الناس، مثلنا مثل الناس”.

وقد كان أن استشهدت الطفلتان مثل غيرهما من الأطفال الشهداء، وخاطبت الأمّ المكلومة ابنتيها الشهيدتين: “لقد جاء جدّكم بنفسه إليكم، فاستقبلاه أحسن استقبال”.

وتابعت راثية حماها الشهيد قائلة: “جدّكم رجل عظيم، خسرته الأرض.. يا أهل الجنة! يا أبناءه ويا شهداء الأمة استقبلوه”.

كما نعاه نجله الأكبر عبد السلام قائلاً: “لقد نال الشهادة التي طالما تمنّاها”. وأكّد أنّ “دماءه ليست أغلى من دماء أطفال شعبنا، ولا أغلى من أي دمعة ذرفتها أمّ على ابنها الشهيد”.

وأضاف عبد السلام أنّ آخر وصايا والده كانت دعوته للوحدة الوطنية التي كان دائماً يتطلع لها، إضافة إلى سعيه إلى إنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني.

وقد كان الشهيد هنية محبوباً عند جيرانه، فهذه جارته العجوز تنعيه بحرقة والدموع في عينيها، تقول: “تمنيت ولادي يموتوا ولا هو يموت.. كان حنون علينا ومن ساعة ما سمعت الخبر وأنا ببكي عليه”.

وصارت تذكر محاسنه وحنانه وإنسانيته، واستذكرت وقوفه مع جيرانه في أفراحهم وأحزانهم.

ووصفه جار آخر قائلاً: “أبو العبد كان مثل أبينا، هو الذي ربّانا، وله فضل كبير علينا”.. مضيفاً أنه إنسان نادر، ليس من السهل أن تجد مثله.

وفي لفتة حبّ ووفاء، وقف بعض الفتية من جيران الشهيد إسماعيل هنية فوق ركام بيته الذي دمّره قصف الاحتلال في مخيم الشاطئ، ليلتقطوا صوراً تذكارية وهم يحملون صورة القائد هنية ويرفعون شارات النصر، لتؤكّد تلك الصور أنّ الأجيال التي ربّاها هنية ستسير على نفس الدرب.

ويشاء الله تعالى أن يكون أول من يلحق بالشهيد هما الصحفيان اللذان صوّرا أولئك الفتية، وهما إسماعيل الغول ورامي الريفي، حيث قصف الاحتلال سيارتهما مباشرة بعد مغادرة المكان.

حبه لكرة القدم

وفي تصريحات صحفية سابقة، سرد القائد الراحل إسماعيل هنية سيرته الرياضية المليئة بالذكريات الكروية وروح الشباب، حينما بدأ ممارسة كرة القدم عام 1976 في ناشئي خدمات الشاطئ، ثمّ تدرج للعب في الفريق الأول عام 1981، وانتقل بعدها إلى صفوف الجمعية الإسلامية ليشارك معه في كافة البطولات المحلية في قطاع غزة، حتى توقف عن اللعب بعد اعتقاله في العام 1987.

وتحدّث هنية عن تلك الفترة قائلاً: “عشت أوقات كروية سعيدة في نادي الشاطئ والجمعية الإسلامية بجانب العديد من النجوم والأسماء الذين أتذكرهم دائما وأعيش معهم ذكريات جميلة في ملعب اليرموك في كل أربعاء، وهو موعد لقاؤنا الأسبوعي، وما يميز تلك الفترة هي المحبة والصداقة فيما بيننا”.

ويظهر الشهيد إسماعيل هنية في صورة نادرة أثناء لعبه كرة القدم مع فريق الجامعة الاسلامية في فترة الثمانينيات. وتعود الصورة تحديداً إلى العام 1986 حينما كان “أبو العبد” عضواً في فريق الجامعة الاسلامية لكرة القدم.

فريق الجامعة الاسلامية لكرة القدم في العام 1986

وكان هنية لاعب منتصف الملعب، ولعب لنادي المجمع الإسلامي، وكانت له إنجازاته الرياضية مع فريق الجامعة الإسلامية، حيث كان يقود الفريق مجموعة من أبرز لاعبي أندية قطاع غزة وقتها.

إمام وخطيب

وإلى جانب عمله السياسي، كان إسماعيل هنية رمزاً اجتماعياً ومربياً، يؤم المصلين في صلاة التراويح، حيث تميّز القائد الراحل بحلاوة صوته وإتقانه لأحكام التجويد، وتلاوة القرآن الكريم بصوت ندي.

وتظهر المقاطع المنشورة أنّ هنيّة كان ينتقي في صلاته آيات الشكر والصبر والابتلاء والتمكين والشهادة، ليرتقي بمأموميه منازل التزكية في جو روحاني، مستذكراً السابقين من الشهداء والصالحين,

وتداول ناشطون على مواقع التواصل إحدى تلاواته التي قرأ فيها آيات من سورة آل عمران تتحدّث عن فضل الشهادة والشهداء، وكأنّه ينعي بها نفسه.

ولأنّ الشهيد امتاز بقوّة اللغة وفصاحة اللسان، فقد اعتاد على إلقاء خطبة الجمعة أينما تيسّر له ذلك. فلم تقتصر خطبه على مساجد قطاع غزة، فقد خطب الجمعة في عدّة بلدان زارها، حيث خطب الجمعة في جامع عقبة بالقيروان في تونس في العام 2011، بالإضافة إلى خطبته الشهيرة من على منبر الجامع الأزهر في مصر في العام 2012.

تنازله الطوعي عن رئاسة الحكومة

أصبح هنية رئيساً للحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس، بعد فوز قائمة التغيير والإصلاح التي ترأسها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التي جرت في العام 2006.

ونتيجة لحالة الانقسام التي حصلت بعد عام من ذلك، شكلت السلطة حكومة في الضفة الغربية، بينما استمرّ هنية في رئاسة الحكومة الشرعية التي كان مقرّها في غزة.

وبالرغم من مغريات المنصب، والمكانة السياسية والاجتماعية التي يحملها، فقد حرص الشهيد هنية على فتح الباب أمام المصالحة الوطنية، وأبدى استعداده للتنازل عن منصبه في سبيل ذلك.

وبالفعل، أعلن قبوله التنازل عن رئاسة الحكومة في العام 2014 لصالح حكومة توافق وطني، وقال في رسالة الاستقالة: “إنني أسلم اليوم الحكومة طواعية وحرصاً على نجاح الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها في المرحلة القادمة”.

لقد كان الشهيد القائد إسماعيل هنية مثالاً للتضحية والفداء، حيث قدّم العشرات من الشهداء من أهله وأقاربه في معركة طوفان الأقصى، منهم ثلاثة من أولاده وشقيقته وبعض أحفاده، ثمّ ترجّل عن صهوة جواده ليلحق بهم شهيداً بعد مسيرة حافلة بالجهاد والعطاء.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات