الثلاثاء 27/أغسطس/2024

شرعية المقاومة.. البند الخفي في قرار محكمة العدل الدولية

شرعية المقاومة.. البند الخفي في قرار محكمة العدل الدولية

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني في غزة من ويلات حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، أصدرت محكمة العدل الدولية يوم الجمعة، الموافق 19 يوليو/ حزيران، قراراً تاريخيّاً يؤكّد أنّ استمرار الاحــتلال غير شرعي، وأنّ على إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة، وإزالة الاستيطان وإلغاء الجدار وتعويض الفلسطينيين عن كل ما سلب منهم، والسماح للشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير.

وبالرغم من أنّ قرار المحكمة عبارة عن رأي استشاري غير ملزم، فإنّ له تبعات وتداعيات، أقلّها تثبيت حقّ الفلسطينيين في أرضهم وأنّ الاحتلال باطل، وأهمّها تثبيت شرعية المقاومة وحقّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه المحتلة بكلّ الوسائل، وإن كان نص القرار لا يحوي تلك العبارة، فلا يخلو مضمونه منها.

حيثيات القرار

أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها بناءً على طلب تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022، حول العواقب القانونية الناشئة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث وجدت المحكمة:

– أنّ استمرار تواجد دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني.
– أنّ دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن.
– أنّ إسرائيل ملزمة بالتوقف فوراً عن جميع أنشطة الاستيطان الجديدة، وإخلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة.
– أنّ إسرائيل ملزمة بتقديم تعويض عن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة.

كما أكّد القرار الصادر عن المحكمة أنّ الأرض الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة) تشكل وحدة إقليمية واحدة يجب الحفاظ على وحدتها واستمراريتها وسلامتها.

ولقد لقي قرار المحكمة ترحيباً فلسطينياً وعربياً ودولياً، كما رحبت به المؤسسات الحقوقية الفلسطينية.

ففي بيان مشترك، أعرب كلّ من مؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، عن ترحيبهم بالرأي الاستشاري باعتباره انتصاراً لحقوق الشعب الفلسطيني.

ورحّب البيان باعتراف المحكمة “بإساءة استخدام إسرائيل المستمرة لموقعها كقوة احتلال”، مؤكّداً على الضرورة الملحة التي تقتضي أن يتصرف المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وفقاً لالتزاماتهم القانونية لضمان إنهاء هذا الاحتلال غير القانوني، الذي يتميز بطبيعته المستمرة في الاستيلاء على الأراضي، والعنف، والتمييز العنصري، وذلك بشكل فوري وكامل وغير مشروط.

كما حذّر البيان من أنّ فشل المجتمع الدولي في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي إلى تعزيز إفلات إسرائيل من العقاب، وتشجيعها على الاستمرار في انتهاك حقوق الفلسطينيين وارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، والتي تتمثّل حالياً في الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.

صفعة للاحتلال

من جهته، صرّح السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي أنّ قرار محكمة العدل الدولية مثّل انتصاراً كبيراً للشعب الفلسطيني من الناحية القانونية، ولطمة موجعةً غير مسبوقة لإسرائيل وحكومتها الفاشية.

وأضاف البرغوثي في مقال له نشره المركز الفلسطيني للإعلام أنّ القرار حسم الجدل بشأن طبيعة الأراضي المحتلة، مؤكّداً أنّها تشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة، وأنّها أراضٍ محتلّة من احتلال إسرائيلي غير شرعي، وليست أراضيَ يهودية كما يدّعي نتنياهو، أو متنازع عليها كما يدّعي حزب العمل وأحزاب صهيونية أخرى.

أمّا من حيث التوقيت، فيرى البرغوثي أنّ حكم العدل الدولية جاء في وقته تماماً، بعد يوم من صدور قرار الكنيست الإسرائيلي برفض الدولة الفلسطينية المستقلة، ومثّل لطمة موجعة لمن اتخذوا ذلك القرار.

لكن ما يلفت النظر، وفقاً للبرغوثي، أنّ ردات الفعل الإسرائيلية على قرار المحكمة، التي اتهمتها باللاسامية، جسدت تماماً ما جسّده قرار الكنيست الإسرائيلي من أمور أربعة هي:

– وحدة الحركة الصهيونية بكل مكوّناتها وأحزابها، سواء من هم في الحكومة أو المعارضة، في رفض حقوق الشعب الفلسطيني.
– التوجّه العام للمجتمع الإسرائيلي ومكوّنات المنظومة الصهيونية نحو الفاشية في التعامل مع الشعب الفلسطيني.
– تأكيد زوال الوهم بإمكانية الوصول إلى حلٍّ وسط مع الحركة الصهيونية عبر التفاوض.
– مثل قرار الكنيست دفناً لاتفاق أوسلو “الميت”، ونهج أوسلو الذي بُني على وهم الحل الوسط، ووهم إمكانية الوساطة الأميركية.

من جهتها، قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إنّ الرأي الاستشاري الذي قدمته محكمة العدل الدولية، قوّض الحجج الأساسية التي تسوقها إسرائيل لاحتلالها طويل الأمد للضفة الغربية وقطاع غزة، مضيفةً أنّه سلّح البلدان والمؤسسات والشركات بشكل أساسي بمبّرر قوي لمعاقبة إسرائيل، ومؤكدة أن تجاهله لا ينبغي أن يكون خيار إسرائيل.

وأوضحت الصحيفة، في تحليل بقلم الكاتب والدبلوماسي الإسرائيلي “ألون بينكاس” أنّ قرار محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي وإدارته للضفة الغربية والقدس الشرقية “خطير وغير سار”، موضحاً أنّ تل أبيب تستطيع أن تتحداه وتتجاهله وتسخر منه وتهاجمه بكل غطرسة كما تريد، ولكن عندما يتوصل القضاة إلى هذا الاستنتاج ويطالبون إسرائيل بدفع تعويضات للفلسطينيين، فإن ذلك يعطي المبرر للعديد من البلدان، الأعداء والأصدقاء والمنتقدين والمؤيدين على حد سواء.

دعم لشرعية المقاومة

إنّ تأكيد صفة الأراضي المحتلة على الضفة الغربية وغزة في قرار محكمة العدل الدولية يحوي بين طيّاته دعماً لموقف المقاومة الفلسطينية، وتأكيداً لشرعية الكفاح المسلح الذي تكفله قرارات الأمم المتحدة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وعلى وجه الخصوص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 41/ 101، الصادر في 4 ديسمبر/ 1986، بعنوان “إعادة تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال”، والذي ينص في بنده الثاني على أنّ الجمعية العامة “تعيد تأكيد شرعية كفاح الشعوب في سبيل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي، بجميع الوسائل المتاحة لها، بما في ذلك الكفاح المسلح”.

ومن أوائل الذين فطنوا لهذا الأمر، رئيس وزراء باكستان شهباز شريف، الذي أصدر بياناً أوضح فيه أنّ قرار محكمة العدل الدولية بضرورة إنهاء إسرائيل لاحتلالها ومستوطناتها غير القانونية “هو إثبات للنضال المشروع للشعب الفلسطيني الشجاع”.

وفي السياق ذاته، يؤكد الكاتب الفلسطيني نهاد أبو غوش أنّ “القرار يمثل وثيقة قانونية مرجعية في غاية الأهمية تؤكد شرعية النضال الوطني الفلسطيني وتنزع الشرعية عن الاحتلال وإجراءاته”.

ويضيف أنّ القرار يمثّل دليلاً موجهاً لكل الدول والمنظمات الدولية، ومؤشراً على مدى التزامها بالقانون الدولي، وبالتالي فإن المتوقع أن تعمد كثير من الأطراف، حكومات ومؤسسات وهيئات وحتى شركات وأفراداً إلى مواءمة قراراتها وتوجهاتها بناء على أحكام القانون الدولي.

ويشير أبو غوش إلى أنّ القرار يضع العالم أمام سؤال مصيري: إمّا عالم يحكمه القانون والشرعية الدولية ولا أحد فوق القانون، وإما يكون هناك استثناءات لإسرائيل بحيث يسود قانون القوة وشريعة الغاب.

ويتابع أنّ إسرائيل لم تستوعب بعد التغيرات العالمية الحاصلة، ويبدو انها بحاجة إلى وقت كاف لكي تهضم هذه التغيرات التي طرأت منذ طوفان الأقصى وما زالت مستمرة.

ويؤكّد أبو غوش أنّ تحسين الأداء الفلسطيني إزاء هذه التطورات المتلاحقة على قاعدة وحدة الموقف الفلسطيني وتماسكه سوف يمكّن من قطف ثمار هذه التطورات، وتجييرها لصالح منجزات عملية ملموسة على طريق الحرية والاستقلال.

عقبة أمام التطبيع

من ناحية أخرى، يرى الكاتب هشام توفيق أنّ لقرار المحكمة الدولية علاقة بالتطبيع مع الكيان المحتل، فوفقاً للكاتب يعني القرار أنّ اتفاقيات أسلو وكامب ديفيد والمنامة وقمة النقب، وقمة العقبة، واتفاقات أبراهام، كلها ينبغي أن تتوقف لأن هذه الأنظمة العربية المطبعة، يلزمها الرضوخ لقرارات الدولية ومحكمة العدل الدولية، التي تقر بأن هذا الكيان هو احتلال ونظام فصل عنصري.

ويضيف توفيق في مقال خصّ به المركز الفلسطيني للإعلام أنّ هذا القرار في سياق معركة طوفان الأقصى، وقبله بيوم كان قرار الكنيست الصهيوني بأن “لا اعتراف بدولة فلسطينية في الكيان الصهيوني ولا وجود لها”، فإذا كانت اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني هي من أجل تحقيق السلام والتعايش والسعي لإيقاف الصراع والوصول إلى حل الدولتين، فإنّ الكنيست قلبت الطاولة ولم تعد تعترف بشيء من تلك الاتفاقيات.

ويتساءل الكاتب: إذا قررت محكمة العدل الدولية اليوم بأنّ وجود الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية هو احتلال واستيطان غير شرعي، فلماذا لا زالت بعض الأنظمة العربية تسعى وراء التطبيع؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات